تشكيل

عبد السلام يرسم الحياة مسرحاً

يتابع  الفنان التشكيلي عبدالله عبد السلام في معرضه «الحياة مسرح» في غاليري زمان الحمرا – بيروت، رحلة اختباراته وبحثه عن اجواء تشكيلية اكثر قدرة على التعبير عن تداعيات القلق الانساني الذي نقرأه في تعابير الوجوه والاجساد في لوحاته: الاجساد الباحثة عن فسحة امل وخلاص من قلق حياتنا المعاصرة.

نرى عبدالله عبد السلام متفاعلاً مع موضوعه «الحياة مسرح» بحرية تعبيرية مطلقة ليضفي على هذه المجموعة الاخيرة  المزيد من اللمسات اللونية العفوية، مستفيداً من التقنيات الحديثة وعاملاً على ابراز طبقات اللون بتواتر سطوحها المتفاوتة السماكة مما يدل على استيعابه وهضمه لجوهر ثقافة فنون العصر متخطياً  بذلك دقة الواقعية التي جسدها في اعمال سابقة باحثاً في آن عن جوهر الاشكال وخلاصاتها وعلاقة الرسم بالثقافة المعاصرة وبالانفعال اللوني الذاتي.

عوالم الحلم
حين نتأمل لوحات عبدالله عبد السلام (37 لوحة معظمها بالالوان الزيتية بالحجم المتوسط) نلاحظ انه تناول الاشكال الانسانية بطريقة دمج عوامل الحلم المتداخلة والمتشابكة وقد وفق في تقديم موضوعه لانه جمع في لوحته اكثر من مشهد وجسد المسرح وقدم الشخصيات التي جعلها غير معروفة بحيث تمثل واقع حال كل انسان، فيخيل للناظر ان المشاهد تتداخل وتتوالد من بعضها  البعض على منصة مسرحية متحركة، ولعل هذه الحركة وهذه الدينامية في الرسومات، هما اللتان ساهمتا في تقريب الموضوع الى المتلقي ليتفاعل معه بشكل افضل. وقد يظن الناظر انه بصدد ملحمة حافلة بالاحداث والقصص السردية وفي اجواء لا تخلو من رهبة او انها بالاحرى  محاطة بنوع من هالة قدسية تبعدها عن العالم الواقعي لكأن قوة خارقة تسيطر على مسرح الحياة التي يؤدي فيها كل انسان دوره.
ولم يهمل الرسام تقديم سيد هذا الكون وهذه الحياة في موقف المراقب والمتأمل لاحوال الناس والكون. كما ويظهر الفنان رغبة في تجاوز النمنمة التفصيلية في صياغة العناصر والرموز كأنه ينطلق من هاجس التمرد على الاساليب القديمة المعروفة. ومعروف عنه انه انطلق في السابق في صياغة لوحاته من واقع الحياة المحلية، حيث كان يهتم باضاءة اماكن متفرقة من لوحاته بفضل حركة التضاد بين الالوان المعتمة والمضيئة، كما سبق ان عالج في قسم من لوحاته مشاهد طبيعية ومعمارية واثرية مهتماً باظهار ادق التفاصيل حيث يطرح للمشاهد جمالية الاسلوب الواقعي الذي يعطي اعماله قدرة التنويع في تجسيد المشاهد والعناصر والاشكال الموجودة بالفعل في محيطه.

كتل لونية متناثرة
اما الفارق  اليوم فانه  يتجه الى المزيد من الاختصار والتجريد الجزئي احياناً، طبعاً بغية ابراز عنصر الحركة في الحركات اللونية السريعة المرتبطة ببؤرة الانفعال الذي يترك اثره المباشر على سطح اللوحة. ومما لا شك فيه ان احساسه بجمالية الآداء التلقائي في حركة العناصر والالوان جعله ينفتح على بنية داخلية تظهر في لغة التلميح عبر لمساته التلقائية والمفاجئة والمنسابة انسياباً موسيقياً يتوافق مع متطلبات الصياغة الغنية الحديثة والمعاصرة. ونرى انه وجد بين التشكيل التعبيري والآداء التجريدي نقاط التقاء اذ ان الحركات اللونية المتتابعة والمتلاحقة والمتراكمة فوق بعضها تتحول في كثير من الاماكن الى كتل لونية غنائية تشير الى وجود عناصر انسانية مجتمعة او متفرقة.
اذاً فان اللوحة عند عبدالله عبد السلام حتى عندما تكون في اقصى حالاتها التعبيرية والتجريدية تبقى على اتصال بالواقع المقروء في اشارات الاشكال الانسانية. وقد تتحول العناصر الانسانية في بعض اللوحات الى مجرد كتل لونية متناثرة في افق اللوحة.
المهم ان الفنان تجاوز الرؤية التقليدية او الواقعية لينفتح  على عالم الاحلام ويأخذ المتلقي معه في رحلة تأملية مشوقة

كوثر حنبوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق