القاهرة: الضغوط الشعبية علقت السياحة الدينية الايرانية الى مصر

مع ان التعاون الايراني – المصري يتخذ مسارات عديدة، ويتنوع في مجالاته ما بين السياسي والاقتصادي وغيرهما، فقد جرى التركيز على مجالات التعاون السياحي، خصوصاً ما تعتبره طهران ركناً اساسياً من اركان التطبيع، والذي يتمثل بمجالات «السياحة الدينية».
خطت العلاقات ما بين مصر وايران والتي كانت مقطوعة منذ ثورة الخميني عام 1979 خطوات سريعة باتجاه التطبيع. وتوقف المحللون عند زيارة نجاد الى القاهرة قبل شهرين. والى زيارة مرسي الى طهران قبل اشهر عدة للمشاركة في القمة الاسلامية كمؤشرات على انطلاقة تطبيعية لافتة، وعلى ما اعقب الزيارتين من تطورات يعتقد انها كانت تهيىء الارضية لعودة العلاقات الى ما كانت عليه في ايام الشاه، مع مراعاة الاختلاف الكبير في المضامين السياسية لها.
فقد اثارت الاتفاقية السياحية التي ابرمت بين الدولتين ردود فعل واسعة انتهت الى تعليق تطبيقاتها، حيث ركز الجانب الايراني على رغبته بان يتم السماح للايرانيين بالدخول لغايات زيارة الاماكن المقدسة للشيعة. وطالبت – كما هو الحال بالنسبة الى كل الدول العربية – بان يتم السماح بالسياحة الفردية، والاسرية للايرانيين. الا ان غالبية الدول العربية رفضت هذا المطلب ووافقت بدلاً منه على سياحة الافواج.
وبالنسبة الى الجانب المصري، فانه وافق على سياحة الافواج، واعتبر ذلك مقدمة للسماح بالسياحة الفردية والاسرية. الا ان حكومة مرسي فوجئت بردة الفعل الشعبية الرافضة لهذه الاتفاقية، والتي تنادي برفضها والغائها.
سبب ذلك القناعة ان فتح ابواب السياحة الدينية امام الايرانيين يعني فتح باب التشيع في البلاد، والسماح للدعاة الايرانيين بممارسة نشاطاتهم التبشيرية في مجال الدعوة الى التشيع، تماماً كما حدث في دول اخرى.
خطر على الامن القومي
في هذا الصدد، تصدرت جماعات الدعوة السلفية عملية رفض الاتفاقية السياحية، حيث اكد ياسر برهامي نائب رئيس الجماعة السلفية، إنهم سوف يمارسون ضغطاً شديداً على مؤسسة الرئاسة والحكومة للتراجع عن اتفاقية التعاون السياحي التي وقعتها وزارة السياحة المصرية مع إيران، واصفاً الاتفاقية بـ «المأساة الضخمة». وأضاف، في تصريحات نقلتها بعض الصحف «ان الاتفاقية «توضيبة» لمجيء مئات الآلاف من الإيرانيين «الشيعة» الينا، واصفاً الاتفاق بانه تم دون مشورة. ووصف التشيع بانه خطر على الأمن القومي المصري، وأن الشيعة دولة قوية عندها أقوى جيش في المنطقة وترغب بنشر المنهج. وحذر من امكانية استغلال حالة الفقر لدى المصريين من اجل دفعهم الى التشيع.
وبالتوازي، لوحت مجموعة من القوى الثورية الإسلامية بتنظيم «تظاهرة مليونية» امام مكتب جماعة الاخوان المسلمين اعتراضاً على السياحة الإيرانية وتوقيع اتفاقية للتعاون السياحي بين مصر وإيران.
في تلك الاثناء، وامام الضغوطات التي مورست على اكثر من صعيد، اعلنت وزارة السياحة المصرية انها قررت تعليق زيارات السائحين الايرانيين حتى منتصف حزيران (يونيو) المقبل. واعترفت بان القرار جاء تجاوباً مع التظاهرات الرافضة لاي تقارب مع ايران الشيعية، خصوصاً تلك التي قامت بها مجموعات سلفية.
وفي تصريحات صحافية، قالت المتحدثة باسم الوزارة رشا العزيزي ان السلطات المختصة ستستفيد من هذه المهلة لاعادة تقويم الوضع مع كل الاطراف المعنية بما فيها السلطات الايرانية. واقرت المتحدثة بأن وصول مجموعة من خمسين سائحاً اتوا من ايران – هم الاوائل منذ عقود – اغضب بعض المجموعات السلفية المصرية. وكان هؤلاء السائحون وصلوا على متن طائرة بعد استئناف الرحلات بين البلدين المقطوعة منذ ثلاثين عاماً، وزاروا خصوصاً كبرى مواقع الاثار الفرعونية في اسوان والاقصر في صعيد مصر. بينما حاول متظاهرون اسلاميون اقتحام مقر اقامة القائم بالاعمال الايراني في القاهرة ورموا الحجارة على المبنى للاحتجاج على «المد الشيعي». وفي اذار (مارس)، وقعت مصر التي يواجه قطاعها السياحي ازمة خطرة اتفاقات مع ايران لتطوير السياحة بين البلدين. واقلعت اول رحلة بين مصر وايران في 30 اذار (مارس) من مطار القاهرة الدولي بعد توقف استمر اكثر من ثلاثين عاماً. وكان وزير الطيران المدني وائل المعداوي اعلن عن استئناف الرحلات بين الجمهورية الاسلامية ومدن الاقصر واسوان وابو سمبل السياحية في جنوب مصر.
من جهته، وعلى الرغم من تصريحات الناطق باسم الوزارة، نفى وزير السياحة المصري هشام زعزوع ما تردد عن إصداره قراراً بوقف السياحة الإيرانية لمدة 45 يوماً، مؤكداً عدم إصدار أي قرارات في هذا الشأن، وأوضح أن الجانب المصري ملتزم بما تم الاتفاق عليه مع الجانب الإيراني وشدد على ان التعاون ما زال مستمراً. وبرر زعزوع في تصريحات لوسائل اعلام ايرانية ما حدث من «تعليق للاتفاقية» بان الفترة الحالية ليست موسماً سياحياً. ووعد زعزوع بأنه سيستغل الفترة المقبلة التي تسبق بدء الموسم السياحي للجلوس مع التيار السلفي الرافض للعلاقات السياحية مع إيران لشرح أبعاد العلاقات، واقناعهم بأن السياحة عملية منظمة، وانه لا يوجد فيها أي شيء عن التشيع، وأن هناك مبالغة شديدة جداً في التخوف من إيران.
تراجع السياحة
ويذكر بأن قطاع السياحة في مصر، والذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد في البلاد قد تلقى ضربة موجعة بسبب الاضطرابات السياسية والطائفية التي تلت إسقاط نظام مبارك. فقد اشارت التقارير الى ان الفنادق المطلة على النيل اصبحت خالية من السيّاح، ما أدى إلى تراجع كبير في عائدات القطاع السياحي المصري. وتراجع إشغال الفنادق بالأقصر خلال ذروة موسم عيد الفصح الى 17% فقط.
وبحسب التقارير تمرّ السياحة بحالة من التراجع منذ نزول المتظاهرين إلى ميدان التحرير مطلع العام 2011، فالقطاع السياحي ينتقل من سيىء إلى أسوأ نتيجة ما تشهده القاهرة من معارك ميدانية وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وكذلك عمليات الخطف التي يتعرض لها السياح من مختلف الجنسيات بشبه جزيرة سيناء. وتتوقف التقارير عند غياب مظاهر سيادة القانون، وبعض المطالبات التي تتحدث عن مقترحات بهدم الأهرامات وتغطية التماثيل وحظر الكحول، وتأثيرات ذلك على قطاع السياحة بشكل عام. الا ان التقارير ذاتها تتحدث عن أوضاع جيدة – إلى حد ما – في المنتجعات والمدن الساحلية التي تطل على البحر الأحمر مثل الغردقة والجونة وسهل حشيش، لكنها متراجعة في المدن السياحية والأثرية التي تطل على النيل في الجنوب.
القاهرة – «الاسبوع العربي»