رئيسيسياسة عربية

سقطت رهانات الفلسطينيين وبقيت ابواب السلام موصدة

باعتراف جميع المعنيين بالشأن الفلسطيني، لم تحمل زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى منطقة  الشرق الاوسط، اي جديد دراماتيكي يعتد به بالنسبة الى قضية الصراع العربي – الاسرائيلي، بل انها كررت ما هو معروف واعادت التأكيد على ما هو معلوم. وعليه، فإن السؤال المطروح هو: ما الطريق الذي سيسلكه الطرف الفلسطيني بشقيه القيادي اي حركة فتح وحركة حماس لمواجهة المرحلة المقبلة؟

بدا واضحاً لراصدي زيارة اوباما الاولى في مستهل ولايته الرئاسية الثانية الى الشرق الاوسط انها اتت ضمناً لتحقيق هدفين جوهريين:
الاول: معروف ومكرر وهو اعلان التمسك بما سبق واعلنه كل الرؤساء الاميركيين الذين تعاقبوا على البيت الابيض منذ قيام الكيان العبري حتى الامس القريب وفحواه ان امن اسرائيل وبقاءها هما جزء اساسي من امن استراتيجية واشنطن من الان وحتى ابد الابدين.
الثاني: ان الشغل الشاغل لاوباما في هذه الجولة، كان زيادة حلقات الحصار واحكامها حول نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وقد تجلى ذلك في اتمام فصول المصالحة بين انقرة وتل ابيب.
وعليه، فإن رهانات القلة القليلة من الفلسطينيين وسواهم على امكان ان تفتح هذه الزيارة الابواب امام احتمالات وتطورات جديدة في شأن القضية الفلسطينية او في شأن اعادة تحريك المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية التي توقفت في 26 كانون الثاني(يناير) من العام 2012 قد تبددت.

مقارنة
ولا ريب في ان كثيرين من الفلسطينيين كانت لديهم الفرصة الكافية لعقد مقارنة بين ما قاله الرئيس اوباما في زيارته الشهيرة الى القاهرة في السنة الاولى من ولايته الرئاسية الاولى، وما قاله في زيارته الثانية لا سيما لحظة وصوله الى اسرائيل.
في الزيارة الاولى، طالب الرئيس الاميركي، الآتي يومذاك الى الحكم برؤى جديدة مزعومة، صراحة  الاسرائيليين بوقف عملية الاستيطان كمدخل من مداخل العودة الى مفاوضات جدية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، ومعالجة مسألة الاستيطان في اثناء المفاوضات بين الطرفين.
اما في الزيارة الاخيرة، فقد اطلق اوباما موقفاً يتماهى كلياً مع موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، عندما طالب الفلسطينيين بالعودة الى طاولة المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي في ظل استمرار الاستيطان.
ولم يعد خافياً ان الجانب الفلسطيني لم يأخذ عنصر المباغتة او المفاجأة من طبيعة ما ادلى به اوباما من مواقف، بل انه بادر سريعاً الى اعلان رفضه لها. اذ قدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس مذكرة الى اوباما اثناء اجتماعه به في رام الله، ركز فيها على مخاطر الاستمرار في الاستيطان الاسرائيلي. واشارت المذكرة الى ان معدل البناء الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس في عهد نتانياهو يبلغ ما معدله 24 بيتاً في اليوم الواحد. واكد عباس في المذكرة ان هذا الاستيطان يشكل خطراً شديداً على حل الدولتين، ومن اجل عملية سياسية ذات مغزى، يجب اولاً وقف الاستيطان، معتبراً ان «ذلك ينسجم مع السياسة الاميركية نفسها حيال هذا الموضوع ومع القرارات الشرعية الدولية ذات الصلة».
ومضى الجانب الفلسطيني الرسمي الى موقف اكثر وضوحاً وحزماً عندما ابلغ الرئيس محمود عباس اوباما رفض العودة الى المفاوضات من دون الوقف التام لعمليات الاستيطان، وقال: «نحن لا نعتقد بأنه من الممكن ان يكون هناك مسار سياسي من دون وقف الاستيطان».
ومع ان فريق السلطة الفلسطينية قال انه سيظل منتظراً الخطوة الاميركية التالية للاجابة على هذا المطلب، فإن رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة اسماعيل هنية كان اكثر حزماً ووضوحاً واقل اكتراثاً بنتائج زيارة اوباما، اذ قال ان زيارة الرئيس الاميركي «جاءت لتطمئن الاحتلال الاسرائيلي في ظل المتغيرات والتحولات في المنطقة والانجاز الذي حققته المقاومة»، مضيفاً ان الزيارة «جاءت لترسيخ الاحتلال وتشريع الاستيطان ولتضع السلطة الفلسطينية كأداة للتعاون الامني لحماية امن الاحتلال الاسرائيلي».

حلقة المستوطنات
بالطبع لم يكن اوباما ينتظر مذكرة عباس، ولم يكن يحتاج الى ان يشاهد بأم العين المجردة جدار الفصل الاسرائيلي الذي يحوط بيت لحم ابان زيارته براً لكنيسة المهد في المدينة، اضافة الى حلقة المستوطنات التي تحوط بمدينة القدس من كل الجهات وتفصلها عن مدينة بيت لحم القريبة، ليدرك حجم التوسع الاستيطاني الاسرائيلي وهو الذي «يقصر من عمر وامكان اقامة دولة فلسطين على حدود اراضي العام 1967، فهو يعرف تمام المعرفة لبّ المشكلة».
ولكن الثابت ان زيارة سيد البيت الابيض الى فلسطين المحتلة، اظهرت انعدام وجود رؤية فلسطينية واحدة موحدة حيال كيفية المواجهة والتعاطي مع قضايا مصيرية مثل قضية التفاوض والعلاقة مع الادارة الاميركية او حجم الرهان على دورها.
ففي حين بدا واضحاً ان رئيس السلطة الفلسطينية عباس حمل شكواه من استمرار الاستيطان الاسرائيلي الى اوباما، معلناً انه ينتظر الخطوة الاميركية التالية، فإن هنية اعتبر صراحة ان مواقف اوباما ربما فاجأت اصحاب المواقف الذين يعيشون على اوهام انطلاق مسيرة المفاوضات والتغيير في السياسات الاميركية، داعياً السلطة الفلسطينية الى عدم الوقوع فريسة للاغراءات المالية والسياسية الاميركية على حساب استعادة الوحدة الفلسطينية.
واكد ضرورة «وضع استراتيجية فلسطينية عربية قائمة على التمسك بالثوابت الاسلامية وعدم التفريط بالحقوق وخصوصاً حق العودة»، مشدداً على ضرورة «تسريع عجلة تحقيق المصالحة رداً على السياسة الاميركية – الاسرائيلية».

تشرذم وانقسام
وهكذا يتضح ان اوباما يحل بين ظهراني الفلسطيني والاسرائيلي، والفلسطينيون ما برحوا يعيشون حالة التشرذم والانقسام والعجز عن التوصل الى وجهة نظر موحدة حيال قضايا اساسية تتصل بمستقبلهم وبمصير قضيتهم التي ناضلوا في سبيلها اعلى انواع النضال منذ اكثر من ستة عقود، فهم:
< ما زالوا في المرحلة الاولى من انجاز الوعد الذي اطلقوه لجمهورهم باستكمال المصالحة الوطنية التي تعني بشكل او بآخر طي صفحة صراعات حادة وصلت احياناً الى حد التصادم بالسلاح.
< وما زالوا قاصرين عن الوصول الى وجهة نظر موحدة حيال التعامل مع عدو واحد ومع راع واحد لهذا العدو وهو الادارة الاميركية.
على مدى السنوات الاربع الاولى من الولاية الاولى للرئيس باراك اوباما، عاشت شريحة واسعة من الجانب الفلسطيني، وبالتحديد السلطة الفلسطينية، على امل ان تكون واشنطن راعية موضوعية للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، ولا سيما بعد الخطاب الشهير لرئيسها اوباما في القاهرة المنطوي على وعود عدّها الكثيرون «ربيعية» خضراء يومذاك في شأن القضية.
في ذلك الحين، اثمرت ضغوط واشنطن توقفاً معلناً للسلطات الصهيونية عن اعمال بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ولكن لم يلبث بعد بضعة شهور ان عاد الاسرائيليون الى وصل ما انقطع من اعمال استيطان وبوتيرة اعلى من السابق.
ومع هذا الامر، انهارت آمال ورهانات الكثيرين حول احتمال ان تكون سياسة واشنطن «الاوبامية» الخارجية يومذاك من اخفاقات عدة في بغداد وكابول وسواهما، بفعل ما عرفت لاحقاً انه بسبب انجرارها الاعمى وبلا حدود الى الجانب الاسرائيلي وضربها عرض الحائط بكل حقوق الشعب الفلسطيني وآماله وتطلعاته.

مرحلة انتظار
بعد ذلك، عاش الفلسطينيون مرحلة انتظار اخرى وهم يتابعون عن كثب التحولات الدراماتيكية في العديد من الدول العربية التي اطاحت أنظمة خال الكثيرون انها راسخة لا تحول ولا تزول ونهوض اخرى وخصوصاً في القاهرة.
واقع الحال الجديد والمفاجىء هذا، رفع منسوب الامال لدى فريق اخر من الفلسطينيين ولا سيما حركة حماس التي تشكل القوة الثانية في الوسط الفلسطيني، والتي تبسط سيطرتها على غزة وقطاعها.
فالذين على رأس هرم السلطة في مصر هم من تنظيم الاخوان المسلمين المتجانسين فكرياً وعقائدياً مع حركة حماس، فضلاً عن ان غزة وقطاعها هما على تخوم مصر. ولم يحتج الامر سوى لشهور قليلة حتى تداعت ايضاً آمال عريضة نسجت حول الواقع المستجد في القاهرة والتي قصرت حتى عن فتح المعابر الموصدة بإحكام منذ اعوام مع غزة وقطاعها المختنقين بحصار محكم من الجانب الاسرائيلي مستمر منذ زمن بعيد.
وكانت ثالثة الآمال هي في خطوات المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي استضافتها القاهرة ورعتها فيما الجميع ينتظر بفارغ الصبر ان تكون المصالحة الموعودة رديفاً لـ «الربيع العربي»، وفاتحة لمرحلة جديدة في حياة الشعب الفلسطيني وفي مسار قضيته، لكن عجلة مسار المصالحة توقفت مجدداً وبرزت مؤشرات تدل على وجود تعارضات وعراقيل.
وعليه، فالسؤال المطروح بإلحاح في الساحة الفلسطينية: ماذا بعد زيارة اوباما الى فلسطين المحتلة واي آمال ينتظرها الشعب الفلسطيني في المرحلة المقبلة، لا سيما بعدما بدا واضحاً من زيارة اوباما ان الغرب والعالم العربي ايضاً مشغولان بإعادة ترتيب اوضاع المنطقة وليس بحقوق الشعب الفلسطيني؟.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق