سياسة عربية

غياب عربي وحضور ايراني في جنازة شافيز

لاحظ المراقبون، غياب العرب الصارخ، عن مراسم وداع هوغو شافيز، رئيس فنزويلا الراحل، فتمثلت سوريا، بوزير شؤون الرئاسة، منصور عزام، وفلسطين بوزير الخارجية، رياض المالكي، بالرغم من انهما كانتا من الحلفاء المقربين، الذين نعموا بخيراته، بينما قامت محطة «الميادين» التلفزيونية، وحدها، من بين انظمة التلفزيون العربية، بنقل المراسم مباشرة، وبالصورة المباشرة، وخصصت له ندوات على مدى ايام.

كان  هوغو شافيز، اعرب في مناسبات عديدة من حياته السياسية، عن «تضامنه مع القيادة والشعب في سوريا، في مواجهة الاعتداء الامبريالي الشرس».
واشادت وكالة سانا للاخبار السورية، بالرئيس الاميركي اللاتيني الراحل، الذي كان حليفاً صلباً لنظام بشار الاسد. وكان شافيز تساءل، في السنة الماضية: «كيف يستطيع احد ان يوافق، على الاعتداء الذي تواجهه سوريا»؟ لماذا لا ندعم النظام (السوري)، لانه نظام شرعي؟». ووصف المعارضين السوريين بـ «الارهابيين».
ولكن هوغو شافير. كان قبل هذا التأييد، قد اعرب كلامياً وديبلوماسياً، عن تضامنه مع الانظمة التي اطاحتها حركات الربيع العربي، واتهم وسائل الاعلام العالمية، بنقل صورة مثالية عن هذه الحركات، فاشاد مثلاً، بالعقيد معمر القذافي، وادان عملية تصفيته، في تشرين الاول (اكتوبر) 2011.بين ظل الرئيس الفنزويلي الراحل، يتمتع حتى بدايات سنة 2011، بشعبية لدى شعوب واحزاب عربية، وانظمتها، مثل سوريا، ليبيا معمر القذافي وعراق صدام حسين، وربح دعماً وتقديراً، عندما قطع علاقاته الديبلوماسية مع اسرائيل، بعد الاعتداء الذي شنته على غزة، خلال 2008 – 2009.

الفلسطينيون
ولكن الذين بكوا على رحيل هوغو شافيز، بين العرب اكثر من سواهم، كانوا الفلسطينيين، اضافة الى الطرف الاخر، في الشرق الاوسط، الذي هو ايران.
فقال مثلاً، نبيل شعث مساعد الرئيس الفلسطيني: «ان فلسطين تقول وداعاً لصديق وفيّ، دافع بحماس عن حقنا في الحرية وفي تقرير المصير».
وكان هوغو شافيز، وصل، في احدى خطبه، الى حد تشبيه ياسر عرفات بالسيد المسيح، واكد كذلك، ان كل فرد في فنزويلا هو «جندي، في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية» كما كان، ذات يوم، كارلوس ايليس راميريز سانشيز، الفنزويلي، المعروف بكارلوس، المحكوم بالسجن المؤبد، في فرنسا، حيث قام بعدد من العمليات الارهابية، تسببت بقتل حوالي عشرة اشخاص. وكانت السودان، التي لجأ اليها، سلمته الى المخابرات الفرنسية، ايام حكم الترابي.
فريق آخر من العرب، يبكون كثيراً هوغو شافيز، انهم صحراويو جبهة البوليساريو، الذين كان يمدهم بمساعدات انسانية وبغيرها. ويدافع عن قضية الصحراويين، ضد المغرب، ويعلن انه المدافع الدائم، عن «حرية الشعب الصحراوي».
وكان استقبل، في الشهر الماضي، مثلاً، في كاراكاس عشرة من الشباب الصحراوي، للتدرب في «المختبر الوطني للمياه في فنزويلا».
ولكن فنزويلا، كانت اعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، منذ سنة 1982، اي قبل ان يصل شافيز، الى الحكم بكثير. ولكنه استقبل في سنة 2004، الزعيم الصحراوي محمد عبد العزيز، بينما لم تقطع الرباط علاقاتها الديبلوماسية المتوترة مع كاراكاس، الا بعد خمس سنوات.
ووجه هوغو شافيز، انتقادات الى الربيع العربي، ووصف الثوار، بالارهابيين، فساهم بما كان له من شعبية في هذه المنطقة من العالم، بينما كانت دول الخليج العربي، تنظر اليه، في حذر، ان لم يكن باكثر، بسبب تحالفه الوثيق مع ايران.

الحداد في ايران
وكانت ايران الاكثر حزناً، حتى ظاهرياً، في الشرق الاوسط، على موت هوغو شافيز، فاعلنت يوماً كاملاً، من الحداد مدعوماً بكلمات عزاء وتقدير، الى الشعب الفنزويلي، وكانت الدولة الشرق اوسطية الوحيدة، التي تمثلت في مراسم الوداع، برئيس جمهوريتها. وكان احمدي نجاد الوحيد، بين رؤساء الوفود، الذي قام بتقبيل النعش. وردت سلطات كاراكاس الجميل، فجعلته المراسم يقف لوحده. مع رئيس جمهورية بيلو روسيا، الذي هو كذلك، موضوع اعتراض عالمي، حول النعش، بينما وقف سائر رؤساء الوفود، في صفين من خمسة، فأكد احمدي نجاد، الوقع الاكثر من اليم الذي تركه في طهران، موت هوغو شافيز، الذي كان اهم حلفاء ايران في اميركا اللاتينية.
وكانت المواجهة التي قادها هوغو شافيز واحمدي نجاد، على الولايات المتحدة، غطت على المصالح المشتركة الاقتصادية، بين البلدين، من شؤون الطاقة الى التعاون الاقتصادي.
وكان نجاد، عكس هذا الواقع، في رسالة التعزية التي ارسلها الى كاراكاس ونشرها عبر موقعه الانترنيتي، موجهة الى نيقولا مادورو، الذي تولى الرئاسة، بعد شافيز: «اود ان اعبّر عن الألم العميق لهذه الخسارة، التي تصيب كل شعوب العالم، الى الشعب الفنزويلي والى عائلته المحترمة».
وتوجه الى مادورو، مشيراً، الى ان فنزويلا، فقدت «ابناً شجاعاً، وخسر العالم، زعيماً حكيماً وثائراً كبيراً، قاوم ضغوطات الاعداء».
ووقع نجاد، رسالة التعزية الى نائب الرئيس: «شقيقك وصديقك»، وكتب: «ان هوغو شافيز، هو رمز كل المقاتلين الثوريين، في تاريخ اميركا اللاتينية، المجيد والمأساوي، وكان يشكل مثالاً لارادة اميركا اللاتينية، في التحرر و،الكفاح ضد الاستعمار والسعي وراء العدالة والاخوة بين شعوب العالم».

خسارة
كلمات الرئيس الايراني، كانت تعكس، الشعور بخسارة اكبر حلفاء ايران على المسرح الدولي، على الرغم من الضباب الذي كان يحوط بالعلاقات بينهما.
فان الحيوية الجارفة، التي كان يعكسها هوغو شافيز، كانت تتوافق بصعوبة، مع تحرك صديقه الايراني المتحفظة، واذا كان الزعيم الاميركي اللاتيني، يرتدي مثلاً: الالوان الزاهية، والقمصان الحمراء، فانه من الصعوبة، ان نجد، في خزانة الايراني، ملابس بغير اللون الرمادي، او الاسود. ولكن هذا الامر لم يكن يمنع، ان تتميز لقاءاتهما، بالقبلات والاحضان.
فان ما يسمى بـ «العداء للامبريالية ولاميركا» كان يبرر هذا الغرام، عن بعد، بين الرجلين، بالرغم من صعوبة تطبيقه في المجال العلمي، خصوصاً ان الاميركي كان ينادي باشتراكيته الخاصة، والايراني يؤكد الايمان باصولية شيعية فارسية.
وبالرغم من انه لا شك في ان هوغو شافيز، وربما مادورو غداً، كان يجد في احمدي نجاد، المعادلة اللازمة لتصعيد استقلاليته عن الامبراطورية، فان شافيز، كان بدأ يتقرب من ايران، منذ قبل وصول نجاد الى رأس السلطة.
فزيارته الاولى الى طهران، تعود الى سنة 2001، عهد كان على رأس الجمهورية الايرانية، رئيس اصلاحي اسمه محمد خاتمي، زار كاراكاس عاصمة فنزويلا، ثلاث مرات، كانت اخرها في سنة 2005، قبل ان يتولى احمدي نجاد الرئاسة في ايران، بقليل وقلّد شافيز، الرئيسين الاثنين، الليبرالي والمحافظ، اعلى وسام في بلاده، ووصف الاثنين بـ «المناضلين اللذين لا يتعبان، من اجل القضايا العادلة في العالم».

ارقام
تعكس الارقام، فاتورة العلاقات بين البلدين، فالمبادلات التجارية بينهما، مثلاً، ارتفعت من 189000 دولار في سنة 2001 الى حوالي 50 مليوناً في السنوات الاخيرة.
واعلن البلدان، في سنة 2008، عن سلسلة مشاريع مشتركة، في مجالات الطاقة والزراعة والاغذية والبنى التحتية، وتقدر الاستثمارات الايرانية في فنزويلا، باربعة مليارات دولار.
ولاحظ المراقبون ازدياد عدد الشباب الايرانيين، الذين يتخرجون باللغة الاسبانية، سعياً وراء فرص عمل في فنزويلا.
بينما لا يتوافق الواقع مع البلاغة الكلامية، كما حصل مع خط الطيران، الذي انشىء بين طهران وكاراكاس، واوقف عن العمل، في سنة 2010، وليس في استطاعة احد ان يؤكد حقيقة ما يحصل، في مجال الوقائع والواقع في العلاقات بين البلدين. في حين ان مساعي هوغو شافيز، للانفتاح على الجزائر، لم تعط الثمار المرجوة، فزار الجزائر، اربع مرات، في سنوات 2000 او2001، و2006 و2007، الى حد جعل البعض يتحدثون عن امكانية قيام محور بين البلدين، وعودة الى الديبلوماسية التي اطلقها الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، ولكنه لم يحصل اي تقارب يذكر، بين ايران والجزائر. بينما كان شافيز يتمنى اقامة محور بين افريقيا واميركا اللاتينية.

شعارات
ولم ينفع الدعم الذي قدمه شافيز الى جبهة البوليساريو، ضد المغرب، الى حد السماح لها بانشاء سفارة في كاراكاس، مثلما فعلت مع فلسطين.
فبقيت العلاقات بين البلدين، مجرد شعارات مما جعل السفير الجزائري السابق، عبد العزيز الرحابي، يقول لجريدة الوطن الجزائرية: ان الشارع الجزائري، ربما بدأ يعتبر ان زمن الحرب على الامبريالية، ولّى.
وعلى صعيد النفط، اذا كان شافيز ساهم لدى وصوله الى السلطة، في رفع سعر برميل النفط، الى مستوى المئة دولار للبرميل، فان المراقبين يتصورون احتمالين امام من سيخلفه، اذا فشلوا في تقوية دعائم السلطة. فتفتح الابواب، امام الرساميل الاجنبية للاستثمار في المجالات النفطية للتعويض عن تدني مستوى انتاج انخفض، بعد 2004 الى اقل من مليوني برميل في اليوم، بينما الامكانات هي 6 ملايين برميل.

جوزف صفير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق