سياسة لبنانية

لبنان: نحر سياسي ومالي!

تبرز مسألة ايجاد التمويل اللازم لسلسلة الرتب والرواتب العائدة الى موظفي الدولة والتي سبق للحكومة ان اقرتها، احد التحديات الماثلة امامها، في ضوء مروحة التحركات التي تقوم بها هيئة التنسيق النقابية والرامية الى شل العمل تباعاً في الادارات والمؤسسات العامة كوسيلة ضغط على الحكومة كي تحيل مشروع قانون السلسلة رسمياً الى المجلس النيابي.

باتت الاعتراضات عالية السقف التي ابدتها علناً الهيئات الاقتصادية الرافضة للتصحيح البنيوي في الاجور عموماً، مضافة الى التحذيرات المتناقلة – خفراً – من الداخل عبر حاكمية مصرف لبنان، ومن الخارج من خلال مؤسسات التمويل العالمية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكذلك من المؤسسات الدولية، عاملاً من عوامل التوتير المحلي.
ومن المقرر ان تعاود الحكومة في جلستها في الواحد والعشرين من آذار (مارس) البحث في مسألة السلسلة من باب ايجاد التمويل اللازم لها، بعد التعثر المالي الذي ادى الى تأخير احالتها الى مجلس النواب، بمعنى آخر ان الحكومة ستكون امام مساحة من المراوغة في مسألة بت السلسلة، الى حين عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من جولته الافريقية التي تشمل 4 دول.

النفط اثر سلباً
يشير تقرير اقتصادي الى ان ارتفاع أسعار النفط اثر سلباً في المالية العامة في لبنان كونه أحد أكثر الدول اعتماداً على استيراد النفط في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، اذ توقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة نموّ الاقتصاد الوطني إلى 2٪ في 2012 و2،5 % في 2013 مقارنة بـ 1،5 % في 2011. في المقابل سجلت حركة مرفأ بيروت نتائج جيدة على رغم الاضطرابات الاقليمية والحوادث الامنية في اكثر من منطقة.
ويعتبر ان اشتداد الأزمة السورية التي تتركز عسكرياً في العاصمة دمشق وحلب، في ظل ارتفاع العدد الرسمي للاجئين السوريين إلى نحو 400 الف، انعكس سلباً على موازنة الدول المضيفة المجاورة، وتحديداً الأردن والعراق ولبنان، مما دفع صندوق النقد الدولي الى التأكيد على أن الوضع المضطرب في سوريا أدّى إلى شلل في الحركة السياحيّة والتجاريّة لهذه الدول، فضلاً عن اخطار انتقال الأزمة إليها والتي ترجمت زيادة في هوامش السندات السيادية في لبنان وانخفاض أسواق الأسهم في الأردن ولبنان والمغرب.
وتوقّع صندوق النقد، في تقرير بعنوان «آفاق الإقتصاد الإقليمي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى»، أن يرتفع معدل التضخم من 5٪ في 2011 إلى 6،5% في 2012»، لافتاً إلى أنّ لبنان «قد يواجه بعض التحديّات خلال الفترة المقبلة، منها ارتفاع نسبة العجز المالي إلى نحو 15،6 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013، علماً بأن مستوى الدين لا يزال يفوق الـ 100% من الناتج المحلي الإجمالي».

توقعات النمو
في موازاة ذلك، خفّض تقرير معهد التمويل الدولي تقديراته السابقة للنموّ الاقتصاديّ في لبنان إلى 0،6% في العام 2012، فيما ارتقب أن ترتفع نسبة النموّ الاقتصادي الحقيقي إلى 3،5 % سنة 2013، ومن ثمّ إلى 5% سنة 2014، مع الاشارة الى ان المعهد توقّع، في تقريره Global Economic Monitor الصادر في شباط (فبراير) 2012، أن تصل نسبة النموّ الاقتصادي في لبنان إلى 2،9٪ العام 2012 و4،5% سنة 2013.
توقّع تقرير المعهد أيضاً أن يتراجع معدّل تضخّم الأسعار في لبنان إلى 3،1 % سنة 2013، قبل أن يعود ويرتفع إلى 4٪ سنة 2014، بعدما كان قد سجّل زيادة ملحوظة إلى 6،4% سنة 2012.
ويتحدث احد الخبراء الاقتصاديين عن الصعاب المالية التي تعانيها الدولة، في ظل غياب الموازنة العامة وعدم القدرة على تمويل سلسلة الرتب والرواتب، لصعوبة مصادر التمويل الداخلية والخارجية، وعلى رغم الاستحقاقات الكبيرة على الدولة في السنة 2013 التي تصل إلى حوالى 19 ألف مليار ليرة (منها 11 ألف مليار سندات الخزينة بالليرة وحوالى 6 آلاف مليار ليرة شهادات إيداع تستحق هذا العام) إضافة إلى عجز الموازنة المقدر بحوالى 6 آلاف مليار ليرة من دون كلفة السلسلة.
ويشير في الوقت عينه الى ان مصرف لبنان يحاول  تنفيذ خطة استباقية لتحقيق نمو 3% من طريق ضخ حوالي 2000 مليار ليرة لتحريك التسليف خلال السنة 2013 بفوائد متدنية للقطاعات الاقتصادية والسكن والمؤسسات.
ويذكّر الخبير بإعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بداية السنة 2013 ان «هناك تباطؤاً في النمو الاقتصادي لا ركوداً، بما يعني أن هناك نمواً أقل من الاعوام الفائتة وهو يقدر بحوالي 2%، وبأن ضخ مبلغ 2000 مليار ليرة للتسليف سيؤدي إلى تحقيق نمو بناء على الطلب الداخلي بنسبة 3 في المئة، وهو يعوض تراجع النمو في قطاعات أخرى في حال حصوله». واكد سلامة ان مصرف لبنان «مستمر بالحفاظ على الاستقرار النقدي وبالتالي لا خوف على هذا الاستقرار خلال العام 2013. كذلك الأمر بالنسبة لعملية التسليف للدولة والقطاع الخاص حيث يعمل مصرف لبنان على ضمان الاستقرار التسليفي منعاً من ارتفاع الفوائد وتلافياً لتعثر المؤسسات».

تحديات
في المقابل، يقول مراقبون ان كل هذه التوقعات، وخصوصاً الايجابية منها، تبقى «رهن التطورات السياسية والامنية والتحديات التي تواجه لبنان، من استحقاق انطلاق المحاكمات في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى بدء محاكمة الموقوفين الاسلاميين في سجن رومية، وقضية الوزير السابق ميشال سماحه، وليس انتهاء بالملفين الابرزين والمتعلقين باستحقاق الانتخابات التشريعية العامة المقررة في حزيران (يونيو) المقبل، والتطورات الامنية المرتبطة بالازمة السورية، وخصوصاً مسألة التحرشات في مناطق التماس المذهبي والديمغرافي».
وينقل المراقبون عن ديبلوماسيين غربيين أن «وقوع لبنان في الفوضى أو إنقاذه منها أمر معقّد لا يتعلق بما تريده العواصم المقررة، فالانتخابات ليست وحدها سبب التأزم الحاصل في البلد، بل تداعيات الأزمة السورية المفتوحة على مصراعيها. لكنّ الإخفاق في إتمام هذا الاستحقاق، لا يساعد في تبريد الأزمة اللبنانية القائمة التي لها أسبابها العميقة والمتشعبة البعيدة كلياً عن مسألة الانتخابات. اما رغبة أطراف لبنانية بربط الاستحقاق الانتخابي اللبناني بمجريات الحوادث السورية، فاذا صح ذلك، معناه ان احداً لا يستطيع أن يتنبأ بموعد الانتخابات في لبنان».
ويشير المراقبون الى ان ثمة «من يستعجل استعمال الوضع الاقتصادي الضاغط في المشاحنات القائمة حول قانون الانتخاب ومصير الاستحقاق التشريعي».
وكان وزير المال محمد الصفدي قد رفع الى رئاسة مجلس الوزراء في الثامن من آذار (مارس)، مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لسنة 2013 بعد استرداد وزارة المال له.
وبلغ مجموع الموازنة العامة 21229 ملياراً و710 ملايين ليرة، بعدما تمّ خفض الانفاق بأكثر من 2000 مليار ليرة. كما بلغ عجز الموازنة 5247 مليار ليرة كحد اقصى لسقف العجز الذي التزمته وزارة المال.
وأعلن الصفدي: «ان جواً من الشائعات يجري بثه في لبنان بصورة تسيء الى الاقتصاد الوطني ومصالح الناس». وقال: «ان الذين وصلت بهم الحال الى درجة تشويه سمعة الوطن لتحقيق اهداف سياسية، يرتكبون جريمة بحق اللبنانيين». واستغرب ما نشر عن سحب اموال من المصارف، وقال: «ان النظام المصرفي في لبنان هو اصلاً نظام يضمن حرية انتقال الاموال وسريتها، وتالياً فإن للمودعين حرية التصرف بأموالهم كما يشاؤون». وأضاف: «في مطلق الاحوال، لا أرى موجباً مالياً ولا امنياً ولا سياسياً لسحب اموال حكومية او خاصة من لبنان».

تنبيه
وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني قد زار لبنان بتكليف من دول الخليج «ليبلغه قلق مجلس التعاون البالغ من مواقف لبنان الأخيرة وبعض الأطراف اللبنانية من الأوضاع في سوريا التي لا تعكس سياسة النأي بالنفس التي أعلن لبنان التزامها».
وتأتي هذه الرسالة على خلفية الهجوم الذي تعرض له عدد من دول الخليج على خلفية الموقف مما يجري في مملكة البحرين، كما على خلفية ما تعتبره هذه الدول «تورطاً متصاعداً ومتزايداً لحزب الله في الاحداث السورية، ومشاركته في قمع الحراك الشعبي، والموقف الملتبس لوزير الخارجية عدنان منصور في اجتماعات وزراء الخارجية العرب».
وثمة من قوى الرابع عشر من آذار (مارس) من يرى ان إيفاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الى بيروت والرسالة غير المسبوقة «تطور مهم يعكس جدية الموقف الخليجي الصادر بالاجماع، ومخاطر المعالجة المنقوصة او المبتورة لهذه الهواجس التي باتت موثقة في كتاب اودع رئاسة الجمهورية اللبنانية».
ويعتبر هؤلاء ان الرسالة الخليجية – المتوافقة مع الموقف الاميركي – الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كانت شديدة الوضوح: «في حال استمرار الموقف الرسمي الرمادي المناقض لسياسة الحياد اللبنانية المعلنة، وحيال استمرار تدخل حزب الله في الاحداث السورية، ثمة خيار من اثنين: إما اقالة وزيري حزب الله وإما الاستقالة».
ويلفتون الى ان «هذا السلوك الرسمي وتدخل حزب الله في سوريا، معطوفاً على الهجوم المتكرر على دول الخليح، لن تقتصر تداعياتها وعواقبها على تدهور العلاقة الاقتصادية بين لبنان وهذه الدول وما لذلك من إفرازات سلبية على الاقتصاد اللبناني، بل ان دخول الحزب طرفاً مباشراً في المحور الذي يضم إيران والنظام في دمشق بدعم روسي، يورط لبنان على الحدود السورية – اللبنانية ويوسع دائرة المعركة مع النظام السوري لتشمل حزب الله. وهذا يعني أن على لبنان أن يتحمل عواقب مواقفه وأن على حزب الله أن يتهيأ للبعد الأوروبي في علاقاته ومكانته الدولية، لأن الأوروبيين على وشك مشاطرة هذا الرأي ورفع الحماية عن الحزب، نتيجة التحقيقات البلغارية الرسمية في حادثة تفجير حافلة السياح الاسرائيليين في مطار بورغاس في تموز (يوليو) 2012، وفي ضوء الاتصالات الجارية على مستوى الاتحاد الاوروبي لملاقاة نتيجة التحقيقات البلغارية، وفي ظل الضغوط الاميركية لضم حزب الله الى اللائحة الاوروبية للمنظمات الارهابية او تلك الداعمة للارهاب».

طلال عساف
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق