رئيسيسياسة عربية

ضربة مؤلمة للقاعدة في بلاد المغرب الاسلامية

غارات جوية، وطائرات دون طيار، وحرب عصابات، هذه هي العناصر التي تميز الحرب الدائرة في مالي، باسم منطقة الساحل الافريقي، في اطار تمزق اجتماعي وسياسي، ينعكس، كذلك، على تطور العمليات العسكرية، في حرب، لم تنطلق الا منذ اكثر من شهرين، وبدأت تكشف عن نقاط شبه مثيرة للقلق، مع حرب افغانستان، بدءاً من ساحة القتال، حيث الفرقة الاجنبية الفرنسية، والقوات التشادية، تسعى مدعومة من طائرات ميراج ورافال الحربية، ومن طوافات تيغر المقاتلة، الى اخراج مسلحي القاعدة، من مخابئهم في منطقة ادرار الجبلية، التي هي كناية عن «وزيرستان افريقية»، على طول تلك الحدود مع الجزائر، التي تمتد بطول 1000 كلم في الصحراء، ويسعى الجهاديون الى تحويلها، الى ملجأ محصن.

من الملاحظ ان المسلحين وفي نوع خاص، «جماعة الحركة من اجل توحيد الجهاد في افريقيا الغربية»، سعوا الى تطبيق «التكتيكات الافغانية»، مثل زرع الالغام على الطرقات وتفجير سيارات مفخخة واستخدام انتحاريين. اضافة الى عمليات اقتحام عسكرية لمؤسسات عامة، على شاكلة تلك التي كان ينظمها طالبان (شبكة حقاني) في كابول وسائر المدن الافغانية الاخرى.
وكلما ازداد ضغط الجيوش التي تطاردهم، انكفأ الجهاديون واختبأوا. وكما في افغانستان، ينقسم الجهاديون في مالي، الى ثلاث حركات مختلفة: شبكة حقاني، والشورى في كيتا، والقاعدة في الدولة الاسيوية في افغانستان، بينما ينشط في مالي، انصار الدين، والقاعدة في بلاد المغرب الاسلامية، والحركة من اجل توحيد الجهاد في افريقيا الغربية. وظهرت على المسرح مؤخراً، حركة جديدة، تحت شعار «حركة الازاواد العربية» لا تعرف توجهاتها العقائدية، بعد، ولكنها انتزعت من طوارق حركة تحرير، آزاواد العلمانية، التي تدعم الجيش الفرنسي ضد الجهاديين السيطرة على مدينة ان – خليل.
ومثلما كان الوضع في افغانستان، خلال السنوات التي تلت سقوط الطالبان، تقوم في مالي كذلك حكومة ضعيفة، يقودها رئيس في الوكالة، ويدعمه ويموله المجتمع الدولي، يجمع الاموال لمساعدة الشعب، وتمويل الحرب، وتدريب الجيش حيث دفع البنتاغون، ثمن الطوافات التي كانت موسكو تبيعها الى كابول، ويبقى، ان اعداد قوات مسلحة، ذات مصداقية قتالية وتنظيمية، ضروري في كلا البلدين لمغادرة القوات الدولية.

التوترات المحلية
وفي مالي، كذلك، تعقّد التوترات المحلية، وتلك التي بين القبائل، الوضع في بلاد، لم تعرف يوماً، شيئاً اسمه وحدة وطنية. ففي افغانستان، تسبب وجود قوات عسكرية تنتمي الى اتنية الطاجيك ام الاوزبكية، في الجنوب الذي تسكنه اتنية الباتشون، بمشاكل واعمال العنف. وفي مالي ان القوات الحكومية المكونة من افارقة ذوي سحنة سوداء، غير مرغوبة، في الشمال الذي يسكنه عرب وطوارق يتهمونهم بممارسة اعمال العنف على المدنيين المحليين. وفي جنوب مالي، تضغط الخلافات القبلية كما هو الحال، بين المجموعات الافغانية،. وكما يدل عدم عودة الوئام، بين العسكر الموالين للرئيس تراوره وعسكر الرئيس السابق توره.
وكما في افغانستان، يشهد الصراع في مالي، مواجهات بين الجيش النظامي والميليشيات المحلية والارهابيين، مع ما ينتج عن ذلك، من سقوط ضحايا مدنيين واعمال انتقامية.
وليس مجرد صدفة، ان يكون بارزاً، الدور الذي تمثله على الجبهة الافريقية، كذلك، القوات الخاصة والطائرات من دون طيار، التي اعدت لها الولايات المتحدة، قاعدة في النيجر.
ويشكل التواجد المتزايد لقوات عسكرية دولية، جامعاً مشتركاً بين مالي وافغانستان. ففي كابول ارتفعت اعلام 50 دولة، شاركت بمئة واربعين الف رجل، في المجهود الحربي، الذي قاده الحلف الاطلسي، بينما يتدفق على مالي، حوالي 14 الف جندي اجنبي، بينهم 4 الاف فرنسي و9 الالف افريقي، و500 اوروبي (في مهام تدريبية) ارسلهم الاتحاد الاوروبي، و100 اميركي.

قوة حفظ سلام
ولكن الامم المتحدة، في طور انشاء قوة حفظ سلام، تنشرها في اواخر الربيع، تضم قوات من مجموعة دول افريقيا الغربية، وقبعات زرقاء من دول اوروبية تبدو مترددة في الانجرار الى «افغانستان» جديدة، وتطرح كشرط لمشاركتها ابقاء جنودها بعيدين عن خطوط الجبهة الامامية، وهي الشروط ذاتها التي كانت وضعتها دول اوروبية عديدة، لارسال قوات الى افغانستان، ثم سحبت تحت ضغوط اميركية.
ويرتدي الدور الذي تقوم به فرنسا في تحرير شمالي مالي من الجهاديين بعض الشبه مع طرد الطالبان من افغانستان الذي ادى اليه الهجوم الاميركي في الاشهر الاخيرة من سنة 2001، فباريس تريد كذلك ان تخفض تواجدها العسكري في مالي، تدريجياً، بعد الحرب الخاطفة، التي قامت بها، للافساح في المجال امام المجتمع الدولي والقبعات الزرقاء، ولكن الضرورات الحربية والمصالح الفرنسية، في المنطقة، (البترول في مالي واليورانيوم في النيجر)، تجعل من المستحيل، فك الارتباط الفرنسي، في مدة سريعة.

صيد ثمين
لكن قطاف التدخل الفرنسي في شمالي مالي، بدأ سريعاً، بالنسبة الى قيادات الحركات القاعدية، وعلى الاقل، اسرع مما حققه، في هذا المجال، التدخل الاميركي والاطلسي في افغانستان.
ففي الشهر الثالث، ادت قنابل الطيران الفرنسي، الموجهة بواسطة الطائرات الاميركية، من دون طيار، او الهجوم اللاحق الذي شنته القوات الفرنسية الخاصة، الى قتل محمد الغديري، المعروف اكثر، باسم عبد الحميد ابي زيد، الجزائري ابن الـ 44 سنة. الارهابي الذي خطف اكبر عدد من الرهائن الغربيين في قطاع الساحل الافريقي، وقتل اثنين منهم.
وقتلت القوات الفرنسية – المالية معه، بين 30 و40 جهادياً، في جبال تيغارغار، في شمال مالي، قرب الحدود الجزائرية.
وكان ابو زيد، الذي ولد في توغورت في جنوب الجزائر، احدى ثمار التاريخ الجزائري المضطرب، ناضل منذ الساعات الاولى في صفوف جبهة الانقاذ، وحمل السلاح بعد ان حل الجيش الجزائري الجبهة في سنة 1992، وانتهى مناضلاً في صفوف مجموعة الدعوة والجهاد، التي اعلنت انضمامها الى اسامة بن لادن، في سنة 2007، معتمدة اسم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامية».
وكان ابو زيد، برز الى الواجهة في سنة 2003، مع خطف 32 سائحاً، اكثريتهم من الالمان في جنوب الجزائر، جرى اطلاق عدد منهم في مالي.
وكانت العملية الابرز، خطف خمسة فرنسيين، وعدد من الاجانب، الذي كانوا يعملون في مناجم اليورانيوم في آرلييت، في شمال النيجر، في ايلول (سبتمبر) 2010، مع مجموعة آريغا الفرنسية المتعددة الجنسيات، وكان لا يزال مصير عدد من الفرنسيين الذين كان يحتجزهم لدى مقتله مجهولاً.
ويؤكد الاستاذ الفرنسي، جان – بيار فيليو، واضع كتاب: «آفاق القاعدة الجديدة»: «ان ابا زيد، وسع في صورة مثيرة، افاق نشاطاته، على اساس حركية كبيرة، فخطف سياحاً في جنوب تونس، وفتح جبهة النيجر، التي لم تكن موجودة من قبل».
وافاد مصطفى شافي الموريتاني، الذي توسط في عدد من عمليات اطلاق رهائن في مالي، ان ابي زيد هو الذي قتل الرهينة البريطانية، ادوين داير، في سنة 2009، بعد ان رفضت لندن دفع فدية، وفي السنة التالية، ادعى مسؤولية قتل الرهينة الفرنسية ميشال جرمانو (70 سنة)، بعد ان فشلت قوة فرنسية –  موريتانية في انقاذه.

مقتل بلمختار
وتمكنت قوة فرنسية – مالية مشتركة، من قتل رمز قاعدي اخر، في منطقة الساحل هو مختار بلمختار، الذي قاد اللواء القاعدي، الذي نفذ عملية الهجوم على الموقع الغازي في الجزائر، وكان يلقب، في الاربعين من العمر، بـ «الاحول» بعد ان فقد احدى عينيه، خلال مقاتلة السوفيات في افغانستان، ثم عاد الى الجزائر، حيث انتهى في صفوف «المجموعة السلفية للدعوة والجهاد»، قبل ان يستقر في منطقة الساحل، ناشطاً في حروبها الجهادية وعمليات التهريب.
اشتهر بلمختار بقساوة طباعه وبصلابة، جعلتا منه رجلاً لا يقبل المساومة وتقاسم القيادة مع احد، مما جعله يتواجه مع قياديين قاعديين اخرين. امثال عبد الرزاق البارا، اولاً، منافسه في المنطقة. ثم مع الامير دروكول، زعيم القاعدة الحالي، في بلاد المغرب، فقاده طموحه الى الدفاع عن استقلالية حركته، بالسعي وراء تحالفات جديدة، وعمليات زواج مصلحية، وسلسلة من عمليات خطف غربيين، كان ابرزها في سنة 2003، وكان يدر عليه اطلاق سراح ضحاياها، ملايين الدولارات، يشتري بها السلاح (من ليبيا خصوصاً) ويقيم صداقات مع اهالي شمال مالي، وكان يدعم هذه الروابط، بالزواج من بنات زعماء القرى.
قالت مصادر جزائرية انه كان دعم جذوره في ليبيا، خلال السنتين الماضيتين، فجنّد انصاراً وجمع سلاحاً، بينما كانت تسمح له، عائدات عمليات الخطف، والتعاون مع المهربين وحركية كبيرة، وتصميم، بتمثيل دور مهم، على ساحة الارهاب، حيث كان يمزج بين العقائدية والواقعية، فيقتل ويأمر بالقتل، ويفاوض ويتبادل المعلومات، حسب الحاجة والظروف.
وبعد صدام جديد، مع دروكول، تقرب بلمختار في سنة 2012، من التوحيد المنشق الذي يضم العديد من الجهاديين الافارقة، وينشط في شمال مالي، وبعد التدخل  الفرنسي، اطلق تهديدات في اتجاه الجزائر، وفرنسا، ونفذها. ولكنه انتهى مقتولاً في معية ثمانية من رجاله. ويبقى الهجوم على موقع اميناس الغازي في الجزائر، في بداية السنة الحالية، ابرز عملياته الارهابية. ولم تؤكد فرنسا بعد، مقتل الرجلين. الا انها لا تزال تسعى وراء ادلة على مقتل ابي زيد، وان كانت كل الاخبار تؤكد موته من الجيش التشادي الذي نفذ العملية الى خبراء جزائريين تعرفوا الى سلاحه.
ونسب الموقع الموريتاني «صحارى ميديا» الانترنيتي، الى «مصادر موثوقة في شمال مالي» تأكيداً آخر لمقتله. وكشفت هذه المصادر ان ابا زيد يملك ثروة كبيرة من عائدات عمليات الخطف، و«لما كان يجهل طريقة لاستثمار هذا المال، فضل اخفاءه في مكان من الصحراء، لا يعرفه احد آخر سواه. وكان يحمل المال الذي يجمعه، وحيداً الى المخبأ الصحراوي، على ضوء ارشادات نظام «جي. بي، اس».

خطف الرهائن
وتبقى صناعة خطف الرهائن، واطلاق سراحهم لقاء فدية، افضل مصادر التمويل التي تعتمدها القاعدة والمجموعات الجهادية الافريقية، حيث درت عليها خلال عقد من الزمن، حوالي 130 مليون دولار، دفعها وسطاء لاطلاق سراح مواطنين غربيين، تنتمي اكثريتهم الى دول تخوض الحرب على الارهاب، مثل فرنسا، وبريطانيا والمانيا وايطاليا والسويد، واسبانيا وهولندا.
وتظهر هذه العملية الحسابية احدى النواحي القليلة الابرز في البحث عن اسباب تصاعد الحركات الاصولية، في منطقة الساحل والصحراء الافريقية، التي تسببت بحرب مالي، وتهدد استقرار منطقة بكاملها، لتشمل دولاً مجاورة مثل موريتانيا والنيجر ونيجيريا، وتشاد والكاميرون.
واشاروا عن حق، الى سقوط القذافي، وعودة ميليشيات الطوارق المسلحة الى مالي والنيجر، بعد رحيل العقد وابرزوا الروابط القوية مع الارهابيين الجزائريين والعلاقات غير الواضحة دائماً، بين هؤلاء والاجهزة الجزائرية.
وتحدثوا عن صناعة خطف الرهائن التي هي بين العناصر الحاسمة لدعم الاصولية تجاه الاسلام التقليدي في افريقيا، مثلما نرى في مالي، ومع بوكوحرام وانصارو في نيجيريا. وتساعد هذه الظاهرة عبر كميات الاموال التي تؤمنها على استقلال التنظيمات المحلية، والتحرر من العرابين الخارجيين لشراء الاسلحة وتجنيد الجهاديين، وشراء ولاء القبائل والسكان المحليين ودعمهم، وتدخل تجارة المخدرات وتهريب البشر والبضائع، في الوسائل التي تؤمن المداخيل الوفيرة.
وقدر مكتب الامم المتحدة، لشؤون المخدرات، ان 60 في المئة من كميات الكوكايين الاميركي في الجنوب التي تدخل الى اوروبا، ويصل ثمنها الى 11 مليار يورو، تعبر طريق الصحراء، الساحل الافريقي، وتؤمن للذين يتولون حمايتها ملياري دولار في السنة.
بينما يردف آخرون، انه يجب الا نتناسى، ان اياد غالي، زعيم ثورات الطوارق في التسعينيات، والقائد الحالي، لميليشيات انصار الدين، تعاون مع الاجهزة الجزائرية، لتسليم مقاتلين من المجموعات الاسلامية المسلحة، وعمل كوسيط، في عدد من عمليات اطلاق رهائن اجانب.
ويصر مراقبون على ان حل هذه الصراعات في افريقيا، ليس عسكرياً فحسب، ولكنه يمتد الى العلاقات بين القوى الاقليمية والى الاوضاع الاقتصادية – الاجتماعية، مما يعني ان الامر يتطلب سنوات واستثمارات خارجية في طبيعة الحال، ليجد طريقه الى الحل.

ج. ص

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق