رئيسيسياسة عربية

هل تقبل حماس بالتخلي عن السلاح مقابل الاعتراف الدولي بها؟

قبل فترة قصيرة، اوردت صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية تقريراً فحواه ان مصر طلبت من حركة حماس التخلي عن الكفاح المسلح في مقابل الحصول على الاعتراف الدولي والعمل بحرية. وعلى رغم ان الحركة سارعت على لسان احد قيادييها النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني صلاح البردويلي الى نفي هذا الخبر والاعلان عن ان الحركة لم تتلق اي طلب من القاهرة بالتخلي عن اسلوب المقاومة الذي تلتزم به الحركة منذ نشأتها في اواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي، فإن ثمة مراقبين توقفوا عند خلفيات وخفايا هذا الكلام الاسرائيلي، سواء في توقيت اطلاقه او في ابعاده.

الذي يعرف العقلية الصهيونية يعرف ان هذا الكلام لا يأتي من فراغ، مهما كانت نسبة الصحة والدقة فيه، ويدرك بالتالي ان اسرائيل لم تطلقه على عواهنه بل انها تريد من ورائه ارسال رسالة معينة سواء الى حركة «حماس» او الى القيادة المصرية، وبالتالي التمهيد لارساء هواجس واجواء معينة.
فالمعلوم انه منذ الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، وبالتحديد بعد الدور الذي اضطلع به النظام المصري الاسلامي في التوجه الى تهدئة الاوضاع والتوصل الى وقف لاطلاق النار بين حماس التي تبسط سيطرتها بقوة على غزة وقطاعها وتل ابيب، بدأ المراقبون للقضية الفلسطينية يتحدثون في الكواليس عن انفتاح الابواب امام مرحلة جديدة بمواصفات مختلفة على مستوى مستقبل حركة حماس ووضعها في قلب المعادلة الفلسطينية.
وعليه سال حبر كثير من ان الحرب الاسرائيلية على غزة والتي خرجت منها حماس بانتصارات معنوية وسياسية، هي اخر المواجهات التي ستخوضها هذه الحركة الاسلامية مع اسرائيل، لان القيادة المصرية التي تتلاقى مع حماس في الانتماء الى الرقم واحد وهو رقم الاخوان المسلمين، اخذت مهلة زمنية بغية تدجين حماس وجعلها تتخلى عن الكفاح المسلح لتصير بالتالي حركة سياسية، في مقابل ان تخرج من «قائمة المنظمات الارهابية» وتخرج من حالة النبذ العربية لها.

مقايضة
خلال هذه المهلة الزمنية تقطع حماس تدريجياً خطوط علاقاتها مع ما يعرف بـ «محور الممانعة» الذي تشكل ايران وسوريا وحزب الله اضلاعه الثلاثة الاساسية، في مقابل ان تنفتح امامها (اي امام حماس) كل الابواب الموصدة مع عواصم وقوى ومنظمات ودول كانت حتى الامس ليس لها اي صلة بالحركة الاسلامية.
ومما اعطى هذه القراءة مصداقية ان غزة وقيادة حماس صارتا تستقبلان خلال الاشهر القليلة الماضية شخصيات ووفوداً لم تطأ اقدامها يوماً تلك المدن المحاصرة من كل الجهات.
وعلى المستوى الفلسطيني بدأت حماس تعيد صياغة علاقاتها بحركة فتح ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. ورغم ان هذا التطور يندرج في اطار استكمال المصالحة الفلسطينية التي صارت ضرورة ملحة، وصارت مطلباً اساسياً على المستوى الفلسطيني والعربي والاسلامي، الا ان ثمة من المراقبين من وضع هذا الامر في خانة «اعادة تأهيل حماس وتدجينها وفتح ابواب الداخل الفلسطيني امامها بغية تعويدها وتدريبها على كل ما له صلة بالسلطة والحكم والادارة، على نحو ليأتي حين من الدهر وتمتلك فيه اهلية امتلاك زمام الامور ومقاليد الاوضاع الفلسطينية على نحو ينسيها وينسي كوادرها وجمهورها كل ما له علاقة او صلة بمرحلة النضال والمواجهات المسلحة مع الاسرائيليين ولا سيما ان ابواب كل الضفة الغربية عادت لتنفتح امام حضور الحركة السياسي والتنظيمي.
ومما زاد في قناعة المقتنعين بهذه الفرضية ان اجهزة السلطة الفلسطينية والسلطات الاسرائيلية ما زالتا تتوليان اعتقال وضبط كل من يشتبه بكونه خلايا مقاومة مسلحة تابعة لحركة حماس في مختلف انحاء الضفة الغربية.

تطور ميداني
وفي موازاة كل هذه التطورات كان ثمة تطور ميداني اخر يتصل بعلاقة مباشرة بين حماس والقيادة المصرية. ففي الفترة التي تلت العملية العسكرية الاسرائيلية بادرت سلطات الحدود المصرية الى ردم وتدمير الانفاق الممتدة بين الاراضي المصرية واراضي قطاع غزة، والتي صارت كما هو معلوم شريان حياة رئيسي تؤمن للقطاع المحاصر وصول مواد البناء والاغذية والادوية والوقود والسيارات ومئات السلع الاخرى للتغلب على الحصار الذي تفرضه اسرائيل على القطاع منذ اعوام طويلة.
والواضح ان السلطات المصرية لا تتعمد سد كل هذه الانفاق التي يصل عددها الى المئات وانها تبادر الى اجرائها هذا بشكل متقطع حتى لا تثير ردة فعل واسعة النطاق وغاضبة لدى الفلسطينيين الذين يقطنون في غزة وقطاعها والذين يتعدى عددهم المليون ونصف المليون نسمة.
الا ان ثمة من يرى ان الهدف من انهاء ظاهرة الانفاق هذه هي منع ادخال الاسلحة والاعتدة العسكرية. وهذا التحليل ان صح فإنه يندرج في رأي المراقبين في اطار المهمة الاساسية وهي تعويد حماس على العيش تدريجياً بلا عسكرة وتسليح ومقاومة.

اهداف ومقاصد
ورغم ان كثيرين يرون ان القيادة المصرية الغارقة حالياً الى اعلى رأسها في ازماتها الداخلية، ولا تملك «ترف» الوقت ونعمة الاستقرار مما يجعلها قادرة على ممارسة ضغوط على قيادة حركة حماس لجعلها تتخلى عن المقاومة او تعيد ترتيب اوراقها وتعيد هيكلة نفسها من جديد، إلا ان ثمة من يجد في كلام الصحيفة العبرية (يديعوت احرونوت) المفاجىء هذا، انما يرمي في هذه المرحلة بالذات والتي تشهد اضطرابات واهتزازات في الاوضاع في كل الدول العربية التي تحوط بالكيان العبري الى جملة اهداف ومقاصد ابرزها:
– ان اسرائيل تريد ان تذكر القيادة المصرية بالتزامات او تعهدات ربما تكون هذه القيادة لوحت بها او اعطتها لتل ابيب.
– او ان اسرائيل ترسل من خلال هذا الكلام عرضاً للقيادة المصرية ولحركة حماس في الوقت نفسه خصوصاً ان لمثل هذا العرض جذوراً قديمة.
– او ان تل ابيب تريد فعلاً احداث قطيعة بين القيادة المصرية وحركة حماس مع علمها المسبق بأن العلاقة بينهما ليست في افضل حالاتها.
– او ان اسرائيل التي تحضر نفسها لاستقبال الرئيس الاميركي باراك اوباما في القريب العاجل، تريد ان تخلق سجالات سياسية جديدة على مستوى القضية الفلسطينية، خصوصاً ان الفلسطينيين يشكون دوماً للرأي العام العالمي من ان تل ابيب ترفض ان تقدم اي شيء جديد يخرج المفاوضات بين الطرفين من حالة الجمود القاتل التي تعيشها منذ اكثر من عامين.
فضلاً عن ان اسرائيل تريد ان تخلق زوبعة اعلامية وسياسية جديدة للتغطية على قضية وضع المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الاسرائيلية بعدما جذبت هذه القضية اهتماماً وتعاطفاً عالميين، خصوصاً بعد مقتل احدهم اخيراً.
وفي كل الاحوال، كان لافتاً ان السلطات المصرية لم تكلف نفسها عناء الرد على الكلام الاسرائيلي، لكن ذلك على دلالاته لا يعني ان مسألة تخلي حركة حماس عن السلاح في هذه المرحلة امر وارد، فدون ذلك تعقيدات وعقبات كبرى.

ا. ب
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق