صحة

«انتبه لضغطِ الدم وخفف عنك همّ»!

يكاد يُصبح لكلِ مرضٍ يومه! يوم القلب ويوم السكري ويوم الرئتين ويوم السرطان والكبد والملاريا والألزهايمر وها نحن نحلّ في شهر نيسان (ابريل) الذي يمر فيه، في السابع منه، يوم ارتفاع ضغط الدم… ضغط الدم لا يُرى! انه صامتٌ وحين يضرب يكون حدث ما حدث! ويحدث هذا لشخص واحد من بين كل ثلاثة أشخاص بالغين! بالغٌ؟ سمينٌ؟ ابنُ مدينة وتعيش كل توتراتها؟ تشرب الكحول؟ تُكثر من تناول الملح؟ أنت اذاً في دائرة الخطر!

ارتفع النداء هذه السنة من منظمة الصحة العالمية على شكل شعار رنان: «انتبه لضغطِ الدم وخفف عنك همّ»! الهموم طبعاً كثيرة فلماذا نزيدها واحداً؟ لكن لماذا علينا أن ننتبه ما دمنا متيقنين، في حساباتنا الهامشية، أننا بصحة ممتازة ولا يصيبنا إلا ما شاء الله! نردد مع المرددين هذا أو نستخدم لغة العقل ونحسب ما نفعل لنستخلص ما قد نجني؟
ما فعلناه، حتى هذه اللحظة، فعلناه عملاً بمقولة: كان ما كان في قديم الزمان! لكن من أجلكم أنتم أنفسكم، الموجودون في دائرة الخطر، أطلقت منظمة الصحة العالمية فرصة جديدة من أجل التشجيع على تغيير السلوكيات المتعلقة بالوقاية الأولية من ارتفاع ضغط الدم وتحسين فرص الكشف المبكر عنه وتعزيز المعالجة.

في دائرة الخطر
أربعون في المئة من البالغين، ممن تجاوزوا سن الخامسة والعشرين، في دائرة الخطر. هؤلاء معرضون للإصابة، في أي لحظة، بالقاتل الصامت، الذي يُشخص غالباً في مرحلة متقدمة يصعب فيها تفادي المضاعفات، وهذا ما قد يؤدي الى الإصابة بالسكتة الدماغية وبأمراض القلب.
فلنحسب معاً كم سمعتم، في هذا الشهر، عن حالات موت مفاجئة بالذبحة القلبية أو الدماغية؟ رددتم على الأرجح مات بالقلب أو انفجر دماغه ومات! لكن هل تساءلتم، مرة على الأقل: لماذا حدث ما حدث؟ هل تصدقون إذا همسنا في آذانكم أن من مات قد يكون مات جراء ارتفاع مفاجىء في ضغط الدم؟ يستبعد جميعنا ردّ حالات الموت الى ضغط الدم! ضغط الدم يا سادة يا كرام يقتل!
يعاني مليار إنسان في هذا العالم الرحب من ارتفاع في الضغط. في بيتكم حالة؟ أكثر؟ تظنون أنكم محصنون! ما عاد أحد محصناً تجاه أي مرض! فالأمراض، مثل الشعوب، أيضاً تثور!
  ارتفاع ضغط الدم في وقت مبكر سيؤدي، إذا لم يُضبط، الى الإصابة بالسكتة الدماغية وبأمراض القلب لا سيما بالفشلين القلبي والكلوي وبالعمى. وهذا الارتفاع يؤدي الى وفاة ثمانية ملايين إنسان سنوياً في هذا العالم. وهذا الرقم يساوي 13 في المئة من مجموع الوفيات.

ارتفاع مقلق
كلهم حضروا، مدير عام وزارة الصحة وليد عمار وممثل المدير الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية الدكتور حسن البشرى ونقيب أطباء لبنان شرف أبو شرف ولسان حالهم واحد: ارتفاع ضغط الدم. فهل حجم امتداد هذا المرض يزيد ما جعلهم يعلنون هذه السنة سنة ارتفاع ضغط الدم؟ شرف أبو شرف أيد هذه المعادلة منطلقاً من رقم: بعدما كانت نسبة ارتفاع ضغط الدم في العالم عشرة في المئة في منتصف القرن الماضي، فانها تناهز اليوم 37 في المئة عند السكان كافة، ليرتفع عند البالغين، الى ما فوق الثمانين، الى ثمانين في المئة! والأسباب مجهولة في تسعين في المئة من الحالات!
ماذا تقول منظمة الصحة العالمية في الموضوع؟
تنطلق المنظمة من أبحاث علمية وتقارير تؤكد امكانية الحد من مخاطر الإصابة  بارتفاع ضغط الدم عبر ست خطوات: خفض نسبة الملح، اتباع نظام غذائي متوازن، تجنب الإفراط في شرب الكحول، ممارسة النشاط البدني بانتظام، الحفاظ على وزن صحي، وتجنب التبغ والتدخين.
ماذا عنكم؟ كم سيكارة تنفثون يومياً أو لنقل في الساعة الواحدة؟ وكم من وجبات الدهون المشبعة تلتهمون؟ ألستم والخمول واحداً؟ وكم من الكيلوغرامات الزائدة تحملون في بطونكم وحول أكبادكم؟
أنتم إذاً، نكرر، في دائرة الخطر. لستم وحدكم. 7،7 في المئة من اللبنانيين في الفئة العمرية بين 35 و44 سنة يعانون للأسف من ارتفاع ضغط الدم. وترتفع هذه النسبة عند الفئة العمرية بين 55 و64 سنة الى 41،6 في المئة. وهناك من يقول أنه لو أتيح لوزارة الصحة إجراء مسح وطني شامل لارتفعت هذه النسب بعد وبعد وبعد… ما رأيكم؟ تقولون في سركم ربما إن الموت جماعات يهون؟ أخطأتم، لأن ارتفاع ضغط الدم قد لا يأخذكم مباشرة الى الأبدية، فتبقون في براثنه بأشكال مرضية مختلفة، تمنعكم من ان تبقوا فاعلين في الحياة، وهذه هي طبعاً الطامة الكبرى.

مفاهيم خاطئة
تظنون أنكم تعرفون ما هو ضغط الدم؟ تمهلوا، فثمة مفاهيم كثيرة خاطئة في هذا الموضوع، بينها أن هناك من يظن أنه قادر على أن يأخذ دواء الضغط «يوم اي يوم لأ» بعد أن يجري فحصاً يومياً في ماكينته المنزلية وهذا خطأ هائل. ممنوع على المريض الذي يأتي بضغط مرتفع الى العيادة وبعد أن يأخذ الدواء المناسب وينزل ضغطه الى المستوى الطبيعي وتزول الأعراض أن يتوقف عن تناوله! ارتفاع ضغط الدم ليس التهاباً في الرئتين. وحبوب الضغط ليست أنتيبيوتيك. مفهوم اللعب في الدواء خاطىء. أدوية الضغط يفترض أن تؤخذ كل العمر. وتناول العلاج ثم ايقافه فجأة أخطر من عدم أخذ أي دواء في المطلق. كما أن تناول دواء الضغط عند الحاجة مثل حبات البنادول، كلما ارتفع الضغط نأخذ حبة وكلما انخفض نتوقف، أمر خطير ويُعرض المريض الى تقلبات الارتفاع والانخفاض المفاجئين والى المضاعفات التي قد تنجم عن هكذا تصرف.
مفهوم آخر يجتاح مرضى الضغط بينها أن المريض يحتاج الى تغيير الدواء مرة على الأقل سنوياً وهذا طبعاً غير صحيح. وحده الطبيب قادر على ان يحدد نوع الدواء المطلوب ويحدد ما إذا كان المريض يحتاج الى استبدال الدواء بآخر.
هناك أناس يأبون أن يتناولوا دواء ارتفاع الضغط إلا إذا شعروا بأعراضه! وهذا تصرف أكثر من خاطىء… انه جنون! وهؤلاء يجهلون أن الضغط الصامت، الذي يأتي بثوب نعاج، لا تظهر أعراضه إلا بعد أن تبدأ مضاعفاته على مختلف أعضاء الجسم.
لعلكم تسألون: ما هو ضغط الدم؟
تنظم الشرايين عادة الضغط وكمية الدم عبر التمدد والتقلص المنتظمين مع نبضات القلب، وحين تفقد هذه الشرايين مرونتها، لسبب ما، تزيد مقاومتها لمرور الدم فيرتفع الضغط. وهناك نوعان من الضغط: الانقباضي والانبساطي. والضغط الانقباضي، وهو الأول، يُقاس عندما ينقبض القلب أثناء عملية الضخ، أما الضغط الانبساطي، وهو الثاني، فيقاس عند استرخاء القلب لاستقبال الدم الآتي من الجسم. فإذا أظهر قياس الدم مثلاً رقم 12 على 8 (وهو المعدل المثالي) يكون رقم 12 هو الانقباضي ورقم 8 هو الانبساطي.

الضغط المنخفض
الحدث الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية هذه السنة هو: ارتفاع ضغط الدم… لكن ماذا لو كان ضغط الدم منخفضاً؟
يعد ضغطاً منخفضاً حين يكون المعدل 9 على 6 أو أقل. أو حتى 10 على 5… ويُرد هذا الى حالات مختلفة بينها: كثرة التمارين الرياضية وحالات الحمل وقد تتسبب أمراض القلب أحياناً بانخفاض ضغط الدم أيضاً، خصوصاً خلال أمراض الصمامات أو ضيق الشرايين أو في حالة الإصابة بنوية الجلطة القلبية أو ضعف العضلة. كما أن جفاف الجسم سبب آخر ينضم اليه  تناول بعض أنواع الأدوية خصوصاً المدرة للبول والأدوية الموصوفة في حالات تضخم البروستات وبعض أدوية مرض باركنسون العصبي وعلاجات الاكتئاب وحتى تلك المنشطة لحالات الاضطرابات الجنسية عند الرجال. في كل حال، إذا شعر إنسان ما بإعياء بدني وباكتئاب نفسي وببرودة دائمة ورطوبة في الجلد وشحوب في الوجه وتشوش وغثيان وبتدنٍ في قدرات التركيز الذهني، وكان ضغط الدم لديه منخفضاً، عليه أن يراجع الطبيب. طبيب العائلة قد يفيد وهو قادر على أن يوجه المريض الى حيث يفترض أن يتوجه.
«انتبه لضغطِ الدم وخفف عنك همّ»! هذا هو شعار منظمة الصحة العالمية هذه السنة… همومك كثيرة؟ تبتسم في سرك معتبراً أن لديك ما هو أبدى من التفكير بضغط الدم؟ استيقظ فارتفاع ضغط الدم ليس أبداً لعبة!.

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق