اسعار الغاز الطبيعي على كف الفجوة بين العرض والطلب

يستمر الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال في التصاعد وبوتيرة عالية، وبشكل يتفوق على العرض، الامر الذي دفع بعض دول الغاز الى تعزيز انتاجها فيما دفع دولاً اخرى لاستكشاف بواطن الارض بحثاً عن «الوقود النبيل». فكيف تبدو صورة هذا القطاع اليوم؟ وما هي توقعات الخبراء في هذا المجال؟
ما زالت الفجوة بين مستوى الطلب والعرض تتسع يوماً بعد يوم، ويتوقع خبراء الوقود ان يسجل الطلب على الغاز مستويات قياسية هذا العام في مقابل عرض خجول ومتقطع ومن شأن هذه الفجوة ان تؤثر حتماً على الاسعار بحيث يرجح ارتفاعها، الامر الذي يزيد من الاعباء على كواهل الدول المستهلكة.
الاسعار
ان السعر الحالي للغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية (سبوت) يدور حول 18 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بزيادة نحو دولارين عن الفترة نفسها من العام 2011، لكنه ما زال دون اسعار الصفقات القياسية التي تعدت 20 دولاراً، والتي جرت في العام 2008، غير ان السعر يمكن ان يصل الى هذا الرقم وربما يتعداه في المدى المتوسط اذا لم يتزايد العرض بشكل ملموس، او لم تكن الاكتشافات الجديدة كما هو المشتهى. ولا شك في ان التأثير الاكبر لارتفاع الاسعار سيكون على الدول المستهلكة، ولا سيما منها التي تسجل نمواً بارزاً سنوياً، كما هي الحال في البرازيل والهند والصين والارجنتين وغيرها، باعتبار ان هذا النمو سيزيد الطلب على الغاز.
العرض الاسوأ
ويقول المحلل بشؤون الغاز الطبيعي المسال اندي فلورز «ان وضع العرض اسوأ مما كنا نظن، اذ انخفض الانتاج في العام الماضي بشكل غير متوقع، وهو يبدو انه لن يزيد بنسبة كبيرة هذا العام». واشار الى ان انتاج الغاز الطبيعي المسال انخفض ثلاث مرات اخرى فقط منذ ان بدأ قبل نحو خمسين سنة. وهذه المرات الثلاث حدثت في العامين 1980 و1981 عندما اوقفت الجزائر صادرات الغاز الطبيعي المسال الى الولايات المتحدة بسبب نزاع على السعر، وفي العام 2008 عندما انفجرت الازمة المالية العالمية مهددة الاقتصاد العالمي بالانكماش.
علاوة على ذلك، فان اي احداث غير متوقعة مثل كارثة فوكوشيما النووية في اليابان، والظواهر الجوية الكبيرة، او اغلاق حقل مفاجىء لسبب او لآخر قد تدفع الاسعار صعوداً او تثير خلافات بين المزودين والمشترين حول تعديل الاسعار، مع ان 80٪ من امدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية محجوزة من خلال عقود طويلة الاجل. لكن دولاً مثل البرازيل والارجنتين والصين والهند التي تعتمد على صفقات قصيرة المدى يمكن ان تواجه اقتصاداتها ضربة كبرى. ففي عقب كارثة فوكوشيما في آذار (مارس) 2011، ارتفعت واردات اكبر دولة مستهلكة للغاز الطبيعي المسال في العالم بنسبة كبيرة، الامر الذي ادى الى دفع الاسعار صعوداً في آسيا الى حدود 70٪ في الاشهر السبعة التالية، علماً بأن محطتين فقط من محطات اليابان النووية الخمسين عادت الى العمل بعد ما يقرب من عامين على الحادثة. ومما ساعد في سوء العرض ابطاء الانتاج في اكبر بلد مصدر للغاز في العالم (قطر)، وارتفاع الطلب المحلي على الطاقة في مصر واندونيسيا اللتين كانتا سنداً لسوق تصدير الغاز الطبيعي المسال، الامر الذي ادى الى نقص المعروض في السوق المفتوحة. ويضاف الى كل هذه العوامل توقف الانتاج في مشروع التصدير الهيدروكربوني في اليمن بسبب الاضطرابات والهجمات المسلحة وهو الذي كان قد بدأ العمل به في العام 2009.
وامام هذه الفجوة بين العرض والطلب بات كل من يعتمد على السوق الفورية (سبوت) يجد صعوبة في المحصول على طلبه من الغاز، وان وجده فسيضطر لدفع اسعار اعلى يعززها تراجع المعروض العالمي نحو 1،6٪ الى 238 مليون طن في العام 2012، واحتمال تراجع الانتاج الاندونيسي العام الحالي نحو 14٪، وامتصاص مشاريع جديدة في آسيا قسماً كبيراً من المعروض هذا العام ايضاً، كما في الصين والهند وسنغافورة التي اقامت خمس محطات جديدة للاستيراد سوف تضيف ما يقرب من 18 مليون طن/سنة من القدرة على الاستيراد، اي نحو 8٪ من امدادات العام الماضي وفقاً لتقديرات خبراء، علماً بأن الغاز الطبيعي المسال يستخدم عادة في التدفئة وتوليد الكهرباء والنقل.
توقعات الطلب
تشير كل الدراسات والتحليلات الى ان الصين ستزيد من طلبها للغاز الطبيعي المسال، اولاً بسبب مواصلة نموها القوي، وثانياً بسبب تخطيطها لاستخدام الغاز الثلاثي بحلول العام 2020 للحد من الاعتماد على الفحم الضبابي الدخان. ولديها من مشاريع الاستيراد للعام 2013 ما يقرب من 10 ملايين طن سنوياً. اضافة الى ابرام قطر عقوداً طويلة الاجل مع المستوردين الناشئين، مع ان هذه الدولة تمثل توازناً حاسماً في سوق الغاز الطبيعي المسال في السنوات الاخيرة.
ونتيجة الجفاف الحاد الذي اصاب البرازيل وانعكس سلباً على معامل انتاج الكهرباء المائية فيها لم تتوان عن دفع 18 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية للغاز الطبيعي المسال لحالات الطوارىء في الشهر الماضي، وهو سعر لا يبعد عن اعلى سعر يدفع للغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية منذ اربع سنوات.
وفي ضوء انخفاض انتاج النفط والغاز المحلي في الارجنتين، يخوض هذا البلد منافسة شديدة مع البرازيل وآسيا للحصول على امدادات الغاز الطبيعي المسال. وخير دليل على شراسة هذه المنافسة، عدم تلبية المناقصة التي اجرتها هذه الدولة في كانون الاول (ديسمبر) الحاجات المطلوبة، اذ لم تحصل سوى على 51 شحنة من اصل 83 شحنة مقررة للاستيراد في العام 2013.
من الكويت الى اوستراليا
وامام هذا الطلب المتزايد تكثف بعض الدول والمناطق جهودها لاكتشاف مصادر جديدة من الغاز، وفي هذا المجال كشف رئيس شركة نفط الكويت سامي الرشيد عن البدء بعمليات حفر واسعة في الجزء غير المتنازع عليه من حقل الدرة البحري الواقع ضمن الجرف القاري في مياه الخليج العربي، وتشترك فيه الكويت والسعودية وايران. وتوقع الرشيد ان ينتج هذا الجزء من حقل الدرة قرابة 500 مليون قدم مكعب من الغاز الحر الذي تنتج الكويت منه حالياً 135 مليون قدم مكعب، وهناك خطة طموحة لرفع هذا الانتاج الى مليار قدم مكعب يومياً.
وفي مصر تجري الاستعدادات لطرح مزايدات عالمية للتنقيب عن الغاز في مناطق عدة في شرق البحر المتوسط (15 منطقة).
ومن المرجح ان تصبح اوستراليا اكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم متقدمة على قطر بفضل احتياطاتها من الغاز المقدرة باكثر من قرن من الحياة والتي ستخفف من استخدامها للفحم ومناجم الحديد.
بحيرة الغاز تحت المتوسط
اكد تقرير صادر عن هيئة المساحة الجيولوجية الاميركية وجود بحيرة من الغاز تحت مياه شرق البحر المتوسط داخل الحدود الاقليمية لستد دول هي مصر وسوريا ولبنان وتركيا وقبرص واسراذيل. وتقدر الهيئة مخزون هذه البحيرة بنحو 230 تريليوم قدم مكعب. ورأى التقرير ان العلاقات بين الدول الست الآنفة الذكر تجعل عملية استخراج الغاز امراً صعباً وسط خلافات متصاعدة حول استخراج الغاز من تلك المنطقة بعد اعلان كل من اسرائيل وقبرص عن الغاز في شرق المتوسط، وكانت اسرائيل السباقة في عملية الاستخراج زاعمة احقيتها في حقل بحري كبير للغاز اكتشف في العام 2009، ما اثار حفيظة لبنان الذي رفع قضية الخلاف على الحدود البحرية الى الامم المتحدة. وبمعزل عن هذا النزاع الحدودي قرر لبنان رحلة التنقيب عن الغاز في المياه البحرية مع الاعلان عن طرح مناقصات قريبة في هذا المجال.
وربما كانت تركيا الاكثر اعتراضاً على التنقيب القبرصي والاسرائيلي اذ وصفت ما تقوم به قبرص واسرائيل بانه «ضرب من الجنون» مما يزيد الخطر بشأن الاحتياطات الضخمة المحتملة في شرق البحر المتوسط. وشدد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على ضرورة ترسيم الحدود البحرية «بشكل عادل مع جميع الاطراف».