رئيسيسياسة عربية

بغداد: زعيم حزب الله العراق يهدد المعارضة بـ «جيش المختار»

لا ريب في ان الازمة السياسية التي يعيشها العراق منذ ما يقارب الشهرين، ليست الاولى من نوعها. فالساحة العراقية باتت ولادة الازمات منذ ان سقط نظام صدام حسين، لكن الثابت ان الساحة والمراقبين في بغداد، باتوا يتعاطون مع الازمة الحالية على اساس انها الاكثر خطورة وقوة من بين كل الازمات السابقة، ذلك ليس فقط لان المعارضين لحكومة نوري المالكي يرفضون مغادرة الاعتصامات والتظاهرات في الساحات والميادين في محافظات الانبار وصلاح الدين وديالى ونينوى، ويستغلون نهارات الجمعة ليثبتوا انهم ما برحوا على زخمهم وحضورهم في الشارع، بل لان التطورات التي ولدت من رحم هذه الازمة وترعرعت فيه، اخذت مناحي اكثر خطورة واشد من المرات السابقة.

الازمة الاخيرة اندلعت كما هو معلوم على خلفية اعتقال بعض عناصر حماية وزير المال والقيادي في الكتلة العراقية رافع العيساوي في نهاية العام المنصرم بتهمة المشاركة في عمليات ارهابية. فعلى الاثر انفجر غضب المعارضين ونزلوا الى الشارع يدعون اولاً الى اطلاق المعتقلين، ثم توسعت دائرة المطالب لتصل الى اكثر من 15 مطلباً، وكان نجم هذه المطالب الغاء المادة الرابعة من قانون مكافحة الارهاب وقانون هيئة المساءلة والعدالة.
ومع ان الحكومة العراقية عملت بداية على استيعاب المطالب وامتصاص غضب الغاضبين بالنزول عند مطالبهم عبر اجراءات عدة، منها اطلاق سراح آلاف المعتقلين وتأليف لجنة وزارية برئاسة حسين الشهرستاني، مهمتها الوقوف على ما تبقى من مطالب ومعالجتها. الا ان المحتجين راحوا يرفعون تدريجاً سقف مطالبهم لدرجة ان شعار تظاهرات يوم الجمعة ما قبل الاخير كان اما رحيل المالكي واما العراق، وهي كناية رمزية للمطالبة بإلغاء الدستور واسقاط المالكي نفسه.
وهذا التصعيد الذي دأب المتظاهرون على انتاجه، لا سيما بعد كل تنازل تقدمه حكومة المالكي، وهو ما اطاح محاولات وجهوداً بذلها زعماء عشائريون وغير عشائريين، فضلاً عن السعي الذي كان بدأه رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني فسرته حكومة بغداد ومن يساندها على ان هناك مخططاً يستهدف العملية السياسية برمتها.

وقائع وتطورات
ومما زاد في ارتياب الحكومة العراقية والخط الذي يساندها، جملة وقائع وتطورات انطوت على ادلة سلبية ابرزها:
– ان قادة الحراك والاعتصامات عملوا على استغلال اللحظة، وبالتالي اججوا المشاعر والنعرات لدرجة انهم قمعوا كل الاصوات المتعقلة، والخطاب الوطني والمعتدل، وقمعوا كل المحاولات الهادفة الى معالجة الازمة واعادة الامور الى مجراها الطبيعي.
- ان صعود هذا الصوت التصعيدي المعتمد على اثارة الغرائز والنعرات، افضى الى انقسامات وتباينات حتى داخل القائمة العراقية التي يفترض انها رافدة للمعارضة في البلاد لانها من الاساس كانت على طرف نقيض من المالكي وتياره. كما قاد ذلك الى انكفاء بعض القيادات المعتدلة داخل هذه القائمة والى ذهاب قيادات اخرى نحو التصعيد في خطابها وعسى ولعل تلحق بالحراك وتجد لها مطرحاً الى جانب القيادات الجديدة التي تلهب الشارع المعترض وتؤثر في نبضه.
– ولعل ابرز مثال على ذلك، هو رئيس البرلمان العراقي واحد قادة العراقية اسامة النجيفي الذي حاول في البداية ان يضطلع بدور الوسيط والمهدىء للامور من خلال موقعه، ثم ما لبث ان بدأ يطلق مواقف تصعيدية ومواقف وصفت بأنها طائفية ثم قام سراً بزيارة الى قطر مؤخراً، حيث دعا من هناك الى رحيل المالكي طوعاً او قسراً، مما ادى الى فتح ابواب المواجهة الاعلامية والسياسية بينه وبين نواب ائتلاف المالكي، الذين بدأوا يدعون الى اقالته وسحب الثقة منه.
وانضمت الى منتقديه كتلة نواب التيار الصدري علماً بأن التيار الصدري كان من اوائل الذين ايدوا مطالب المعتصمين المعارضين، ووجه انتقادات حادة الى سياسة المالكي وادائه وطريقة تعامله مع المعارضين ومطالبهم.
وفي وقت لاحق، صعد معارضو المالكي من وتيرة تحركهم ومواجهتهم الشرسة مع المالكي، الى درجة انهم ارادوها وفق بعض المعارضين معركة «كسر عضم» وقودها الملفات الامنية والسياسية والقانونية، اضافة الى استمرار التظاهرات.

تصعيد التعطيل
اضافة الى ذلك، فإن ثمة معلومات تؤكد ان مساعي المعارضين للمالكي ممتدة الى اجل غير مسمى، وهم الان يحاولون استغلال ازمة التظاهرات بغية تعطيل انتخابات مجالس المحافظات التي من المقرر مبدئياً ان تجري في العشرين من شهر نيسان (ابريل) المقبل، في سياق جهدهم المبذول لتعطيل العملية الدستورية والسياسية برمتها ولتعطيل كل ما له علاقة بالدولة، وبالتالي ايصال الامور الى اعلى درجات التأزيم والتعطيل وابراز التناقضات المجتمعية الى درجة يصعب معها ايجاد تسوية قريبة.
ولم يعد خافياً ان هذا التصعيد الذي يلجأ اليه المعارضون تحت ذريعة ان الحكومة لم تلب مطالبهم كما ينبغي ويتعين، قد استدعى منطقاً تصعيدياً من المالكي والطرف المساند له، وبدد الكثير من التعاطف الذي ظهر في بداية الحراك مع حراك المتحركين ومع الشعارات التي رفعوا لواءها.
فالمعلوم ان المالكي وجه على سبيل المثال في الآونة الاخيرة اثر سلسلة التفجيرات الواسعة التي شهدها بعض المناطق العراقية، وخصوصاً في بغداد التي نجمت عن انفجار 14 سيارة مفخخة، واودت بحياة 155 شخصاً، اتهامات ضمنية الى التظاهرات المستمرة، اذ اعتبر ان التفجيرات هي تطبيق عملي لدعوات التحريض والكراهية والاصوات الطائفية التي يطلقها بعض الجهات.

اصوات مؤيدة
وفيما سكتت تدريجاً كل الدعوات التي ارتفعت بداية من جهات ومرجعيات لها قيمة كبرى في العراق، لتلبية مطالب المحتجين والتجاوب معها بشكل عاجل، بدأت تنطلق اصوات اخرى متطرفة من الطرف الاخر اي من ضفة المؤيدين للحكومة.
فبعد تظاهرات انطلقت في مناطق عدة، ترفض مطالب يرفعها المعتصمون ولا سيما ما يتصل منها بحذف مواد من قانون المساءلة والعدالة (حسب الاسم الملطف لهيئة اجتثاث البعث) راجت في الآونة الاخيرة اصوات تدعو الى الاستعداد لـ «المواجهة» للرد على ما اسمته محاولة «الانقلاب» واعادة عجلة الامور الى الوراء. ومن ابرز هذه الاصوات صوت ما سمي بزعيم «حزب الله العراق» الشيخ واثق البطاط الذي دعا علانية الى التسلح استعداداً للمواجهة المقبلة من خلال ما اسماه «جيش المختار».
وعلى الرغم ان كثراً رفضوا الانجرار الى مثل هذا المنطق ودعوا الى عدم الاستماع اليه وعزله، فإن الثابت ان التطورات الاخيرة والتداعيات الناجمة عن الاستمرار في التصعيد ورفع سقف الشعارات والمطالب الى درجات غير مسبوقة، دفعت المالكي وفريقه الى الشروع بسلوك طرق اخرى للمواجهة.
ففي الايام القليلة الماضية تحدثت المعلومات عن وصول وفد يمثل المالكي وحزب الدعوة الاسلامية الذي يرأسه الى اربيل، حيث التقى وفداً يمثل التحالف الكردستاني، فيما ذكرت معلومات اخرى ان اجتماعاً ترأسه رئيس التحالف الوطني ابرهيم الجعفري عقد بين ممثلين عن الائتلاف واخرين يمثلون التحالف الكردستاني. وذكر ان هدف الاجتماع هو معالجة موضوع دفع المستحقات للشركات النفطية المتعاقدة مع اقليم كردستان – العراق.

تقارب المالكي والاكراد
وفي كل الاحوال، وبصرف النظر عن الاجتماع الاخير، فإن الاجتماع بين ممثلي المالكي وممثلي الكردستاني يمكن التوقف عند مدلولاته وابعاده بتمعن، فهو يأتي ليؤكد طي صفحة التوتر في العلاقة بين الطرفين التي بدأت قبل اشهر عدة على خلفية تشكيل «لواء ديالى» والذي اوجد خلافاً كبيراً بين الطرفين في حينه.
اضافة الى ذلك، فإن ما من احد من مراقبي الشأن العراقي الا ويعرف ان هذا اللقاء ان لجهة توقيته او لجهة مضامينه، مهم للغاية ولم يكن في حسابات الكثيرين من قادة المعارضة العراقية للمالكي، اذ ان بامكان المالكي ان يقدم الكثير من التنازلات للكرد الذين يريدون الكثير، خصوصاً في المناطق التي يصطلح على تسميتها بالمناطق المتنازع عليها في كركوك والموصل، في مقابل ان يحصل على دعم الطرف الكردي في هذه الازمة.
وليس ادل على اهمية التواصل المستجد بين المالكي والطرف الكردي، من استنكار القائمة العراقية وخوفها منه واعتبارها اياه انه يهدف الى زيادة عزل وتهميش السنة والالتفاف على مطالب المتظاهرين.
وبصرف النظر عما يمكن ان يؤول اليه هذا التطور المستجد بين المالكي والاكراد، فالاكيد ان جزءاً من الاوراق التي يمكن ان يلعبها المالكي لجبه الهجمة الشرسة عليه والرامية ليس الى اجباره على التنازل عن مطالب معينة، بل على الرحيل وتهديم كل ما يعتبر انه بناه وانه اولاً واخيراً جزء من الصراع المتوالي فصولاً بين الاطراف في العراق-

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق