رئيسيملف

الربيع العربي يطيح الحريات!

باسم يوسف أمام القضاء! والتهمة: تقليد الرئيس محمد مرسي في قبعة التخرج. خرج باسم من المحكمة بكفالة مالية، لكنه رفض الخضوع لمبدأ الرقابة وكم الأفواه، فعاد الى المحكمة وهذه المرة بطلب من الرئاسة الأولى بتهمة الاستهزاء بالدين والتحريض على حرب أهلية، واقفال محطة «سي بي سي» المصرية التي يطل باسم من خلالها. هذا في الاعلام أما في القطاع الفني فاسمعوا آخر خبر: فيلم «أبي فوق الشجرة» ممنوع عرضه بسبب وجود عدد كبير من القبلات بين العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ونادية لطفي! صدقوا!  واللافت أن القرار يسري على كل فيلم يتضمن قبلات ورقصاً شرقياً. هذا في مصر، أما في تونس فالمثقفون ورواد الحركات الفكرية حزموا حقائبهم وبدأوا يفتشون عن أرض تستوعب هامش الحرية التي فكروا أنها ستأتي مع هبات نسيم الربيع العربي. فجاء الخريف ليبصم بالعشرة: ديكتاتورية القمع بعد ديكتاتورية الحكم. الآتي أعظم؟ وحده التاريخ سيقرر الجواب، ومن الآن نبصم بأنه لا يعود الى الوراء…

ذنب باسم يوسف أنه خلع روب الطبيب الأبيض وقرر أن يداوي القلوب الضعيفة بالكلام الجريء والضحكة الساخرة من خلال برنامجه الشهير «البرنامج». فدخل الأستديو بدلاً من غرفة العمليات، وكانت النتيجة محاكمات مستمرة وربما السجن لاحقاً. وقد يكون لعبها بطريقة ذكية، لكنه آمن بها كما باقي الشعوب التي نزلت الى الساحات والميادين طلباً للتحرر من ظلم الحكام والأنظمة الديكتاتورية.

عنف وتضييق على الصحافيين
واضح أن الثورات منحت قطاع الإعلام في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن فرصة ذهبية للخروج من بيت الطاعة مع إرث ثقيل من التوظيف والتدجين استمر عقوداً. لكن الوقائع على الأرض تشير إلى العكس. فبحسب مرصد الحريات الصحافية سجل ارتفاع ملحوظ في معدلات العنف والقيود المفروضة على عمل الصحافيين في الدول التي خاضت شعوبها ثورات الربيع العربي. وسجل مؤشر الإنتهاكات تصاعداً نوعياً ملحوظاً بين  ايار (مايو)  2011  وأيار (مايو) 2012.

واشار البيان الى «اصدار حزمة من القوانين المشددة التي تحد من الحريات الاعلامية وحرية التعبير. أما البارز فكانت الإشارة إلى التضييق الحاصل على الإعلاميين: «فحمل الكاميرا امر معقد للغاية. والتصوير ممنوع من دون إذن أو تصريح رسمي».
وفي الأرقام سجل مقتل 10صحافيين في كل من مصر والعراق وتونس، كما سجلت 31 حالة إعتداء بالضرب على الصحافيين والمصورين، و84 حالة منع من التصوير او التغطية و43 حالة  تضييق على حركة الصحافيين. كما رصدت 12 حالة اعتداء تضمنت تحطيم المعدات او مصادرتها من قبل القوات الأمنية. وحذر المرصد من حالات اخرى تشمل السعي لفرض السيطرة على الإعلام.

عادل مالك: الثورة تأكل الثورة
الإعلامي المخضرم عادل مالك الذي عايش المنبر منذ انطلاقة تلفزيون لبنان وصولاً إلى العالم العربي، اعتبر أن شرارات الربيع العربي التي انطلقت من تونس مروراً بمصر وصولاً إلى آخر السلسلة اليوم، حملت آمالاً عريضة بتفلت الإنسان العربي من القمع والملاحقات والحفاظ على حرية التعبير، لكنها لم تأخذ مكاناً لها.
وبدأت تتجه بعكس ما تطمح اليه هذه الثورات. ومع بروز التيارات الاصولية تبين أن ما جرى من المحيط إلى الخليج ليس إلا عملية انتقال من نقيض القمع إلى نقيض الفلتان الإعلامي.
من مصر، أم الدنيا، ينطلق مالك ليؤكد بأن الوضع في غاية الخطورة «ويتجلى ذلك في إحالة باسم يوسف إلى المحكمة لأنه «تطاول» على رئيس الجمهورية. وهذا ما يؤكد أن المواجهة بين الإعلام والحكم بدأت»، مستغرباً أن يكون هذا التصرف صادراً «عن حكم الإخوان المسلمين الذي قال إنه يؤيد الحريات إلى اقصى حد، وعند الإختبار تبين العكس». ولهذا التصرف تبريره بحسب الإعلامي المخضرم: فـ «وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة بعد 70 عاماً من إبعادهم عنها، أظهر أن لديهم حالة جوع ونهم إلى الديمقراطية لكنها انعكست كبتاً، فكان انقسام داخل الثورة الواحدة. وإذا علّمنا التاريخ أن الثورات تأكل أبناءها، إلا أن ثورة الربيع العربي في مصر تأكل الثورة».
لكن هل تستمر حال الديكتاتورية على الإعلام وتمتد شراراتها إلى الدول التي خاضتها وعلى رأسها لبنان؟
يجيب مالك: «كل من خاض معارك ضد الحريات الإعلامية لم يكتب له النجاح. فالحريات الإعلامية مكرسة، لكن غالبية الدول العربية في حالة حرية مستجدة. وكان المطلوب خلق بيئة لتقبلها وليس الإنتقال من سجون الكلمة إلى فلتانها». ولفت إلى أن «هذه الحالة ستدوم وسط الفلتان الحاصل بين الحكم الجديد والأطراف الاخرى. وهناك دائماً فهم خاطىء للحريات الإعلامية لكن الثمن يكون إما في قتل إعلاميين أو الإعتداء عليهم».
واضح أن الحاكم اكتشف الحرية في مصر كما في تونس والدول التي انتفضت على ظلم حكامها. لكن تبين ان هذا «الحاكم الجديد» لا يمكنه استيعاب هذه الحريات «فهو لا يريد سماع إلا ما يطربه»، واتضح أن ليس من رئيس دولة أو حزب أو خلية يتقبل النقاش سواء بشكل خاص أو مهني».
هل يعني ذلك أننا دخلنا عصر القمع الإعلامي في زمن ثورات الربيع العربي؟
يؤكد مالك أن التيارات الإسلامية المتشددة «وجدت فرصة مناسبة لإعادة طرح العودة إلى الأصالة القديمة. والصراع القائم اليوم هو بين الإعلامي من جهة، وذهنية الإخوان المسلمين من جهة اخرى في ما يتعلق بوجهات نظرهم. وتكمن الخطورة في أنهم يسعون إلى تغيير نمط الحياة في مصر من خلال إحداث تشريعات تعكس رأي التطرف الإسلامي، إضافة إلى الخلاف القائم بين ما يتمسك به بعض المرجعيات الدينية وتيارات منفتحة أكثر من غيرها مما فرض حالة من المنازلات لا يتقبلها المجتمع المصري. لكن ما لا يقبل الشك أن ما يحصل ليس إلا مرحلة مؤقتة. فقمع الحريات في مصر له تداعياته على الحكم. والدليل أن عدداً من النواب والمسؤولين تقدموا باستقالاتهم ومنهم من يشن حملة على الإخوان، مما يؤكد أن الطروحات التي قدمها الإخوان المسلمون كانت خاطئة، والتمرس في الحكم خاطىء وقاتل. وقد أثبت أنه أربك مصر وسيستمر هذا الإرباك لمدة طويلة إلى أن تعصف رياح جديدة لكن بشكل معكوس»، يختم مالك.

رقابة وتدجين
من أتقن فن الجرأة في الكتابة واعتنق حرية الإعلام لن يعود خطوة إلى الوراء ولو كلفه الأمر أن يحزم حقائبه ويرحل عن وطنه بحثاً عن مساحة يسكب عليها مداد قلمه. وهذا ما فعله الإعلامي المصري محمود حسونة الذي يشغل حالياً منصب رئيس قسم المنوعات ونائب مدير التحرير في جريدة الخليج الإماراتية. ويقول: «الربيع العربي جاء حاملاً وعوداً بحرية مطلقة للإعلام والتعبير من دون أية قيود.  وهذا ما لمسناه في مصر خلال فترة إدارة المجلس العسكري شؤون البلاد. لكن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم أطاح كل معايير الحرية،  إذ عمد الحكم إلى تغيير رؤساء تحرير الصحف القومية وعين رقيباً على مقالات الرأي  في منصب رئيس تحرير لمراقبة أشكال التحرير الصحافي. كما اسند النظام وزارة الإعلام إلى صحافي من جماعة الإخوان، مهمته تدجين التلفزيون الرسمي وإعادته إلى ما كان عليه في عهدالرئيس المخلوع حسني مبارك وهو ما نجح فيه للأسف الزميل الوزير صلاح عبد المقصود. في المقابل استمرت الصحف المستقلة والفضائيات الخاصة في تأدية رسالتها متحدية في ذلك  النظام ومحاولاته لتوجيه الإعلام بما يخدم مصالحه. وصولاً إلى مرحلة توظيف الإعلام الإخواني الذي عمد إلى الرد على الإعلام الخاص والليبرالي والمستقل وتشويه رموزه بشكل يتجاوز الآداب والأخلاق ومواثيق الشرف للإعلام»، لكن «هذا الواقع القمعي زاده قوة وجرأة» كما يؤكد حسونة مشيراً الى أن مرحلة حصار الإعلاميين داخل مدينة الإنتاج العالمي وترهيبهم من خلال الإخوان واتباعهم ازدادت،  ناهيك عن رسائل التهديد بالقتل لعدد كبير من الإعلاميين الذين يتصدون للإخوان واتباعهم ويواجهون ممارساتهم. وبعد فشل كل المحاولات لجأوا إلى الطرق القمعية من خلال سجن الصحافيين وتلفيق التهم لهم وهذا ما يتجلى في محاكمة الإعلامي الساخر والأكثر شهرة باسم يوسف، لكن الواضح أن كل هذه الممارسات ستفشل وستساهم في الإسراع في سقوط هذا النظام المخادع».

انشقاق الاعلام
بدا واضحاً ان انقسام الشارع في زمن انتفاضات الربيع العربي انسحب أيضاً على الإعلام العربي فتحول إلى وسيلة لإسقاط دول بدلاً من إسقاط الأنظمة. وقد تجلى ذلك في عدد من البرامج، كما برزت محطات تحولت إلى منصات إهانة بهدف النيل من برامج أخرى وهو ما خلق حالة من الفوضى الإعلامية التي لم نشهد لها مثيلاً في التاريخ العربي، وهي فوضى تماثل الفوضى السياسية التي تعيشها دول ما يسمى الربيع العربي.
المسؤولة عن ملحق فضائيات وفنون في جريدة الخليج مارلين سلوم اعتبرت أن  الربيع لم يزهر بعد، على رغم البشائر التي ظهرت منذ نحو عامين، والظاهر انه سيتأخر تاركاً المجال للعابثين في التلاعب بالناس والتطاول على الاعلام. وإذا اعتبرنا أن ما يحصل في مصر هو نموذج للربيع العربي وتأثيره على الإعلام، نرى أن الصراع كبير بين السلطة والإعلاميين وحتى بين أصحاب القنوات من جهة، والفنانين من جهة أخرى. فالسلطة المتمثلة بالإخوان المسلمين اليوم، لا تحاول تفعيل دور الرقابة على الإعلام بقدر ما تمارس الترهيب والتهديد. أكثر من ذلك هي تتجه نحو اطباق السقف على رؤوس الإعلاميين وإلغاء ما يسمى بحرية الرأي بهدف سيطرة الصوت الواحد والرأي الأوحد في البلد. وما حصل مع باسم يوسف كان الضربة الأولى لحرية الرأي على الشاشة. لكنه لن يكون الأخير. فهناك ما يعرف باللائحة السوداء التي تضم مجموعة من أسماء الإعلاميين والمذيعين المطلوب التخلص منهم وإسكاتهم حتى يتمكن الإخوان من التحرك من دون محاسبة».
نصل إلى الفن. ومن هنا تبدأ حكاية الخريف العربي، والواضح أن هذا القطاع كان أول من دفع الثمن غالياً على ما تقول سلوم التي عايشت الواقع من خلال تغطيتها لمجموعة من الأحداث والمحطات: «في البداية وجهوا اتهاماً للفنان عادل امام بازدراء الدين، تماماً كما يحصل الآن مع باسم يوسف. ووصل بهم الأمر إلى المطالبة بسجنه فرفضت القضية ولم ينجحوا. كذلك حاولوا تشويه صورة الفنانات بطريقة مبتذلة من خلال ما نسب إلى الفنانة الهام شاهين، فبادرت إلى الشكوى ولجأت إلى المحكمة التي أنصفتها. في اختصار المعركة بدأت بين الإعلام والفن من جهة، والسلطة الجديدة في مصر من جهة ثانية». وتختم سلوم: «قد يكون ذلك مؤشراً لدول أخرى لا تزال  تصارع من اجل إيصال صوتها، تماماً كما وصل صوت باسم يوسف إلى محطة «سي أن أن»، والى كل أقطار العالم».
في لبنان يمكن أن ندق على الخشب. فعلى رغم كل الأحداث والحروب لا تزال حرية التعبير من أهم مكتسبات الثورات والحروب والتي كفلها الدستور. وإذا كانت الأنظمة الجديدة التي وصلت على صهوة الربيع العربي قد استعجلت محاولة إحداث تغييرات دستورية إلا أن التاريخ سيسجل أن أم الدنيا لا يمكن أن تحكم بشخص ولا يمكن تأميم السلطة بشخص الحاكم.

 

جومانا نصر

… وقمع فني
بعد 43 عاماً من إنتاج وعرض فيلم «أبي فوق الشجرة»، جاء مقص الرقيب الجديد في مصر ليمنع عرضه نظراً إلى كثافة عدد القبلات بين عندليب الشرق عبدالحليم حافظ والممثلتين نادية لطفي وميرفت أمين. صدقوا! فتداعيات سيطرة الأحزاب الدينية على الحياة السياسية في مصر بدأت تظهر على الساحة الفنية. لكن الثابت أن الرقابة الأخلاقية التي تفرضها الأجندة الجديدة لن تقتصر على إنتاج اليوم وقد يمتد مفعولها الرجعي إلى ما قبل خمسين عاماً. مصادر من داخل التلفزيون المصري أشارت إلى أن أجهزة الرقابة في التلفزيون المصري بدأت في مراجعة جميع الأفلام القديمة التي كانت تعرض بشكل طبيعي تمهيداً لحذف كل مشاهد القبلات والمشاهد الحميمة وفقرات الرقص الشرقي منها. وبدأ المشرفون على جهاز الرقابة في التلفزيون المصري في مراقبة جميع الأفلام تمهيداً لحذف المشاهد المثيرة منها، ومن بينها أعمال خالدة في تاريخ السينما المصرية تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، منها مثلاً مشهد تقبيل فريد الأطرش للبنى عبد العزيز في فيلم «خطاب من امرأة مجهولة»، ومشاهد رقص أدتها أهم راقصات مصر مثل نجوى فؤاد، وتحية كاريوكا، وسامية جمال، ومشاهد رشدي أباظة وشادية بفيلم «الزوجة رقم 13»، إضافة إلى مشاهد عاطفية بين الشحرورة صباح وعبد الحليم حافظ، وعبد الحليم حافظ ونادية لطفي في «الخطايا».

قسيس: الرقابة الفنية سابقة في مصر
نقيب الفنانين المحترفين اللبنانيين جان قسيس أكد أن هناك صدمة في أوساط المثقفين الذين انتظروا أن تهب رياح الحريات بعد زوال حكم الطاغية. فجاءت التيارات الإسلامية المتشددة لتضيق عليهم أكثر فأكثر. وهذا ما حدث في مصر مع وصول حكم الإخوان الى الحكم بعد المخاض العسير. ولفت إلى التغيير السلبي الحاصل في الوجه الثقافي مما يؤكد على وجود مشروع إسلامي يقضي بإعادة النظر بالتشريعات المدنية لإسقاط التشريعية الدينية عليها.
وعلى المستوى الفني اكد قسيس أن ما يحصل اليوم من رقابة مفروضة على الأفلام يشكل سابقة في تاريخ الفن المصري الذي كان سباقاً في عملية عرض مشاهد قبلات في الأفلام في العالم العربي. أما النتائج فبدأت تظهر على مستوى تراجع الإنتاج، سواء في مصر أو سوريا في مقابل ردود فعل مناهضة من قبل الفنانين المتحررين من قيود الفكر الإخواني. وتوقع حصول مواجهة فنية حقيقية في وجه الحكم لأن القطاع الفني منتج ويساهم في ضخ الأموال في خزينة الدولة.

حبشي: التاريخ لا يعود إلى الوراء
المخرج السينمائي سمير حبشي اعتبر بدوره أن العودة في الزمن إلى الوراء ستؤدي إلى مشاكل، في إشارة إلى قرارات الرقابة الفنية على الأفلام والإنتاج الفني في مصر. ونفى أن ينسحب هذا الأمر يوماً على لبنان لأنه على رغم كل علات الطائفية إلا  أن التنوع الطائفي عندنا يعزز من الحريات والتنوع الثقافي.لكنه اكد أن هذه المشهدية المغايرة للفن لن تستمر «لأن التاريخ لا يرحم ولا يسمح بالعودة إلى الوراء».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق