رئيسيملف

خربت ام عمرت.. ما زال مرقد العنزة في لبنان من ذهب!

قد يصح القول بأن من يشتري أرضاً أو شقة اليوم انما يشتري ذهباً للمستقبل. لكن التراب لن ينقلب ذهباً قبل أن تنفرج أزمة سوريا و«يتعقلن» زعماء هذا البلد. والى حينه، يبدو واضحاً أن المربع الذهبي في الأشرفية سيبقى لماعاً في عيون مستثمريه، ومن يشتري عقاراً هناك فهو حتماً من اصحاب الملايين أو على الأقل يطمح بذلك. لكن السوق العقارية في لبنان تتوقف على العرض والطلب، والطلب لا يعني السعر الواقعي. يعني أن هناك أملاً لذوي الدخل المحدود لكن ليس أقرب من الجنوب أو البقاع. هناك قد يجد من يطمح بمرقد عنزة طلبه والاستثمار بعد 5 سنوات على أقل تقدير. اذاً الخيارات مفتوحة أمام الجميع، فهل من يشكك بعد بأن القطاع العقاري في لبنان لا يزال بألف خير؟ أو هل من يتحسر بعد على متر مربع لوكس في مربع الأشرفية الذهبي؟

ثمة من يقول إن القطاع العقاري في لبنان دخل مرحلة الركود، لكنه في المقابل لا يزال يحصد «مفاجآت سارة» تلبي الطلب، وإن بوتيرة اقل من السابق. فعملية بيع الارض التي كانت تبت في خلال ايام، باتت تستغرق أشهراً عدة نظراً الى الاوضاع الاقليمية والمحلية السائدة. والقطاع الذي راهن البعض على سقوطه لا يزال في حسابات المستثمرين مصدراً للأمان ورديفاً للمصارف. هذا في المبدأ لكن التفاصيل تكشف بعض الثغرات التي اجتاحت القطاع. فبحسب تقرير «كولدويل بانكر» العقارية كان متوقعاً أن يشهد لبنان في مطلع العام 2012 ارتفاعاً كبيراً في اسعار العقارات، إستناداً إلى الطفرة السياحية وعدد السياح الذي كان متوقعاً على غرار الأعوام الثلاثة الأخيرة، بحيث تراوح بين 10 و15 في المئة في سنة 2013. لكن الثورات العربية وأزمة سوريا أطاحت كل التوقعات، وليست حتماً توقعات منجمين وإنما خبراء في مجال السوق العقارية.

السوق محض لبنانية
مسعد فارس رئيس الجمعية اللبنانية للشؤون العقارية التي تحولت إلى نقابة،  نفى حصول أي جمود في حركة السوق العقارية، وقال: «هناك مرونة وتباطؤ بسبب قلة ثقة المستثمر الناتجة عن الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، إضافة إلى المحلي». وأوضح أن هناك فئتين من الناس التي تقبل على شراء العقار اليوم: الأولى وتتمثل في فئة المقبلين على الزواج أو الراغبين في توسيع مساحة البيت بعدما كبر الأولاد. والفئة الثانية وهي فئة «اللوكس» التي تشتري بيتاً للأولاد حتى يكون حاضراً عندما يكبرون ويتزوجون. وهاتان الفئتان موزعتان مناصفة، مما يؤكد أن السوق العقارية في لبنان هي محض لبنانية مع محبتنا وتقديرنا للعرب، وإلا لكانت اهتزت في هذه المرحلة نتيجة عمليات بيع بعض الخليجيين عقاراتهم في لبنان وتردد البعض الآخر في الإستثمار. ولفت إلى أن «الإتكال على لبنانيي الإغتراب لم يعد وارداً بسبب الأوضاع الإقتصادية والسياسية في الخليج ووجود أزمة بطالة في اوروبا والولايات المتحدة الأميركية. في وقت شكل لبنانيو الإغتراب رافعة في مجال الإغتراب، وتحديداً خلال الفورة العقارية في السنوات الخمس المنصرمة». مع ذلك «لا يزال هناك زبون يقبل على شراء شقة صغيرة أو متوسطة بسعر أرخص مما هو في الواقع، مما يؤكد أن هناك مرونة وليس جموداً في السوق العقارية وهذا افضل حتى لا يحصل انفجار كما في أميركا والخليج».

فرصة من ذهب
ندخل في لعبة الأرقام وبحسب مسعد فارس هناك ما يسمى بـ  Buyers market، أي حسومات طفيفة لكنها ليست كبيرة أو كارثية. ونفى الكلام عن مضاعفة أسعار الشقق في المستقبل القريب «قد نشهد على رد فعل إيجابي في عملية أسعار الشقق، أما القول بأنها ستتضاعف فغير صحيح». ونصح الراغبين في الإقبال على الزواج أو في شراء شقة أو قطعة أرض أن يقوموا بالخطوة اليوم لأن «الفرصة من ذهب».
أكثر ما يفاجىء فارس هو هذه الحيوية وبوادر الإنتعاش التي بدأت تتجلى في السوق منذ مطلع السنة «ربما لأن الناس تعودوا على الوضع السياسي والأمني. لكن هذا الواقع لا «يعومنا». واكد أن الآمال التي كانت معقودة على منطقة البقاع لا تزال قائمة لكن ليس قبل أن تهدأ الأوضاع في سوريا بسبب قرب المسافة الجغرافية. وهذا ما يفسر حذر البعض في الإقدام على شراء قطعة أرض أو استثمار مشروع ما، قبل جلاء صورة الوضع في سوريا. واعتبر أن تباشير الخير ليست محصورة فقط بالبقاع والجنوب إنما في كل لبنان «لأنه بلد صغير ويتمتع بمواقع جذابة». واعتبر أن الضجة التي أثيرت أخيراً حول بيع  بعض رجال الأعمال الخليجيين فنادق يملكونها في لبنان هي أمر طبيعي وتدخل في علم التجارة القائمة على الاستفادة من الفرص. في النهاية كل متمول له الحق في ذلك، وقد يبيع هنا ويشتري في الصين».

لبنان الملاذ الآمن
لا يتردد مطلق أي خبير في مجال العقارات في مباركة السياسة التي اعتمدها المصرف المركزي بعدما سمح للموظف في الحصول على قروض سكنية طويلة الأمد بالليرة اللبنانية، مما ساهم في تحريك السوق العقارية ومضاعفة حجم الطلب على الشقق. وفي مقاربة لهذا الوضع نلاحظ أنه بات لمطلق أي موظف الحصول على قرض بقيمة 180 مليون ليرة أي ما يساوي 120 ألف دولار بعدما كان السقف محدداً بـ 120 مليون ليرة أي ما يساوي 80 ألف دولار، الأمر الذي جعل القروض السكنية تشق طريقها قدماً. وهذا مؤشر إيجابي بحسب فارس  ويضاعف من الطلب على شراء الشقق ما دون 500 ألف دولار.
رئيس جمعية تجار ومنشئي الأبنية إيلي صوما، أكد أن القطاع العقاري يمر حالياً في مرحلة هدوء نتيجة الوضع السياسي الداخلي والتطورات الاقليمية التي تضغط على الحركة الاقتصادية في البلد. لكن مصائب الآخرين ارتدت إيجاباً على لبنان،  خصوصاً في مسألة الأزمة المالية العالمية، مما جعل لبنان ملاذاً آمناً للمستثمرين نتيجة سياسة مصرف لبنان واستقرار عملته. واعتبر صوما أن أسعار العقارات عند الخط البحري الأول والثاني في بيروت هي الأكثر ارتفاعاً بحيث يصل سعر المتر المربع في منطقة الحمرا إلى 25 ألف دولار. أما أسعار الشقق فعادية وكل الكلام عن »غلائها« لا يستند إلى القراءة العلمية التي تؤكد أن هناك عملية تصحيح وليس ارتفاعاً ملحوظاً. مثلاً سعر شقة بمساحة 100 متر مربع لم يكن يتجاوز 300 ألف ليرة قبل 20 عاماً، أي ما يقارب 100 ألف دولار اليوم. ومع ارتفاع سعر الدولار ارتفع سعر الشقة ليصل إلى 12 ألف دولار فـ 30 ألفاً و50 ألفاً وصعوداً. أما أسعار الأراضي في كسروان فتبدأ بـ 1200 دولار للمتر المربع وصولاً إلى 3000 دولار.
وبالنسبة إلى مسعد فارس فإن المحيط يختلف أما الأسعار فمتقاربة، ويقول: «تعتبر مناطق الأشرفية وسوليدير وكليمنصو الأكثر تصنيفاً إذ يراوح  سعر المتر المربع بين  15 ألف دولار و25 ألف دولار.  لكن المسألة مرتبطة بالعرض والطلب. والطلب لا يعني حتماً السعر الواقعي للأرض. ولفت إلى أن الطلب يتركز على الشقق المتوسطة والصغيرة التي تراوح مساحتها بين 100 و300 متر مربع. المهم الا يزيد السعر عن 500 ألف دولار».

الى ارتفاع…
نعود إلى صوما الذي أكد ان «اسعار الشقق سترتفع ثلاثة وأربعة أضعاف خلال السنوات المقبلة» بسبب ندرة الأراضي المعروضة للبيع والمخصصة لبناء الشقق والمجمعات السكنية. أما اسعار الاراضي العقارية فسترتفع تباعاً خصوصاً في مدينة بيروت، لكن هذا لا يعني رفع أسعار الشقق بالنسبة عينها. لذا نرى ان قطاع البناء سيرتاح في الفترة المقبلة، لكنه لاحقاً سيرتبط بسعر الاراضي. من هنا فإن كل من يشتري شقة في الوقت الراهن يكون ذلك ربحاً له، لان أسعار الاراضي ستترجم قريباً في اسعار الشقق. وأكد أن الأشخاص يشترون اليوم الأراضي من دون استثمارها في انتظار جلاء صورة الوضع. لكن عند حصول أي تطور إيجابي سيتضاعف سعر العقار. وعن مدى تأثر هذا القطاع بالوضع السياسي، قال: «لا نخاف من التجاذبات السياسية بمقدار ما نخشى من التوتر الأمني الذي يُفقد الثقة بالعقار في لبنان، ويؤثر عليه سلباً».

البقاع تحت الطلب
يعول المطورون العقاريون على الاستقرار العام في البلاد، مما يعيد «وهج» الاستثمارات الى نشاطها، ليس في العاصمة وحسب، بل امتداداً الى المناطق، بعدما بدأ يأخذ مداه منذ مطلع الألفية الثالثة. وهذا الوهج الذي كان متوقعاً أن ينطلق من منطقة البقاع اندثر نتيجة انعكاسات الأزمة السورية على الوضعين الأمني والسياسي فيها. لكن الصورة ليست بهذه الحدية على ما يشرح مدير عام شركة «عقار واكيم» إيلي واكيم: فـ «الطلب على شراء الأراضي في منطقة البقاع لم يتوقف وإن بوتيرة ضعيفة لكن لا بد من الإشارة الى أن المشاريع المقررة في البقاع هي في غالبيتها صناعية. وكشف أن سعر المتر المربع هناك يراوح بين 100  و300 دولار في حين يراوح بين 750 و2000 دولار في مناطق صناعية في نهر الكلب أو نهر الموت.
ونعود إلى بيروت وهنا لا بد من التوقف عند ما يسميه المطورون العقاريون بـ «المربع الذهبي» الذي يبدأ وهجه من شارع عبد الوهاب الإنكليزي، مروراً بالصيفي صعوداً نحو الـ «أ ب ث» الأشرفية فساحة ساسين وصولاً إلى مستشفى رزق. أما الأسعار فلماعة بدورها، وقد تراوح بين 8500 دولار للمتر المربع وصولاً إلى 30 الفاً. إذا كان الوضع كذلك في الأشرفية فكيف يكون في سوليدير؟ يجيب واكيم: «عندما نقول سوليدير يتراءى أمامنا صورة الخليجيين تماماً كما الحال عندما نقول البترون حيث تتركز هناك صورة الأوروبيين. قد لا يكون الأمر كذلك لكنه تحول إلى ما هو عليه اليوم». وفهمكم كفاية!

القطريون فقط يبيعون
نكرر خليجيون في سوليدير؟ وماذا عن الكلام حول وجود نية لدى الخليجيين في بيع عقاراتهم؟ يجيب واكيم: «التعميم غير وارد. وهذا الكلام ينطبق فقط على القطريين الذين قرروا بيع كل ما يملكون في لبنان بسبب المضايقات التي يتعرضون لها، في حين يكرمون في دول أوروبا وتركيا. وهذا الأمر ليس محصوراً في القطاع العقاري إنما على المستوى السياحي والأمني أيضاً. من هنا نلاحظ أن القطري ما عاد يفكر حتى في زيارة لبنان. وإذا لم يحصل تعديل على مستوى الإدارة فهذا يعني أن السياحة في لبنان انتهت إلى غير عودة. أما بالنسبة إلى الكويتيين فإن نسبة الذين قرروا التشطيب على لبنان كوجهة سياحية واستثمارية لأسباب سياسية لا تتعدى الـ 20 في المئة.

الاكثر طلباً
محلياً يؤكد واكيم أن الطلب على الشقق يتركز في المناطق القريبة من الساحل أي جبيل وحالات والبترون والدوحة وعرمون وبشامون: «هناك حركة شراء وبناء لافتة في هذه المناطق لأنها بعيدة عن عجقة بيروت وقريبة من الساحل». لكن هذا لا يعني أن المناطق المصنفة مستثناة على غرار المطيلب والرابية وقرنة شهوان والمنصورية وبرمانا وبيت مري وبعبدات وقد يصل سعر متر الأرض فيها إلى 3000 دولار. أما الطلب فيتركز بنسبة 20 في المئة على الشقق الكبيرة ويتوزع الباقي بنسبة الثلثين على الشقق المتوسطة والثلث الآخر على الصغيرة وتحديداً في العاصمة بيروت». وهل يخشى من فقاعة عقارية؟ يجيب: «العقار في لبنان مثل الذهب، قد يدخل في مرحلة جمود لكن الأسعار لا تهبط».

مرحلة «عدم اليقين»
بين الرؤيا الإقتصادية والواقع على الأرض كما يلمسه المطورون العقاريون والسماسرة، الفرق شاسع. فخبراء الإقتصاد يعتبرون أن القطاع العقاري دخل مرحلة «عدم اليقين» وسيستمر فيها نحو سنة من تاريخه بسبب محاولة تصدير الازمة السورية الى لبنان وتداعياتها. ويرى الخبير الإقتصادي غازي وزني أن كلام بعض المطورين العقاريين حيال استقرار اسعار الاراضي العقارية والشقق السكنية من كل الاحجام الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، غير واقعي ولا يمت الى الحقيقة بصلة، لأن استقرار الاسعار يتطلب استقراراً في الوضعين السياسي والامني في البلاد وهذا غير حاصل. وساهمت محاولة تصدير الازمة السورية الى لبنان في سلبية الوضع خصوصاً بعدما ارخت تداعياتها على الوضع الاقتصادي العام ولا سيما القطاع العقاري الاكثر تأثراً بعدم الاستقرار العام في المنطقة ولا سيما في سوريا. واشار الى ان الاستثمارات العقارية تحصل عادةً على المديين المتوسط والطويل، لذلك فهي تحتاج الى عامل الاستقرار حاضراً ومستقبلاً، كي تحقق ازدهاراً وهذا غير متوافر في الواقع او في المدى المنظور. وخلص الى ان الاجواء الاستثمارية في البلد في حال تريث، «اذ إن الطلب الى تراجع لافت، فيما المطورون العقاريون الجدد الذين بدأوا بيع مشاريعهم منذ العام 2011 حتى تاريخه يواجهون صعوبات جمة في تصريف الوحدات السكنية، بخلاف الاجواء التي كانت سائدة قبل العام 2011، اذ ان المطورين باعوا جزءاً اي بنسبة تراوح بين 60 و70 في المئة  من مشاريعهم وبقي لديهم ربع الوحدات السكنية التي يمكن بيعها مستقبلاً».
قد تكون قصة العقار في لبنان متمايزة ومنفصلة عن باقي القضايا والأزمات بدليل أنه لا يزال يدر ذهباً، إن لم يكن اليوم فغداً لا محال. ونيال من يستطيع امتلاك مرقد عنزة اليوم في لبنان قبل أن يصير حلماً إن لم نقل كابوساً

جومانا نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق