تونس: حكومة اسلامية – علمانية وانتخابات تشريعية قبل نهاية العام
قد تكون التجربة قاسية بالنسبة الى حزب النهضة الاسلامي الذي كان حاكماً حتى قبل شهر تقريباً، والذي اضطر الى التراجع على وقع ازمات سياسية اطاحته من رأس الهرم الحكومي، واضطرته الى الائتلاف مع حزبين علمانيين وبعض الشخصيات المستقلة في تشكيل حكومي يراه رئيسه متينا وقادراً على التعاطي مع متطلبات المرحلة، بينما يراه محللون هشاً ومعرضاً للانهيار ثانية في اية لحظة.
الذين يرون التشكيل متيناً ينطلقون من انه يستند الى اغلبية برلمانية مريحة قوامها حزب النهضة الاسلامي، اضافة الى حزبين علمانيين، ومجموعة من المستقلين الذين حصلوا على مجموعة من الوزارات السيادية.
اما الذين يرون عكس ذلك فينطلقون من ان حزب النهضة يعاني من سلسلة ازمات متلاحقة ادت الى افراغه من زخمه الذي انطلق به قبل اكثر من عام عندما نجح في تحقيق اكثرية مكنته من تشكيل الحكومة. ويتوقفون عند سلسلة من التراجعات التي يعتقد بأنها اصابت ثوابته، اضافة الى المواجهات السياسية التي المح اليها الرئيس المرزوقي مع التيار السلفي المسلح والتي يعتقد انها سترفع من منسوب الازمة الداخلية.
الا انه وعلى الرغم من كل ذلك، يعتقد متابعون ان التشكيل الجديد الذي تجاوز صعوبات كبيرة، وصولاً الى هذه الصيغة قد يكون ناجحاً في الوصول الى اجراء الانتخابات التشريعية التي يقول ان موعدها لن يتجاوز تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الحالي.
حكومة جديدة
بخصوص الحكومة، أعلن علي العريض القيادي في حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس عن تشكيلة حكومة جديدة تضم ممثلين عن أحزاب الائتلاف الثلاثي الحكومي (الترويكا) ومستقلين. وتخلف الحكومة الجديدة، في حال نيلها الثقة، حكومة رئيس الوزراء المستقيل حمادي الجبالي الامين العام لحركة النهضة، وتتولى تسيير شؤون البلاد الى غاية اجراء انتخابات عامة يأمل الرئيس الجديد ان يكون موعدها قبل نهاية العام الحالي.
وتضم التشكيلة التي عرضها العريض في مؤتمر صحافي، اعضاء من حركة النهضة الاسلامية وشريكيها العلمانيين: حزب المؤتمر وحزب التكتل ومن عدد من المستقلين.
واشار العريض الى ان تشكيلة الحكومة الجديدة حققت قدراً مهماً من تطلعات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وخصوصاً ما يتعلق بتحييد وزارات السيادة (الدفاع والداخلية والعدل والخارجية)، والتي كانت حركة النهضة تهيمن عليها في الحكومة المستقيلة.
واضاف العريض انه قدم الى الرئيس التونسي منصف المرزوقي ملفاً يتضمن تركيبة الحكومة المقترحة، وموجزاً عن برنامج عملها. وستعرض الحكومة على البرلمان لطلب الثقة. واوضح ان الحكومة الجديدة ستعمل مدة اقصاها انتهاء عام 2013. ولم يستبعد حل الرابطة الوطنية لحماية الثورة غير الحكومية التي تورط محسوبون عليها في عدد من اعمال العنف السياسي سنة 2012.
الى ذلك توقف محللون عند ما يعتقد انها ازمات متتالية اضعفت حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في تونس بعد أكثر من عام على توليها السلطة، واجبرتها على التراجع عن العديد من مواقفها السابقة مثل التخلي عن الوزارات السيادية في الحكومة الجديدة، وذلك بعد مقتل المعارض اليساري شكري بلعيد خلال الشهر الماضي.
ويقول مراقبون ان اغتيال شكري بلعيد المناهض لحكم الاسلاميين، سبب اكبر ازمة لحركة النهضة منذ وصولها الى الحكم، حيث دفعت الامين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي الى الاستقالة من رئاسة أول حكومة منبثقة عن انتخابات 2011.
وقبل ذلك، وفي آذار (مارس) 2012 تخلت الحركة عن مطلب بالنص ضمن الدستور الجديد الذي يعكف على صياغته المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) على ان الشريعة الاسلامية مصدر اساسي من مصادر التشريع. وساندت احزاب وتيارات اسلامية حركة النهضة بقوة في هذا المطلب ونظمت تظاهرات كبيرة مؤيدة لادراج الشريعة ضمن الدستور. لكن احزاب المعارضة الليبرالية اعتبرت ان ادراج الشريعة ضمن الدستور سيمهد لاقامة دولة دينية في تونس. كما اضطرت الحركة الى قبول نص تشريعي يساوي بين الرجل والمرأة خلافاً لما كانت تسعى له.
مقاومة السلفيين
في موضوع مواز، اعلن الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ان نظامه سيقاوم التيار السلفي المسلح لكنه يدعو الى الحوار مع العناصر الاخرى المعتدلة من هذا التيار الاسلامي. وقال المرزوقي في تصريحات صحافية ان الظاهرة السلفية، يمكن أن تشكل إزعاجاً كبيراً، لكنها لا يمكن أن تشكل خطراً على الدولة أو المجتمع. واعتبر ان السلفية هي من مخلفات «العهد البائد». وقال ان بن علي عندما قضى على حركة النهضة، فتح المجال امام قوى إسلامية تدربت وتعلمت الحرب في أفغانستان ثم رجعت إلى تونس. وتابع المنصف المرزوقي انه سيفتح الحوار مع التيار السلفي التقليدي والتيار الإصلاحي. ولوح بانه سيقاوم التيار السلفي المسلح، معتبراً ان هذه مسؤولية الجيش وأجهزة الأمن، وفي إطار القانون.
في السياق عينه، استبق وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي (مستقل)التشكيل الحكومي بتقديم استقالته من منصبه في الحكومة، وبرر ذلك بـ «الضبابية التامة» للمشهد السياسي في تونس. وقال الزبيدي في تصريح صحافي انه اعطى علي العريض «كل الاسباب التي تجعله غير قادر على مواصلة مهامه». واوضح ان هذه الاسباب هي «الضبابية التامة» للمشهد السياسي في تونس وعدم توافر «خريطة طريق – سياسية – واضحة للذهاب الى الانتخابات العامة في احسن الظروف واسرع الاوقات». وحذر من ان المؤسسة العسكرية «متعبة» ولم تعد تمتلك الجهوزية اللازمة بسبب انتشارها منذ اكثر من عامين لحفظ الامن داخل البلاد وعلى الحدود. واعترف بوجود «تهديد امني» من الداخل ومن الخارج، وعلى الحدود. مشدداً على ضرورة تكثيف الوجود على الحدود مع الجارتين: ليبيا والجزائر.
ويذكر انه تم تعيين الزبيدي وزيراً للدفاع بعد الثورة التي اطاحت في 14 كانون الثاني (يناير) 2011 نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي هرب الى السعودية.
ويتعين على رئيس المجلس الوطني التأسيسي الدعوة الى جلسة عامة في اجل اقصاه ثلاثة ايام من تاريخ اعلان تشكيل الحكومة. وان تحصل على الاغلبية المطلقة من الاعضاء.
وفي حالة عدم الحصول على ثقة المجلس التأسيسي، يقوم رئيس الجمهورية باجراء مشاورات مع الاحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الاقدر على تأليف حكومة.
تونس – «الاسبوع العربي»