رئيسيسياسة عربية

رسائل انذار من «فتح» الى الغرب

فيما نجحت حركة «حماس» خلال الايام القليلة الماضية في اعادة تثبيت وضعها القيادي من خلال اعادة انتخاب رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل لولاية ثالثة، بدا واضحاً انه مكتوب على حركة «فتح» ان تخوض غمار مواجهة شرسة مع رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية سلام فياض، بغية اقصائه عن المنصب الذي يشغله منذ عام 2007، وذلك عقب اقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لحكومة القيادي في «حماس» اسماعيل هنية اثر سيطرة الحركة الاسلامية بالقوة على زمام الامور في قطاع غزة وطرد حركة «فتح» منها.

سواء اقال عباس فياض ام حالت الظروف دون تحقيق ذلك، فإن ثمة مشكلة اميط الغطاء عنها في داخل «فتح» والسلطة نفسها. المواجهة بدأت عندما اجمعت اعلى سلطة قيادية في حركة «فتح» بعد المؤتمر العام وهو المجلس الثوري للحركة في رام الله (يضم 32 عضواً ويجتمع كل 3 اشهر) قبل ايام برئاسة عباس، واصدر على الاثر بياناً اعتبر صراحة سياسات الحكومة الفلسطينية الحالية «مرتجلة ومرتبكة في الكثير من القضايا المالية والاقتصادية». ودعا مجدداً الى «اعادة دراسة ظروف عملها وبرامجها».
ليست المرة الاولى التي يهاجم فيها رموز من حركة «فتح» التي تعتبر الحزب الحاكم في السلطة، حكومة فياض، الا انها المرة الاولى التي توجه اليها انتقادات على هذا المستوى من الحدية، او بياناً رسمياً لحركة «فتح»، وهذا ما عزز انطباعاً ذهب اليه مراقبون وفحواه ان «فتح» صارت في وارد اقالة فياض او محاصرته دفعاً للاستقالة، وانها باتت تعد العدة فعلياً لاجراء تغيير حكومي واحداث صدمة سياسية في المجتمع الفلسطيني تعيد الثقة الى مؤسسات السلطة الفلسطينية وفي مقدمها الحكومة.
ولم يعد خافياً ان السبب الاساسي المعلن لهذه المشكلة هو قبول فياض استقالة وزير المال في حكومته نبيل قسيس، رغم ان عباس سبق ورفض هذه الاستقالة وطلب منه مواصلة مهماته، مما عد تمرداً من فياض على قرارات الرئيس الفلسطيني.

جبل الجليد
لكن يبدو واضحاً ان هذا الامر هو رأس جبل الجليد في الازمة بين حركة «فتح» وفياض وحكومته. فمنذ فترة بعيدة وحركة «فتح» ونقابات وهيئات تدور في فلكها السياسي توجه انتقادات تلو اخرى لحكومة فياض على خلفية ازمة مالية حادة تواجهها الحكومة.
اضافة الى ذلك، فإن فياض تبنى توجهات مالية واجتماعية جوهرها رفع الضرائب والرسوم بشكل عشوائي، والغاء مكاسب جزء كبير من الفلسطينيين وقرارات ومحطات اساسية منها صندوق الكرامة والتمكين الذاتي الذي اسس بالاصل قبل اعوام بهدف سياسي هو مكافحة منتجات المستوطنات الاسرائيلية كجزء من الحيلولة دون الهيمنة الاقتصادية الاسرائيلية على الضفة الغربية.
وهكذا يبدو واضحاً ان ثمة ثلاثة اهداف مضمرة تدفع الحركة الفلسطينية الام الى فتح ابواب المواجهة مع فياض، وبالتالي اقالته او دفعه الى الاستقالة.
الاول: الحاجة الضمنية الملحة الى «كبش محرقة» بغية استيعاب وامتصاص الازمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية منذ فترة ليست بالقصيرة والتي بلغت في الآونة الاخيرة، وبالتحديد بعد الضغوط التي مارستها السلطات الاسرائيلية على هذه السلطة في اعقاب نيل السلطة اعترافاً بعضوية مراقب في الامم المتحدة، وهي الضغوط التي اكتملت حلقاتها بعدم وفاء دول غربية بالتزامات سبق وقدمتها للسلطة بدعم مالي في حال حبست اسرائيل اموال العائدات الجمركية عن مالية السلطة.
الازمة المالية كانت بالاصل موجودة لدى السلطة، لكنها تصاعدت في الآونة الاخيرة وخصوصاً ان السلطة مضطرة الى اعطاء رواتب واعانات مالية كبرى الى شريحة واسعة من سكان الضفة الغربية، اضافة الى عائلات الشهداء والجرحى والاسرى الذين يعدون بالآلاف.

تقصير وفساد
الثاني: ان السلطة الفلسطينية ومؤسساتها تواجه دوماً بتهم التقصير والعجز وتلاحق ايضاً بتهم الفساد والترهل، خصوصاً في الاعوام التي تلت بناء السلطة الفلسطينية ومؤسساتها بعد اتفاق اوسلو في عام 1993.
ولم يعد خافياً ان هذا الواقع المتردي وهذه التهم التي تحاصر السلطة ومؤسساتها كانت من ابرز الاسباب التي ادت الى تراجع حركة «فتح» والى تقلص شعبيتها في المجتمع الفلسطيني والى تقدم حركات فلسطينية اخرى، وفي مقدمها حركة «حماس». وهذا ما ادى الى الخسارة المدوية للحركة في الانتخابات التشريعية الاخيرة في عام 2006، لمصلحة حركة «حماس» التي فازت بغالبية مريحة في المجلس التشريعي الفلسطيني والتي على اساس ذلك الفوز، سميت حركة «فتح» هنية رئيساً للوزراء، وشكلت حكومتها التي اقيلت في عام 2007.
ومنذ ذلك الحين، كانت مطالبة قاعدة حركة «فتح» قيادتها بإجراء تغييرات جذرية في الاداء والممارسة وفي الرموز القيادية مما يتيح للحركة النضالية الام التي انطلقت في عام 1965، ان تستعيد ما فقدته وتعيد وصل ما انقطع من جذور العلاقة مع المجتمع الفلسطيني وتستعيد دور الريادة فيه.
وعليه، فإن ثمة من يرى بأن حركة «فتح» وجدت الفرصة الان سانحة اكثر من اي وقت مضى لاحداث صدمة توحي من خلالها بأنها شرعت في ورشة التغيير المطلوب منها من خلال تهيئة الاجواء للاتيان بحكومة جديدة، توحي بالثقة او تعيد شد الانتباه في مرحلة بدأت فيها الحركة المنافسة اي «حماس» تجد في صعود الاسلاميين في مصر وتونس وليبيا، حضناً مسانداً وسنداً واعداً بالدعم، خصوصاً ان تنظيم «الاخوان المسلمين» هو من اشرف على اعادة انتخاب مشعل والقيادة الجديدة للحركة وذلك برعاية السلطات المصرية في القاهرة.
فضلاً عن ذلك، فإن «فتح» تهيىء لمرحلة ما بعد المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي كثر الحديث عنها في الآونة الاخيرة، وبدأت خطواتها الاولى في القاهرة.
ولم يعد خافياً انه من مراحل هذه المصالحة تأليف حكومة جديدة، والقبول بمبدأ التعددية والشراكة في السلطة.
الثالث: ان ثمة توجهاً ضمنياً لدى حركة «فتح» بالتخلص من فياض. فالمعلوم ان فياض هو بالاصل لم يخرج من رحم حركة «فتح» او يصعد في مراقي النضال الفلسطيني فهو بالاساس خبير اقتصادي عمل في البنك الدولي، ثم بعد توقيع اتفاقية اوسلو في عام 1993، انتقل الى العمل في صندوق النقد الدولي حيث سلم مهمة الممثل الدائم لهذا الصندوق في القدس، واستمر في عمله هذا في عام 1995 وحتى عام 2001.

فرض التعيين
وفي عام 2002، وبإيعاز من الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي، عينه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في منصب وزير المالية الفلسطيني، وفي حكومة محمود عباس. ولم يعد خافياً ان هذا التعيين كان شرطاً اساسياً بغية تقديم المزيد من المعونات والمساعدات الغربية للسلطة الفلسطينية التي اعتمدت من الاساس على الاعانات والمساعدات المالية الغربية.
وقيل آنذاك، ان فياض هو عين الجهات الغربية على الاتفاق المالي للسلطة الفلسطينية، فهو عين في الاساس لكي تضمن هذه الجهات عدم وصول قسم من الاموال والهبات الغربية المعطاة الى السلطة واجهزتها لتمويل عمليات وانشطة فلسطينية مقاومة لاسرائيل، خصوصاً بعدما اتهمت السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» على وجه التحديد بأنها تمول بشكل او بآخر الاعمال الفدائية ضد القوات الاسرائيلية.
وعليه، فإن ثمة من يطرح سؤالاً عما اذا كانت رغبة السلطة الفلسطينية الان بإقصاء فياض عن المنصب الذي يشغله هو لاقصائه عن الدور الخفي الذي يؤديه منذ ان عين اول مرة وزيراً للمال؟
او بمعنى اخر، هل ان السلطة الفلسطينية بإقصائها فياض تريد ان تتحرر فعلاً من العين الغربية الراصدة، وتريد ان تبدأ مرحلة جديدة، ام ان السلطة وحركة «فتح» على وجه التحديد قررتا توجيه رسالة انذار الى الغرب، او تريدان ابتزازه، ام الحصول على مكاسب واموال جديدة حبست عنها في فترات سابقة؟

مواجهة
واستطراداً: هل قررت السلطة والحركة معاً ان تفتحا ابواب مواجهة مع الغرب من خلال فتح المواجهة مع فياض؟
مهما كانت الاجابات على هذه التساؤلات المشروع طرحها في هذه المرحلة بالذات، فالثابت ان سلام بات كالثمرة الناضجة التي يسهل قطفها والتخلص منها، خصوصاً اذا ما صحت التوقعات والتحليلات القائلة بأن الغرب الذي ضغط بقوة سابقاً لفرضه في منصبه اول مرة (وزير المال)، ثم اطمأنت السلطة اليه بعدما وجدت ان حضوره معها يشكل عامل جذب وثقة للغرب، هذا الغرب نفسه لم يعد ينظر اليه النظرة السابقة نفسها، او ان دوره قد انتهى، خصوصاً انه ادى وظيفته على اكمل وجه منذ عام 2003 وحتى الامس القريب؟
وهكذا بات تغييره واستبداله بشخصية اخرى حاجة ملحة لاكثر من جهة.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق