رئيسيسياسة عربية

جرحى الثورة الليبية يزرعون الرعب في اروقة الدولة الهشة

يبدو ان مصطلح «الدولة الهشة» ينطبق تماماً على ليبيا التي تحاول حكومتها حفظ بعض التوازنات بما يمكن ان يؤسس لدولة على قدر من الحداثة. فالمؤسسات التي تم تشكيلها تحاول جاهدة التأسيس لحالة من الاستقرار، الا انها تصطدم بالعديد من العقبات منها ما هو داخلي، عناصره بعض اركان الدولة غير المؤهلين للقيام بمثل تلك المهام، والذين حصلوا على مواقعهم بحكم فرضية المحاصصة التي تفرض دون اية ضوابط، ومنها ما هو خارجي تمارسه فئات تتمسك بما تعتبره حقها في فرض ما تريد من مطالب مصلحية بالقوة، وبشتى الوسائل المتاحة.

الحكومة، والبرلمان (المؤتمر الوطني) يسعيان الى تأسيس دولة محكومة بضوابط محددة، ويسعيان تبعاً لذلك الى ابعاد الجيش عن السياسة، ولكن السلطتين عاجزتان عن ضبط ايقاع الشارع الذي يتصرف ضمن مئات الفئات التي توجه ممارساتها بما تعتقد انه اطر مصلحية، مع ان النتيجة لمجمل الحراكات هي نشر للفوضى.
وفي هذا الصدد يمكن التوقف عند ما حدث مؤخراً حيث اقدمت مجموعة من الاشخاص الذين يطلقون على انفسهم «جرحى الثورة الليبية» على احتلال مكاتب المؤتمر الوطني (البرلمان) واحتجاز مائة نائب، وتخريب محتويات المكاتب بالكامل.
فقد اعلن مسؤول امني ان المؤتمر الوطني العام استعاد مكاتبه بعدما احتلها مقاتلون جرحوا خلال الثورة التي اطاحت نظام معمر القذافي في العام 2011، مطالبين بتعويضات. وقال المسؤول امام مقر المؤتمر الوطني العام الذي اغلق امام الصحافيين ان جرحى الثورة الذين كانوا يحتلون المؤتمر الوطني غادروا المكان، بعد مفاوضات اجرتها السلطات مع هؤلاء الثوار السابقين الذين بترت اعضاؤهم او اصيبوا باعاقات واستمرت اياماً عدة.
ونجح هؤلاء الثوار في انتزاع مطالب تتمثل بتعويضات ومساعدات اجتماعية وخصوصاً علاوة على مدى الحياة.
وافاد مدير الامن الوطني في طرابلس محمود الشريف ان اربعة عناصر من الحرس الرئاسي اصيبوا بجروح خلال محاولة اجلاء المعتصمين، مشيراً الى ان المعتصمين كانوا مسلحين، وانهم القوا قنبلة يدوية على قوات الامن قبل ان تنضم اليهم مجموعة اخرى من الثوار السابقين لدعمهم. واظهرت صور بثت على الانترنت بعد الهجوم الاضرار الناجمة عن الهجوم مثل الزجاج المكسر والمقاعد المقتلعة.

تلبية المطالب
من جانبه، اكد رئيس الوزراء الليبي علي زيدان ان السلطات لبت كل مطالب المعتصمين، وعرضت على كل منهم راتباً شهرياً بقيمة 3500 ليرة ليبية (نحو 2750 دولاراً) ومسكناً وسيارة. الا ان مدير الامن اشار الى ان كل الوساطات معهم اخفقت لانهم يتقدمون في كل مرة بمطالب جديدة غير واقعية.
الى ذلك اعلن رئيس المؤتمر الوطني محمد المقريف تعليق جلسات المؤتمر الوطني. ورد ذلك الى عدم وجود مقرات آمنة يستطيع المجلس الاجتماع فيها بعيداً عن اقتحامات المتظاهرين. وقال المقريف انها ليست المرة الاولى التي يتم فيها احتلال مكاتب المؤتمر الوطني العام من جانب معتصمين، واحياناً مسلحين، يعترضون على قرارات للمؤتمر او للحكومة. وفي وقت لاحق اعلنت انها وجدت الامان في مبنى تشغله دائرة الارصاد الجوية الليبية، حيث قررت الرئاسة اختياره ليكون مقراً لاجتماع البرلمان.
وفي السياق عينه، اكدت مصادر برلمانية ليبية ان محتجين حاصروا الاسبوع الفائت اكثر من مئة نائب في مبنى بطرابلس لارغامهم على التصويت على قانون «العزل السياسي»، الذي يهدف الى منع المتعاونين السابقين مع النظام المخلوع من ممارسة العمل السياسي.
وقالت المصادر ان محتجين منعوا اكثر من مئة نائب من مغادرة قاعة الاجتماع حيث كانوا مجتمعين للتصويت على مشروع قانون حول منع ممارسة العمل السياسي. واضافت ان اعضاء المؤتمر الوطني العام قرروا تأجيل التصويت الى وقت لاحق لاستكمال التعديلات على هذا القانون. لكن المتظاهرين طالبوا بتبني القانون امامهم. وذكرت المصادر ان المحتجين اعتقلوا النائب جمعة الصايغ واعتدوا عليه بعد محاولته الخروج من القاعة.
من جهة اخرى، تعرض رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي محمد المقريف الى محاولة اغتيال، عندما تعرضت سيارته الى اطلاق نار في العاصمة طرابلس فيما كان يغادر قاعة الاجتماعات المحاصرة. واعلن وزير الداخلية الليبي عاشور شوايل في مؤتمر صحافي بطرابلس ان المقريف خرج من الهجوم سالماً. واكد شوايل ان المحتجين كانوا مسلحين وبعضهم كان بحوزته متفجرات.

بيان الجيش
في سياق مواز، وضمن اطار ما يمكن ان يكون مشروعاً للتدخل العسكري في ضبط اوضاع الشارع وفرض هيبة الدولة، أعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي أن المؤسسة العسكرية منضوية تحت المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة باعتبارهما السلطة التي أفرزتها إرادة الشعب الليبي الحر في اختيار ممثليه.
وقالت رئاسة الأركان في بيان لها، أوردته وكالة الأنباء الليبية: «إن المؤسسة العسكرية بعيدة عن التجاذبات والخلافات الإيديولوجية والجهوية والسياسية، وتعمل في إطار من المهنية»، مشيرة إلى أن عمليات التجريح التي طاولت تلك المؤسسة وقادتها تصبّ في إطار الأطماع والمصالح الشخصية والفئوية الضيقة على حساب الوطن وقيم الثورة. ودعا البيان العسكريين من ضباط وضباط صف وجنود إلى الالتزام بالأوامر العسكرية وفقًا لهرمية القيادة، بما يكفل قيام الجيش بمهامه المناطة به، واستخدام السلاح في الإطار الوظيفي، وضمن القوانين والتشريعات النافذة. وشددت رئاسة الأركان في بيانها على ضرورة تسليم كل المعسكرات والمباني والمؤسسات التعليمية العسكرية إلى الجيش الليبي، وكذلك الأسلحة الخفيفة والثقيلة والوثائق والمستندات التي تعود إلى الجيش، بما يسهم في بناء المؤسسة العسكرية. وحظر البيان من إقامة أية تشكيلات عسكرية خارج إطار المؤسسة العسكرية، ودعا إلى الانضمام إلى الجيش وفقاً للمعايير والضوابط المختصة.
كما أكدت رئاسة الأركان على أهمية المجتمع المدني ومؤسساته في بناء الدولة وما تستلزمه هذه المرحلة من رأب الشروخ الاجتماعية وجمع السلاح وتحقيق الوفاق الوطني، معربة في هذا الصدد عن ترحيبها بملاحظات وآراء ومقترحات مؤسسات المجتمع المدني التي تتناول المؤسسة العسكرية بمهنية ونقد بناء يسهم في الارتقاء بالجيش الليبي. ودعت كذلك إلى تسليم المعتقلين العسكريين إلى النيابة العسكرية للنظر في الاتهامات الموجهة إليهم، وحثت في الوقت نفسه العسكريين الذين يشتبه في ارتكابهم جرائم على تسليم أنفسهم إلى القضاء العسكري في ظل محاكمة عادلة وضمان الحماية الكاملة لهم والمعاملة الحسنة.

طرابلس – «الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق