سياسة لبنانية

مخاوف غربية من انتقال المواجهات من سوريا عبر النازحين

تسلم احد الوزراء تقريراً من احدى العواصم الغربية يشير الى ان الحكومات الغربية تبدي مخاوفها على الاستقرار في لبنان. ويتضاعف منسوب هذه المخاوف مع تصاعد المواجهات في سوريا بين قوى النظام والمعارضة، واستمرار المعارك عنيفة في الآونة الاخيرة حول المطارات. وتزامنت هذه المعلومات مع الحديث عن ام المعارك في العاصمة السورية نهاية هذا الشهر، بعد حسم المواجهات في حمص وحلب وحول المطارات  وانجاز التحضيرات اللازمة للمنازلة الكبرى في دمشق.

يعزو عضو في الحكومة الميقاتية مخاوف الحكومات الغربية على الاستقرار في لبنان الى تدفق النازحين السوريين، وقد شارف عددهم على نصف مليون شخص بين مسجل وغير مسجل في السجلات الرسمية، موزعين بين مؤيد للنظام وداعم للمعارضة. وقد سجل دخول عناصر اصولية ومتطرفة قررت ان تأخذ من لبنان مقراً لها، كما قررت عناصر من الجيش الحر اللجوء الى لبنان، الامر الذي ضاعف الخشية من انتقال المواجهات من الاراضي السورية الى المناطق اللبنانية. ويعتبر احد السياسيين في المعارضة ان ما جري في سجن رومية مؤخراً وفق معلومات امنية يعكس هذه المخاوف. وتشير المعارضة الى خطورة تدفق النازحين في ظل عجز لبنان عن استيعاب اعدادهم المتزايدة، وضغط «الهجمة» على لبنان بعدما حددت دول الجوار سقفاً لاستقبال النازحين اقفلت بعده حدودها امام تدفقهم اليها، اضافة الى افتقار السلطة اللبنانية الى الامكانات المادية لتقديم المساعدة، من دون التوقف عند تقصير الاجهزة اللبنانية في ضبط وجود النازحين، بعدما تبين دخول بعضهم عبر المعابر غير الشرعية وانتشارهم في مختلف المناطق اللبنانية.
ويقول وزير الداخلية انه استناداً الى التقارير التي لديه فان معظم الحوادث الامنية التي تقع من خطف بقصد الفدية، وسرقات واعتداءات وتعديات يشارك فيها سوريون بمعاونة لبنانيين. ويستغل هؤلاء الاوضاع الهشة في لبنان للقيام باعمال مخلة بالامن بالاشتراك مع محترفين لبنانيين، وفق ما تشير تقارير امنية. لقد حملت هذه الممارسات مسؤولاً رفيعاً على ابداء مخاوفه من نقل المواجهات من سوريا الى لبنان. ومع تطور المواجهات في سوريا واستمرار تدفق النازحين، يخشى مسؤول امني ان يقدم هؤلاء على اعمال مخلة بالامن. وان يستفيد من هم مع النظام السوري من وقوف الحكومة الميقاتية  وبعض مكوناتها الى جانب النظام لا سيما حزب الله، للانتقام من المعارضين سواء من عناصرالجيش الحر او من الاصوليين.

دعم المعارضة
بالمقابل يستفيد من يؤيد المعارضة السورية من دعم المعارضة في لبنان للثورة واحتضان الساحة التي قد تشكل الحاضنة للثوار للانتقام من جماعة النظام الموجودين في لبنان. ويعتبر فلسطينيون نازحون من سوريا ان المعارك الدائرة على الحدود اللبنانية لجهة البقاع هي بين مقاتلي المعارضة وعناصر حزب الله الذين يقولون انهم يحمون القرى اللبنانية الشيعية على الحدود. وادت المعارك الضارية التي وقعت مؤخراً الى سقوط عدد من الضحايا. واعلنت المعارضة عن سقوط عدد من عناصر حزب الله تحاول نشر صورهم امام الرأي العام لدحض ادعاءات مسؤولي الحزب بعدم التدخل، والتأكيد على مشاركة عناصر الحزب في المعارك. وتتهم اوساط المعارضة السورية الحزب بانه يسعى الى تأمين التواصل بين لبنان البقاعي حيث الحاضنة الشيعية، اي دولة ولاية الفقيه، والحدود السورية حيث المناطق العلوية لتحقيق التواصل بين ولاية الفقيه وولاية الاسد عبر القرى المتاخمة للحدود، ومنع المعارضة السورية من تسلم الحدود مع لبنان بعدما غادرت عناصر النظام نقاط المراقبة على طول الحدود مع البقاع.
وتعزو جهات دبلوماسية مراقبة تصاعد المعارك في سوريا الى حدة المواجهة مما قد يترك تأثيراً على الساحة اللبنانية، لا سيما في المناطق الحدودية واستمرار اجواء التشنج على الساحة، من خلال التوتر في العلاقات بين الشارعين السني والشيعي وتغذية نار الفتنة. ان الحوادث التي تقع بين الحين والاخر في بعض المناطق اللبنانية، لا سيما الحدودية، تدفع الى الاعتقاد بان الموعد الدستوري لاجراء الانتخابات في لبنان قد يصار الى تأجيله في ظل هذه الاجواء، فاذا لم يطرأ اي تغيير على الاوضاع وعلى صعيد الازمة السورية لجهة الحل، تبقى الانتخابات في مهب الريح.
وينقل سياسيون عن وزير الداخلية قوله: كيف يمكن اجراء انتخابات وسط هذه الاجواء المشحونة والمتوترة؟ واين يمكن وضع صناديق الاقتراع مثلاً في طرابلس؟ وكيف يمكن اجراء الانتخابات قبل معالجة موضوع السلاح بشكل جذري ومنع تأثيره على المعركة وعلى نتائجها، ومنع التقيد بما قد تفرزه الصناديق كما حصل عام 2009 عندما رفضت قوى 8 اذار نتائج الانتخابات والاعتراف بها وبفوز قوى 14 اذار، واصرت على حكومة وحدة وطنية يكون لها الثلث المعطل فيها كونها تملك الاكثرية الشعبية، وان كانت قوى 14 اذار تملك الاكثرية النيابية على حد قولها. وتخشى المعارضة في حال عدم الوصول الى تفاهم محلي معزز بمظلة وفاق خارجي من ان يتمكن السلاح من تشويه نتائج الانتخابات وفرض معادلة سياسية بفعل فائض القوة لدى حزب الله، هذا اذا حصلت الانتخابات في موعدها، علماً بأن هناك من يقول بتأجيل الانتخابات والتمديد للمجلس النيابي سنتين تتم خلالها تغييرات جذرية اساسية في المنطقة.

سجال الحريري – نصرالله
ان السجال بين الرئيس سعد الحريري والامين العام لحزب الله الذي ظهر مؤخراً زاد من منسوب القلق على عدم اجراء الانتخابات، وفق ما يقول احد الوزراء. ويبدو ان هناك بعض مكونات الحكومة غير راغب في اجراء الانتخابات، فيعمد الى تصعيد المواقف، والى زيادة اجواء التوتر من خلال الخطاب السياسي الذي يعتمده، كما اشار وزير الداخلية في مقابلة تلفزيونية، مؤكداً ان احداً من الاطراف لا يريد الانتخابات، بانتظار ان يحصل تغيير في الاوضاع والتطورات، يبدل من موازين القوى ويسرّع الاتفاق. ان التوتر الذي خيم على العلاقات بين المستقبل وحزب الله، بعد المواقف التي اعلنها  الرئيس سعد الحريري في الذكرى الثامنة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وبعد الاشارات التي المح اليها حسن نصر الله في كلمته في ذكرى الشهداء، يعكس اضطراب العلاقات السعودية – الايرانية والتوتر الذي يسودها. ان غياب السعودية عن اجتماعات اللجنة الرباعية التي تضم السعودية ومصر وتركيا وايران لمعالجة الازمة السورية والتي تعقد اجتماعاتها في القاهرة، يعكس  ايضاً اجواء هذا التوتر.
امام المخاوف من انهيار الاستقرار في لبنان الذي ينصح الخارج بضرورة المحافظة عليه، يكشف وزير مطلع عن تحرك تقوم به حكومات غربية باتجاه المنطقة ولبنان لاستيعاب التطورات ومنع تأثيرها على الساحة، وذلك حفاظاً على الاستقرار وسعياً الى تحصينه لتجنب تعرض مصالحها في لبنان والمنطقة للخطر. وقد تبين للغرب ان دول الربيع العربي ولا سيما سوريا لا تزال في حال من الاضطراب وعدم الاستقرار، وتخشى حكومات غربية من ان تترك هذه الحالة مضاعفات قد تطاول مصالحها وتسهم في تعزيز حال «الفوضى الخلاقة» في المنطقة.
هذه الحال ساهمت في استمرار تغييب الموقف العربي وفقدان القرار الجامع لمواجهة ما تتعرض له المنطقة وضياعه في غياهب التطورات، فبات الامر في المنطقة بحاجة الى اتفاق دولي يقوم على تقاسم نفوذ، لانهاء حال الاضطراب والفوضى القائمين مخافة ان تستفيد منها اسرائيل، وهي الماضية في سياسة الاستيطان في القدس لتغيير معالمها وتهويدها.
وتحاول اسرائيل الافادة من الضياع القائم في المنطقة لتعزيز موقعها التفاوضي وجمع الاوراق الضاغطة التي يمكن ان تستخدمها في المرحلة المقبلة لتعزيز موقعها. ويستعد رئيس حكومة اسرائيل بتيامين نتانياهو لاستقبال الرئيس الاميركي باراك اوباما في اول اطلالة له بعد تجديد ولايته، وتبين انه في سلم اولويات جدول اعمال الادارة الاميركية الجديدة انهاء الصراع العربي – الاسرائيلي على قاعدة قيام دولتين جارتين: فلسطين واسرائيل. واستباقاً لبدء التحرك الاميركي باتجاه الشرق الاوسط، يبدأ وزير الخارجية جون كيري جولة شرق اوسطية ويضم لبنان الى اجندة زياراته الى دول المنطقة.

نشاط روسي
بالمقابل نشطت روسيا من خلال حركة اتصالات بدأتها مع الائتلاف السوري المعارض ومع النظام في مسعى لتقريب وجهات النظر والسعي للدفع باتجاه التفاوض والحوار من دون شروط، بعدما اعلن رئيس الائتلاف احمد معاذ الخطيب عن استعداده للتفاوض مع ممثلين عن النظام، ايديهم غير ملطخة بالدماء ومقبولين من المعارضة كنائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع مثلاً، ورفض التفاوض مع الرئيس بشار الاسد، الامر الذي حمل الاخير على التمسك بموقفه واصراره على ان يرعى التفاوض ويترأس الحوار بين المعارضة والنظام، انطلاقاً من موقعه كرئيس للبلاد، رافضاً التنحي او التخلي عن السلطة مدعوماً من ايران التي تصر على ان يكون للاسد الدور الاساس في الحل. وتقدم ايران لسوريا الدعم المادي واللوجستي، وتتمسك ببقاء الاسد وبدوره في الحل. واستناداً الى تقارير ديبلوماسية تبين ان الغارة الاسرائيلية التي استهدفت المركز السوري للبحث العلمي في جرمانا القريبة من ريف دمشق انما كانت تستهدف مستودع ذخيرة ومركزاً للحرس الثوري وقد ادت الى مقتل رئيس الحرس الثوري في سوريا حسن شاطري  وعدد من الايرانيين الذين كانوا في المنطقة وتبين وفق التقارير ان اسرائيل استهدفت قافلة ايرانية كانت تنقل صواريخ سام 8 من المخازن الى الحزب. كما تعرض مركز للاتصالات في الجولان للغارة الاسرائيلية.
الى هذا يقول احد السياسيين في المعارضة ان حزب الله انخرط في المواجهات في سوريا ضد مقاتلي المعارضة والى جانب النظام. وما يجري على الحدود البقاعية يندرج في سياق منع مقاتلي المعارضة من اتخاذ مواقع على الحدود بعدما انسحبت عناصر النظام والهجانة، واستنجد النظام بالحزب لتأمين خطوط الامدادات بين لبنان وسوريا لمستلزمات المعركة الكبرى المتوقعة قريباً والتي يحشد لها الطرفان. وتخشى قوى 14 اذار من تداعيات تورط الحزب  في المعارك في سوريا، وتخطي اعلان بعبدا الذي وقع عليه الحزب ويقول بتحييد لبنان عن الصراعات الدولية والاقليمية، وتجاوز سياسة الحكومة النأي بالنفس، رغم كون الحزب من ابرز مكونات الحكومة مع تكتل التغيير والاصلاح. وتتخوف المعارضة من ان تتعرض القرى اللبنانية الحدودية من قبل مقاتلي المعارضة كرد على تورط الحزب في المعارك في سوريا.

توافق
تنتظر روسيا نتائج التحرك الاميركي المرتقب في المنطقة للاطلاع على حقيقة تصور واشنطن  لمعالجة مشاكل المنطقة والموقف من دول الربيع العربي التي لم تعرف الاستقرار حتى الان. وينقل سياسي لبناني عن مسؤول روسي قوله: ان اي حل للازمة السورية لن يتم الا من خلال توافق اميركي – روسي على مشروع هذا الحل.
وحيال هذه الصورة يقول احد الوزراء ان الوضع في لبنان يبقى على حاله من الهدوء والاستقرار الهش، لأن احداً من الاطراف غير راغب في المغامرة الامنية، والجميع يشعرون بخطورة المرحلة ودقتها ولا يريدون دفع البلاد الى النفق المظلم، غير ان هذه الحالة تبقى على ما هي عليه، فلا تقدم محلياً ولا حكومة جديدة ولا قانون انتخابات ولا انتخابات الا اذا ظهرت بوادر ايجابية على الصعيدين الاقليمي والدولي تترجمها لقاءات واجتماعات بين مسؤولين اميركيين وروس بمشاركة اوروبية. وينتظر الجميع التطورات في المنطقة ليبنوا على الشيء مقتضاه

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق