رئيسيسياسة عربية

فلسطين: من يجرؤ على خلافة فياض وكيف ستحل الازمة المالية للسلطة؟

… واخيراً وبعد جدال وسجال استمرا اكثر من اسبوع، قدّم رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض استقالته رسمياً الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فكان قبول الاخير لها طياً لصفحة مرحلة في العملية السياسية داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة وفتحاً لصفحة جديدة.

الاستقالة ارضت بطبيعة الحال حركة «فتح» التي كان هجومها على فياض وادائه على خلفية قبوله استقالة وزير المال في حكومته نبيل قسيس سبباً في فتح ابواب صراع بينه وبين هذه الحركة التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية، وبالتالي كان من الاسباب الرئيسية التي «اجبرت» عباس على قبول الاستقالة في نهاية المطاف.
كما ان الاستقالة عينها «اراحت» حركة «حماس» التي وان كانت اعتبرت على لسان احد قيادييها ان الاستقالة «موضوع داخلي مرتبط بالخلاف بين فتح وفياض»، الا انه لم يفتها ان تعبر عن عدم اعجابها بتجربة فياض على رأس الحكومة الفلسطينية، اذ قالت انه «يغادر الحكومة بعد ان اغرق شعبنا بالديون وحركة «فتح» تتحمل المسؤولية عن ذلك لانها هي التي فرضته على الجميع منذ البداية».
ولم يكن هذا «الوداع» السلبي لفياض من جانب حركة «حماس» مستغرباً او مفاجئاً، فهو اتى مباشرة الى سدة رئاسة الحكومة الفلسطينية منذ نحو سبعة اعوام، بعدما اقال عباس الحكومة التي شكلتها «حماس» برئاسة احد ابرز قيادييها اسماعيل هنية واثر مواجهات عسكرية بينها وبين حركة «فتح» في غزة، انتهت بسيطرتها المطلقة على المدينة وقطاعها، وطرد عناصر «فتح» منها وقفل مراكزها وحظر نشاطها.
وبمعنى اخر، كان فياض بالنسبة الى «حماس» رمزاً لمرحلة خلافية ولمرحلة فلسطينية متوترة.
فضلاً عن ذلك كله، فإن «حماس» وسواها من القوى تنظر اليه دوماً على اساس انه فرض فرضاً من واشنطن والغرب عموماً على عباس ليشغل المنصب الذي يشغله.

علاقة متينة
ولم تنكر السلطة الفلسطينية ولا رئيسها ولا فياض نفسه «متانة» علاقة فياض الوثقى بدوائر الغرب السياسية ومؤسساته المالية، لدرجة ان البعض اطلق عليه لقب «وديعة الغرب» لدى السلطة الفلسطينية، ومصدر ثقة الغرب بالسلطة.
وعليه، لم يكن مستغرباً ومفاجئاً ان تسارع واشنطن وعواصم اوروبية متعددة الى ممارسة ضغوط على عباس لانهاء خلافه مع رئيس وزرائه السابق وابقائه في منصبه، والى ممارسة ضغوط مماثلة على فياض نفسه، وهي تغري الاثنين بضخ مساعدات مالية، اذا ما بقي الوضع على حاله السابقة.
ولم يعد خافياً ان هذه الضغوط الغربية العلنية والصريحة لابقاء فياض في منصبه، وثني عباس عن خطوة اقالته المترافقة مع اطراء غير مسبوق بفياض ودوره، تركت انطباعات زادت في الصورة السلبية لدى شرائح فلسطينية واسعة حيال دور فياض، لدرجة ان احد قياديي «فتح» التاريخيين عزام الاحمد قال بصراحة: «اننا نشعر بالمهانة والخجل من جراء هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية الفلسطينية من الجانب الاميركي».
ولقد اتى هذا الكلام للاحمد في اعقاب تصريح لاحد ممثلي وزارة الخارجية الاميركية ابان وجوده في لندن قال فيه صراحة ان فياض لن يستقيل من منصبه.
واضاف انه «باق في منصبه على حد علمي»، وهو كلام مثّل محطة استفزازية بالنسبة الى حركة «فتح» وكوادرها لدرجة زادت من منسوب عدم ارتياحهم لاداء فياض، واشعرتهم بـ «المهانة» على حد قول الاحمد.
واكثر من ذلك، ذهبت حركة «فتح» الى حد بذل جهد كبير لكي تدحض فكرة ان استقالة فياض ستخلف وراءها «ازمة وطنية»، مؤكدة ان الشعب الفلسطيني ليس بعاقر وفياض ليس بآخر شخصية فلسطينية يمكن ان تتسلم منصب رئاسة الوزراء.
ولقد كانت السلطة الفلسطينية ومعها حركة «فتح» مضطرتين الى دحض كل الاجواء السلبية التي روجتها عواصم غربية وجهات اخرى، عن ان استقالة فياض ستزيد في حدة الازمة المالية غير المسبوقة التي تعيشها السلطة الفلسطينية منذ قيامها عام 1994، وهي الازمة التي ترسخت وازدادت في اعقاب توجه عباس الى الامم المتحدة وخوضه معركة الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية، مما فجر غضب اسرائيل فحجبت عن السلطة الفلسطينية العائدات الجمركية المتوجبة لها لدى السلطات الاسرائيلية، فيما امتنعت دول مانحة عن اعطاء السلطة مساعدات مالية كانت وعدتها بها في وقت سابق.

اسئلة
واذا كانت استقالة فياض قد اصبحت امراً متحققاً لا عودة عنه، واذا كان هو نفسه اكد انه لن يعود عن استقالته حتى ولو طلبت اميركا منه ذلك، فإن ثمة اسئلة متعددة بدأت تطرح نفسها على الفلسطينيين سلطة وقوى وفصائل ونخباً ابرزها:
هل من شأن هذه الاستقالة ان تعطي دفعاً لعملية المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي انطلق قطارها في اجتماعات القاهرة قبل فترة برعاية مصرية؟ واستطراداً ما هو تأثير هذه الاستقالة على الازمة المالية للسلطة الفلسطينية والتي وصلت حسب العديد من التقديرات الى حد الافلاس المالي، خصوصاً في الاشهر الاربعة المنصرمة؟
واستتباعاً: من سيخلف فياض في هذا المنصب، لا سيما ان ثمة معلومات يتم ترويجها عن امكان ان تفتح هذه المسألة الابواب امام مشكلة اخرى تضاف الى قائمة المشاكل الطويلة التي تعاني منها اصلاً السلطة الفلسطينية؟
الواضح ان حركة «حماس» سارعت قبل سواها الى نفي اي روابط محتملة بين الاستقالة المستجدة وعملية معالجتها مع حركة «فتح» وادرجت الحدث في خانة الخلافات بين «فتح» كتنظيم وعباس.
ومع ذلك، فإن بين العارفين بالشأن الفلسطيني من يعتبر ان الخطوة الجديدة من شأنها ان تساهم في دفع المصالحة قدماً لاعتبارات عدة ابرزها:
- ان فياض هو رمز غير محبوب في حركة «حماس» التي اعترضت عليه وعلى ادائه المالي والاقتصادي خصوصاً.
– اضافة الى ذلك، فإن من بنود دفتر شروط المصالحة بين الطرفين اذا ما اكتملت فصولاً وسارت خطوات حكومة محايدة جديدة تشرف اولاً على الانتخابات العامة المزمع اجراؤها وتكون بمثابة حكومة انتقالية، حتى اذا ما تمت المسألة يتم الانتقال الى مرحلة حكومة الوحدة.
وعليه، فإن «حماس» ستنظر في نهاية المطاف الى خطوة الاستقالة على انها مؤشر ايجابي بصرف النظر عن خلفياته وعن المآل الذي يمكن ان يسلكه لاحقاً.
وفي كل الاحوال، لا ريب في ان هناك من يرى ان العبرة وهذه المسألة ستكون في الشخصية التي ستخلف فياض في المنصب الذي كان يشغله، وهذا الامر يفتح الباب على السؤال الثاني المطروح.

مرحلة حساسة
صحيح ان المجتمع السياسي الفلسطيني يعج بعشرات الشخصيات المخضرمة التي يمكنها ان تتبوأ سدة هذا المنصب الا ان الاكيد ان حساسية المرحلة الراهنة ودقتها وحساباتها على المستوى الفلسطيني تجعل الاختيار صعباً والتسمية عملية بالغة التعقيد.
فإذا كان صحيحاً ان حركة «حماس» تترقب بعين الاهتمام اسم الشخصية التي سيقدمها «ابو مازن» كخليفة لفياض ليبنى على الشيء مقتضاه، خصوصاً اذا ما رأت في هذه الشخصية رمزاً استفزازياً او شخصية وسطية لا غبار على انتمائها، ولا شبهة على تاريخها، فإن عباس سيقارب مسألة التسمية من منظار آخر، ولا شك في انه ربما سيحرص مثلاً على الاتيان بشخصية تكون مقبولة من الادارة الاميركية ومن العواصم الغربية الاخرى التي تعتبر نفسها معنية بالشأن الفلسطيني.
فعباس، بات يدرك قبل سواه ان اخراج فياض على هذا النحو ورغم افصاح واشنطن عن ثقتها المطلقة فيه، ورغبتها ببقائه في منصبه، واشادتها المستمرة بدوره قد تركت انعكاسات وتداعيات سلبية على واشنطن وعواصم اوروبية اخرى، لذا فثمة من يتوقع بأن يسعى عباس الى اعادة وصل ما انقطع مع واشنطن بفعل حدث الاستقالة، من خلال السعي الى الاتيان بشخصية لا تزيد في استفزاز الادارة الاميركية، بل تكون موضع ثقة الغرب عموماً لكي لا يقطع ما تبقى من جسور علاقة وقنوات دعم للسلطة الفلسطينية.

مؤشر
وفي كل الاحوال، ستكون عملية تسمية الرئيس المكلف تشكيل حكومة فلسطينية جديدة مؤشراً بالغ الدلالة بالنسبة الى كل الاطراف التي تعتبر نفسها معنية بالشأن الفلسطيني.
واكثر من ذلك، ثمة من يترصد اسم الشخصية التي سيكلفها عباس تأليف حكومته الجديدة ليقف فعلاً على توجه السلطة الفلسطينية حيال المرحلة المقبلة حول قضايا اساسية مثل قضية مفاوضات السلام والعلاقة مع واشنطن التي اتى رئيسها الى اسرائيل والضفة الغربية قبل فترة وجيزة، متحدثاً عن جهود غير واضحة لاحياء عملية السلام المشلولة منذ نحو عامين، فضلاً عن ان وزير الخارجية الاميركية جون كيري كان اعلن اخيراً عن مبادرة عنوانها العريض «تعزيز التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية».
ومهما يكن من امر، ثمة مخاوف كبرى ايضاً لدى الشعب الفلسطيني حيال مسألة اخرى تتصل بشخصية رئيس الحكومة الفلسطينية المرتقب، وهي مسألة «الازمة المالية» المتفاقمة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية وسبل مواجهتها ومعالجتها في اسرع وقت ممكن.
فإذا كانت حركة «فتح» قد حمّلت في نهاية الامر مسؤولية الازمة المالية والاقتصادية للسياسات «المرتجلة والمرتبكة» لحكومة فياض، فإن فياض انسحب من الصورة والمشهد الان، وصارت الحركة والسلطة في مواجهة التحدي والاختبار فكيف سيكون تصرفهما حيال ذلك؟.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق