رئيسيسياسة عربية

لماذا اغرقت مصر الانفاق بينها وبين غزة؟

بعد ايام قليلة على اجتماع الاطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة، وهو الاول من نوعه منذ عام 2007، وشارك فيه ممثلون عن حركتي فتح وحماس، والذي بقيت نتائجه متأرجحة بين رأيين: احدهما يقول بأنه لم يعط الثمار المرجوة منه، والاخر على يقين من ان المصالحة الفلسطينية لم تتعطل، وان كانت بطيئة، بدليل تأكيد القيادي في حركة حماس عزت الرشق ان انجازات مهمة تمت في هذا الاجتماع، رافضاً القول بأنه فشل ولم يحقق النتائج المرجوة منه.

بعد فترة قصيرة من هذا الاجتماع الذي اعتبر محطة مهمة، تحدثت الانباء عن ان مصر اغرقت بالمياه انفاق تهريب على الحدود مع قطاع غزة في اطار حملة لاغلاق هذه الانفاق.
الامر ليس جديداً على القيادة المصرية الحالية التي خلفت نظام الرئيس السابق حسني مبارك، فعملية اغلاق هذه الانفاق تتكرر منذ ان اعتلى الرئيس الحالي محمد مرسي سدة الرئاسة، حتى ان ثمة معلومات فلسطينية المصدر تشير الى انه منذ ذلك التاريخ، تم اغلاق ما بين الـ 150 الى 200 نفق، لدرجة ان احد اصحاب الانفاق اعلن صراحة ان «الاجراءات المصرية بحق الانفاق صارت اسوأ بعد تسلم مرسي سدة الرئاسة».
والمعلوم انه في المرات السابقة بادر الفلسطينيون وفي مقدمهم حركة حماس التي تبسط سلطتها على غزة وقطاعها منذ ما يقرب من الخمسة اعوام الى الاعتراض على المساعي المصرية لقطع هذه الشرايين الحيوية، عبر مظاهر مختلفة منها التظاهر على الحدود الفاصلة بين الاراضي المصرية والفلسطينية ورفع اللافتات واطلاق الشعارات المنددة.

لماذا الحملة المصرية؟
حيال ذلك، فإن ثمة اسئلة تطرح نفسها بإلحاح حول الاسباب التي دفعت السلطات المصرية الى شن حملتها على هذه الانفاق قبل اكثر من عام وتوقفها عن ذلك لفترة من الزمن ثم العودة اخيراً الى اغراق هذه الانفاق بالمياه توطئة لتعطيلها؟ واستطراداً الرسائل المتكررة التي يريد النظام المصري الحالي الاسلامي توجيهها الى حركة حماس بالذات التي ترتبط بها واياه بأكثر من بساط عقائدي وسياسي والى سواها؟
ولا بد من الاشارة استهلالاً الى مدى ما تمثله هذه الانفاق في حياة سكان غزة بالنسبة الى الحركة الاسلامية بالذات، فهذه الانفاق التي تم تدشينها عمليا منذ عام 2007، وبالتحديد بعدما سيطرت حركة حماس على هذا القطاع وطردت منه حركة فتح.
فمنذ ذلك الحين، فرض كما هو معلوم نوع من الحصار المحكم على قطاع غزة، اذ اغلقت السلطات المصرية المعابر الشرعية المؤدية الى غزة وقطاعها، ومنذ ذلك الوقت ازدادت معاناة سكان غزة وقطاعها اضعافاً مضاعفة الى درجة الاختناق برغم ان هذا الحصار غير المسبوق وتداعياته ونتائجه فتح الابواب امام حالة تعاطف عربية وعالمية مع غزة وسكانها، فكانت قوافل وسفن الدعم وكسر الحصار الشهيرة التي تتالت امام الرأي العام العالمي، تشهد على المآسي الناجمة عن هذا الحصار الظالم.
ورغم المناشدات العربية والدولية، فإن الحكومة المصرية يومذاك، رفضت اي فتح للمعابر الشرعية الا بشكل مقنن جداً، معتبرة ان النزول عند مطلب فتحها كلية هو تجاوز للاتفاقات المبرمة بين مصر واسرائيل.
وحيال ذلك، لجأ الفلسطينيون الى اسلوب حفر الانفاق التي امتدت مئات الامتار وصارت هي الشريان الحيوي القادر على ايصال اكثر من 70 بالمئة من احتياجات سكان غزة من المواد الغذائية والطبية، وحتى الاحتياجات النفطية. وكثيرة هي المرات التي وزعت فيها وكالات الانباء صوراً لما يدور داخل هذه الانفاق وكيف تنقل على سبيل المثال الخرفان الحية واشياء اخرى.
وصارت عملية استخدام هذه الانفاق تجارة مربحة لمئات الاشخاص الذين يغامرون بأرواحهم وهم يعملون ليل نهار لنقل المواد، لكن ذلك لم يكن من دون مقابل، فخلال الفترة الممتدة من عام 2007 وحتى مطلع العام الجاري، زاد عدد القتلى العاملين في الانفاق على 233 قتيلاً كان اخرهم وفق بيانات جماعات مدافعة عن حقوق الانسان في غزة، 6 اشخاص قضوا في كانون الثاني(يناير) في انفجار داخل النفق.

ملحمة انسانية
اضافة الى ذلك، قتل 20 من هؤلاء العاملين بهجمات اسرائيلية مختلفة على الحدود. وصارت الانفاق والعبور منها والعمل تحت سراديبها ملحمة انسانية كبرى، بل عالم قائم بحد ذاته، لكنه عالم حافل بالاخطار المتنوعة. فمن انهيار الانفاق الى انفجارات الى حالات اختناق، فضلاً عن القتل بالقنابل الاسرائيلية.
ورغم ان مصر مبارك واسرائيل كلتاهما شاركتا في «محاربة» الانفاق بين سيناء وغزة، الا ان تصميم الفلسطيني على التحدي ابقى على هذه الانفاق او على القسم الاكبر منها، لدرجة انها صارت وصمود غزة وجهين لعملة واحدة.
ورغم سقوط نظام مبارك، وتضخم الآمال بقرب انهاء الحصار المفروض على غزة من الجانب المصري، كون الآتين الى رأس هرم الحكم في القاهرة وهم «الاخوان المسلمون» الذين تجمعهم وحركة حماس روابط عقائدية متينة، فإن فلسطينيي غزة ابقوا على هذه الانفاق وان كانت الحركة في سراديبها المعتمة والرطبة قد خفت تدريجاً، بعد ان عمدت السلطات المصرية الى تسهيل حركة العبور على المعابر، وتسهيل عملية ادخال البضائع والسلع والمحروقات.
لكن حدثاً ما فتح العيون مجدداً على هذه الانفاق. ففي شهر اب (اغسطس) الماضي، بادرت السلطات المصرية الى تدمير عشرات الانفاق من دون سابق انذار وكانت ذريعة القاهرة المباشرة لهذا الفعل المفاجئ، تحميل مسؤولية مقتل 16 جندياً مصرياً في هجوم شنه مسلحون مجهولون قرب الحدود مع غزة، الى مسلحين عبروا الحدود الى صحراء سيناء عن طريق الانفاق.
ورغم نفي الجهات الفلسطينية للاتهام، الا ان الهجوم ورد الفعل عليه، من خلال تدمير الانفاق، تركا اثاراً سلبية على الصداقة بين حركة حماس وحكومتها المقالة من جهة، والسلطات المصرية من جهة اخرى، خصوصاً ان الفلسطينيين بادروا الى ابداء الرفض المطلق لعملية تدمير هذه الانفاق.

لماذا اغراق الانفاق؟
اذا كانت تلك باختصار قصة الانفاق ونظرة كل من حماس والحكومة المصرية القديمة والجديدة اليها، فإن السؤال المطروح: هل لاغراق السلطات المصرية في الايام القليلة الماضية الانفاق بالمياه لتغطيها امر على صلة بالاجتماعات التي تستضيفها القاهرة منذ فترة لرأب الصدع الفلسطيني واستكمال رحلة المعالجة بين الفصيلين الفلسطينيين الاساسيين اللذين يستأثران حالياً بالساحة الفلسطينية، ام ان الامر له علاقة بالخوف المصري الكامن من تجدد المجموعات المسلحة المتعددة التي تتخذ منذ زمن بعيد من صحراء سيناء ميداناً مريحاً لنشاطها وحراكها، مستغلة ضعف التواجد والحضور المصريين امنياً في هذه الصحراء، وذلك انفاذاً لمضامين الاتفاقات المعقودة منذ اعوام بين النظام المصري ايام انور السادات والكيان الصهيوني.
فالمعلوم انه بعد سلسلة الاحداث والمواجهات التي شهدتها الصحراء المترامية الاطراف (اكثر من خمسين الف كيلومتر مربع) بين المجموعات المسلحة التي نسجت علاقة متينة ومصلحة بين بدو سيناء، اي السكان الاصليين لهذه المحافظة المصرية التي تفتقر الى أبسط مقومات النهوض والانماء، والقوات المصرية، تنبهت السلطات المصرية ومعها اسرائيل ودول الغرب عموماً الى مخاطر الفلتان الحاصل في هذه المنطقة، ولا سيما بعد الاحاديث العلنية عن تحول سيناء الى معبر لتهريب قطع من الصواريخ الايرانية الصنع والبعيدة المدى نسبياً الى مقاتلي حماس والفصائل الاخرى في غزة ليعاد تجميعها هناك، وهي الصواريخ عينها التي ظهرت فاعليتها في الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة وقطاعها؟
واستطراداً، هل للفعل المصري المستجد تجاه انفاق غزة اي شرايين الحياة فيها عندما تضيق السبل الاخرى، صلة بتوجه النظام المصري الحالي الذي يواجه ازمة حقيقية مع حركات وقوى المعارضة المصرية، رسالة الى من يعنيهم الامر بأنه هو وحده القادر على الالتزام بكل المواثيق والمعاهدات مع اسرائيل والمحافظة عليها رغم علاقته الوثقى بحركة حماس؟

الخطوة التالية
هذه الاسئلة وسواها يطرحها ولا ريب الفلسطينيون ويأخذون كل الاحتمالات والاجابات بعين الاعتبار. ومع ذلك فإن الامر بالنسبة الى الفلسطينيين ما زال متوقفاً على ما يمكن ان يلي مباشرة خطوة اغراق بعض الانفاق التي ما زالت محدودة بالمياه؟ وهل ستكتفي السلطات المصرية المعنية بهذا القدر من الفعل، وبالتالي تكون برأت ذمتها امام المعنيين بالامر ام انها ستكون محطة اولى في سياق مسلسل طويل، لن ينتهي الا بسد كل شرايين الحياة الاحتياطية الجاهزة لسكان غزة وقطاعها الذين يصل عددهم الى نحو مليوني نسمة يعيشون على مساحة ضئيلة جداً وعلى موارد محدودة.
ومع ذلك فإن ثمة من يربط بين هذه الاجراءات المصرية على محدوديتها والمضايقات المتجددة التي تتعرض لها حركة حماس في الضفة الغربية حيث اعتقلت اسرائيل والجهاز الامني للسلطة الفلسطينية العشرات من قيادات وكوادر الحركة، او في الخارج حيث سيطرد وفد الحركة من بلغاريا بعدما ظنت الحركة ان اوروبا على وشك فتح صفحة جديدة من العلاقات معها؟

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق