سياسة لبنانية

تخوف على الاستقرار… و4 اولويات

يلمس زوار بعض عواصم القرار تحولاً في المقاربة الاوروبية – الديبلوماسية للوضع اللبناني، مع استمرار الحرب في سوريا، وتراجع القناعة الاوروبية، والفرنسية تحديداً، في قرب انهيار نظام الرئيس السوري بشار الاسد.

تتنوع المقاربات الديبلوماسية لمآل الوضع في لبنان مع استمرار الاحداث في سوريا. ثمة قناعة عربية – اوروبية بأن التأثير السوري المباشر تضاءل كثيراً، من غير ان يُحجب كلياً بفعل ارتباط لبنان عضوياً بالوضع في سوريا، حرباً او تسوية، اضافة الى احتمالات انتقال النيران السورية، مع تنامي مخاطر توسع مساحات عمل الجماعات المتطرفة.

التأثير الايراني
يعتقد تقرير ديبلوماسي عربي انه «مع تراجع النفوذ السوري في لبنان، يتزايد بإطراد النفوذ الإيراني بشكل واضح». ويتطرق الى «العديد من الأسباب التي تقف وراء تراجع النفوذ السوري في لبنان، من غرق سوريا في مشاكل داخلية مما يجعلها غير قادرة على إقحام نفسها في الشأن اللبناني لبعض الوقت، الى التراجع في قدرة سوريا على التحلي بالسخاء مع حلفائها داخل لبنان، اذ إن النظام في دمشق لم يكن لديه أصدقاء حقيقيون في يوم ما داخل لبنان، بل إن من كونوا معه صداقة فعلوا ذلك بدافع الخوف أو الطمع. وتأكد عامل الخوف من خلال عشرات عمليات الاغتيال السياسي، ومن بينها عمليتان استهدفتا رئيسين وأخرى استهدفت رئيس وزراء، وعمليات استهدفت العشرات من البرلمانيين. وجاء عامل الطمع من خلال منح شخصيات موالية لسوريا حصة في أنشطة كسب غير مشروعة تديرها دمشق في لبنان».
ويعتبر التقرير ان «الخوف من سوريا بات راهناً أقل وطأة من ذي قبل، مع تنامي الحضور الايراني».
ويحظى هذا الأمر بأهمية كبيرة فيما تعدّ الخريطة الانتخابية الجديدة للبلاد، وسط اتجاه لدى قوى الثامن من آذار (مارس) لإعادة توزيع الدوائر الانتخابية لضمان أغلبية واضحة لحزب الله وحلفائه في البرلمان المقبل المقرر انتخابه في حزيران (يونيو) 2013. وفي ضوء قيام البرلمان باختيار رئيس الوزراء والرئيس، فإن السيطرة عليه ستمكن حزب الله من تنفيذ انقلاب دستوري (…)».

تنامي الاهتمام
ويعدد التقرير الديبلوماسي امثلة لتنامي الاهتمام الايراني بلبنان، من مثل الكثير من التصريحات في هذا الصدد، ومنها حديث رئيس الأركان الجنرال حسن فيروز آبادي عن «مراكز عسكرية متقدمة» لإيران في لبنان، في اشارة الى الجنوب وشمال وادي البقاع وغرب بيروت وأجزاء من جبل لبنان».
ويزعم التقرير «عمل إيران راهناً على ربط هذه المناطق معاً بنظام اتصالات مواز تتحكم فيه طهران». وتوجد علامات أخرى على تنامي الدور الإيراني في لبنان، اذ سبق للحكومة اللبنانية ان منعت فيلماً إيرانياً كان متعاطفاً مع المعارضة المناوئة للملالي في إيران. ولم تتوان وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إيرنا) في التباهي بأن الفيلم منع «بعد تدخل السفير الإيراني في بيروت». وجاء بعد ذلك إعلان لبنان انه قدم طلباً رسمياً لإيران لتدريب وتسليح الجيش اللبناني (…). كما أعلنت بيروت وطهران إلغاء التأشيرات، وقبل بدء الاضطرابات في سوريا، كان أكثر من مليون إيراني يزورون دمشق كل عام، وقام البعض منهم بإضافة لبنان في مسار رحلتهم. وفيما تعتبر سوريا حالياً مقصداً خطراً، تعتقد طهران أن الكثير من السياح الإيرانيين ربما يتحولون إلى لبنان كمقصد بديل. ولكن، ليس مسموحاً لجميع الإيرانيين بمغادرة البلاد».

لبنان ثانياً
في موازاة ذلك، يقول تقرير ديبلوماسي فرنسي ان «دولة مالي تحتل المرتبة الأولى في سلم الأولويات الفرنسية للسياسة الخارجية من دون منازع منذ أن قررت باريس التدخل عسكرياً في هذا البلد، متخذة قراراً جريئاً ومنفرداً، انطوى على مخاطرة عسكرية وسياسية. ولكن الفرنسيين أخذوا هذا القرار عن قناعة تامة معتبرين أنه من دون هذا التدخل كانت مالي ستخضع لسيطرة الإسلاميين المتطرفين وستتحول قاعدة انطلاق الى الدول المجاورة التي تنمو فيها الخلايا والجماعات الجهادية وتتدفق اليها الأسلحة الليبية».
ويشير التقرير الى ان «الوضع في سوريا لم يعد يمثل أولوية ولم يعد مثيراً للاهتمام والمتابعة لأنه تحوّل الى وضع جامد ولأن المؤشرات تدل الى أزمة طويلة الأمد، ليس فيها ما يؤشر الى سقوط قريب للرئيس بشار الأسد حسب التقويم الفرنسي الجديد. كما أن الاندفاعة الفرنسية في اتجاه دعم المعارضة تراجعت وتقدمت عليها علامات القلق بسبب خطر سقوط المعارضة ومناطقها تحت سيطرة الجهاديين والإسلاميين المتشددين الذين تقاتل فرنسا امثالهم في مالي وتنعتهم بـ «الارهابيين».
ويلفت الى ان «الملف اللبناني هو الذي قفز الى المرتبة الثانية في الترتيب الفرنسي وبات محور اهتمام ومتابعة الرئيس فرانسوا هولاند لاسباب عدة منها:
١- قلق باريس من تداعيات الأزمة السورية الطويلة الأمد وارتداداتها على لبنان.
٢- فقدانها الثقة بإجراء الانتخابات اللبنانية في موعدها، اذ هي تتخوف من أن يتم استخدام عدم التوافق على قانون للانتخاب والتذرع به من أجل منع حصول الانتخابات وتمديد الوضع القائم.
٣- تلمسها ملامح أزمة سياسية فعلية متجددة في لبنان أعمق من قانون انتخابات وأبعد منه، تتعلق بالنظام ومكوناته.
٤- خشيتها من تداعيات وارتدادات الأزمة السورية مضافاً اليها تأجيل الانتخابات وتأجيج الأزمة السياسية، مما يعرض الاستقرار الأمني للخطر ويهدد بتقويضه وانتقال الأزمة الى الشارع في ظل انتشار متزايد للسلاح وتصاعد التوتر الطائفي والصراع السياسي. وأي انفجار أمني من شأنه أن يصيب بشظاياه أمن القوة الدولية المعززة في الجنوب (اليونيفيل)، والقوات الفرنسية خصوصاً.

خطة عمل
ويتحدث التقرير عن «حملة فرنسية» واسعة تحت وطأة هذا القلق الذي يدعو إليه الوضع اللبناني، شملت القيادات السياسية، واستندت الى عناوين أساسية:
– إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري لأن أي إلغاء أو تأجيل سيفتح الوضع على الفراغ والفوضى السياسية.
– تشكيل حكومة وحدة وطنية لحفظ الاستقرار وترسيخه.
– حماية استقرار لبنان ومنع انتقال تداعيات الأزمة السورية، وتفادي التوترات والمشاكل الداخلية، خصوصاً تلك التي لها صلة بالأزمة السورية وتشكل امتداداً لها.
ويشير الى ان باريس «تسعى الى ترجمة مجموعة من الافكار تبلورت في دوائر صنع القرار، من خلال خطة عملية مبنية على الأفكار والمقترحات التي سمعتها الادارة الرئاسية من شخصيات لبنانية، اولئك الذين زاروها كمثل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب امين الجميل، او اولئك الذين سيزورنها، في مقدمهم البطريرك الماروني الكاردينال بشاره بطرس الراعي».
ويرى التقرير الديبلوماسي ان هذه الافكار تتمحور حول:
– استئناف الحوار الوطني «ليكون إطاراً ومظلة لتسوية سياسية يتم التوصل اليها قبل الانتخابات وكي تجري وفق هذه التسوية، لأن المشكلة ليست فقط مشكلة قانون انتخابات وعدم التوافق عليه، وإنما هي مشكلة متشعبة بأبعادها الداخلية، لا سيما ما يتعلق منها بصراع الأحجام وإعادة إنتاج السلطة، وبامتداداتها الإقليمية ولا سيما تلك التي لها علاقة بالأزمة السورية والرهان عليها او الاستقواء بها».
– التوصل الى تفاهم مسبق على مرحلة ما بعد الانتخابات، يشمل الحكومة المقبلة رئيساً وتركيبة وبرنامجاً، ورئيس المجلس النيابي ورئيس الجمهورية، كمدخل آمن الى إجراء الانتخابات والى نزع فتيل الأزمة والانفجار. وعندها يكون قانون الانتخابات جزءاً من التسوية ويصبح تفصيلاً، ولا تتحوّل الانتخابات مدعاة للقلق ومصدر تهديد للاستقرار».

مصير النظام
لا يوافق التقرير الديبلوماسي موقف تيار لبناني يعتبر أن سقوط النظام السوري سيضعف حزب الله وسيغير الخريطة السياسية اللبنانية، وان الحزب لن يجد مفراً من الانضواء تحت جناح الشرعية اللبنانية والتخلي عن السلاح. اذ يرى التقرير ان انهيار نظام الأسد «لا يعني بالضرورة قيام لبنان جديد، حيث إن الانقسامات اللبنانية عميقة ومتجذرة مع الإشارة إلى أن الدولة والسياسيين اللبنانيين نجحوا على رغم الاحداث السورية في الحفاظ على نوع من الاستقرار».
ويتحدث عن ضرورة تمسك اللبنانيين بأربع أولويات:
– «حل موضوع سلاح حزب الله، مع علم باريس بأن تنفيذ تخلي الحزب عن سلاحه مرتبط بميزان قوى داخلي، متّصل بدوره بميزان قوى إقليمي.
– اقرار مبدأ عدم الإفلات من العقاب ومن تبعاته وتوضيح مسألة الوزير السابق ميشال سماحه واستمرار عمل المحكمة الدولية.
– حفاظ لبنان على حياده وعلى حياد الدولة في الداخل. اذ ان ضعف الدولة بنيوياً يحتّم عدم استجلاب مشاكل الخارج.
– التحسّب الى مخاطر تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان إذ يصل إليه، وفق تقارير السفارة الفرنسية في بيروت، ما يقارب العشرة آلاف لاجىء اسبوعياً».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق