دولياترئيسي

الارهاب اليساري المتطرف ظاهرة جديدة تضرب تركيا

لتركيا، ماض، لا يمضي، ويترافق مع احداث قديمة ومشاكل جديدة، من المسألة الكردية الى حرب سوريا. ويشكل الارهاب، كذلك، احدى الظواهر الدموية للاحداث التركية، من الارهاب ذي الجذور الاصولية الاسلامية، الذي زلزل استنبول في سنة 2004، الى الارهاب الكردي، الى الاعتداءات التي اقترفتها منذ ايام، اوساط كادت اهتمامات الاعلام الدولي تتناساها. انها مجموعات اليسار المتطرف.

عندما ضرب الارهاب السفارة الاميركية في انقرة، في قلب حي قنقايا، المؤسساتي، تحول الانذار الى قضية دولية، من المستوى الممتاز، اعاد الانظار الى ما حصل في 11 ايلول (سبتمبر) من العام الماضي، في القنصلية الاميركية، في بنغازي، وقتل السفير الاميركي هناك، كريس ستيفنز.
وتسارعت التساؤلات، حول ما اذا كانت هذه «العملية التركية»، جزءاً من استراتيجية. وتلاحقت التحقيقات حول الشكوك الممكنة، في الحركات الاصولية المتطرفة، في طبيعة الحال، وحول القاعدة، في صورة خاصة، وغذّت هذه التوجهات مصادفة غريبة: اعتقال صهر بن لادن، في انقرة العاصمة التركية، الذي يتوقع ان يطلق سراحه ويجري ابعاده الى ايران، حيث كان يقيم.
ويفرض ذاته على وقائع التحليل، موقع تركيا الستراتيجي، على مسرح الشرق الادنى الدامي، من الحرب السورية الى التحالف مع الولايات المتحدة، الى كون تركيا، احد اعمدة الحلف الاطلسي الاساسية، منذ نصف قرن.

تفجير السفارة الاميركية
ولكن العملية ضد السفارة الاميركية، بواسطة انتحاري، فجّر نفسه وقتل شخصين، يشكل قبل كل شيء، ضربة اخرى للولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط التي انطلقت منها، اخطر التهديدات التي واجهها امن الولايات المتحدة، في السنوات الاخيرة، فجعلت واشنطن تنخرط في حروب دموية، مثل افغانستان والعراق.
ويستمر 11 ايلول (سبتمبر) 2001، يلقي بظلاله على كل الاحداث المماثلة، التي وقعت بعده.
الرئيس الاميركي باراك اوباما، يريد الخروج بأي ثمن، من عقد مخيف من الزمن، وسط تساؤلات: كيف تستطيع الولايات المتحدة، الابتعاد عن مثل هذه المنطقة؟! وهي تضم اغنى موارد العالم من الطاقة، والتحالف الاميركي، التاريخي والعضوي، مع اسرائيل، مما يفرض على الولايات المتحدة، في اي حال، القيام بدور قيادي في مفاوضات للسلام، او الاستمرار في حالة تقود الى الحرب.
بينما تفرض ذاتها، بعض العناصر في مجال البحث عن العلاقة المباشرة بين انقرة وواشنطن، في صورة خاصة، والعالم الغربي، في صورة عامة.
وفي هذه العلاقة، ناحيتان: استراتيجية وعسكرية. فبطاريات صواريخ الحلف الاطلسي، باتريوت، مزروعة على الحدود، مع سوريا، بينما يعتمد الاميركيون على قاعدة جوية، اكثر من مهمة، في المنطقة، اسمها تركيا.
وهناك الناحية السياسية كذلك، حيث ترى تركيا انها ملتزمة دعم الانتفاضة السورية، ولا تخفي طموحات دولة اقليمية عظمى في منطقة شاسعة، اضافة الى علاقة مع اسرائيل كانت تصل، ذات يوم، الى مرتبة الحليف.
اهمية كل هذه الامور ليست من المستوى الثانوي، ومرت مؤخراً العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، بمرحلة متلبدة، بعد ان طلبت واشنطن من انقرة، تحجيم طموحاتها في ممارسة نفوذها الاقتصادي في كردستان العراق.
ويجد البعض في ما سبق اسباباً للتفكير، في الاطار الذي حصل في الاعتداء الانتحاري، الذي لا تزال اسبابه تدور في اطار الاقتراحات التي لا تعطي اجوبة اكيدة وذات مصداقية على تساؤلاتنا.

تركيا واوروبا
وفي تركيا، نقاش من نوع آخر، حول الاستراتيجيات في البلد، والرد ليس الآن، ضبطاً: هل ان تركيا هي جزء من اوروبا؟ انه احد المواضيع الاكثر نقاشاً، اليوم، في تركيا كما في اوروبا، بعد سنوات طوال امضتها تركيا على ابواب الاتحاد، تسعى الى الانضمام اليه، ولكن عبثاً.
وفي الاسبوع الماضي، صرّح رجب طيب اردوغان، الى احدى شبكات التلفزيون التركية: «طلبت من السيد بوتين (فلاديمير، رئيس روسيا) قبولنا في مجموعة شنغهاي (الخمسة)، اقبلونا وسنقول وداعاً للاتحاد الاوروبي».
وكان الرئيس التركي يشير الى منظمة التعاون التي قامت في سنة 1996، وعرفت باسم «خمسة شنغهاي»، وضمت: جمهورية الصين الشعبية، وروسيا، وقازاخستان، وكيرغيستان، وطاجيكيستان، ولكنها اعتمدت في سنة 2001، اسم «منظمة شنغهاي للتعاون»، بعد انضمام اوزبكستان اليها، وفي ميثاق تكوينها: التعاون السياسي والاقتصادي، وفي شؤون الامن، بين الاعضاء، ولكن تكوين المنظمة من دول انظمتها القليلة الديموقراطية، شوهت صورة هذه المنظمة في نظر الدول الغربية. وفي تشرين الاول (اكتوبر)، وصف الاتحاد الدولي لحقوق الانسان، مجموعة شنغهاي بانها «وسيلة لخرق حقوق الانسان». واعتبر رجب طيب اردوغان في الحديث التلفزيوني، الذي اشرنا اليه بان مجموعة شنغهاي «افضل بكثير واقوى بكثير»، من الاتحاد الاوروبي. واردف: «ان الاتحاد الاوروبي يريد ان ينسى قضيتنا. ولكن ليست له الجرأة ليقول لنا ذلك، مع العلم اننا لن نتأثر كثيراً، اذا قال لنا ذلك، في صورة عالية وواضحة».
فاعتقد احمت اويزال، مدير مركز الدراسات للشرق الاوسط في جامعة اسكيسهير: «ان اردوغان اراد ان يبلغ الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي رسالة، لكي يتعاملا مع تركيا، كعضو متساو، في الحقوق والواجبات». ولكن اويزال يؤكد: «اذا كان اردوغان يعتقد ان الغرب لا يفعل ما فيه الكفاية، بالنسبة الى ما يجري في سوريا، فيشعر بالاحباط، ولكن ليس جدياً عندما يقول انه سينضم الى مجموعة شنغهاي». بينما يصر محللون على الحديث عن التفاوض بين انتماء تركيا الى الحلف الاطلسي وامكانية انضمامها الى مجموعة شنغهاي، التي تطرح ذاتها منافسة للحلف الاطلسي، في شؤون الامن والدفاع، والذي يحدث في هذا الوقت بالذات، ان الحلف الاطلسي عمد الى نشر بطاريات صواريخ باتريوت في جنوب تركيا، بهدف معلن، لحمايتها من احتمال وقوعها ضحية اعتداءات تنطلق من الاراضي السورية.

امل بعيد المنال
مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، بدأت في سنة 2005، ولكنها لم تحقق حتى هذه الساعة، اي تقدم يذكر، ويبقى احتمال انضمام تركيا، أملاً بعيد المنال. ومن اهم المآخذ المعلنة، كون تركيا الدولة الوحيدة في العالم، التي تدعم جمهورية قبرص الشمالية الانفصالية. والاعتداءات التي تتناقلها الصحف الاوروبية، عن خنق حريات التعبير وسائر حقوق الانسان في تركيا، بينما تجددت الامال، بحل الصراع المسلح بين حكومة انقرة وحزب العمال الكردي بعد تحريك المباحثات بين الطرفين، لحل احدى مشاكل هذه الدولة التي تواجه توترات ديبلوماسية مع دول مثل ايران، والعراق وسوريا.
ليست الحكومة التركية وحدها هي التي تشعر بالكبت تجاه الاتحاد الاوروبي، فيلاحظ اويزال بل والشعب التركي ايضاً الذي يتوقع الاكثر من الاتحاد الاوروبي، مثل الحصول على سمات دخول مجانية: «لست من الذين يعتقدون ان مسار الانضمام، مات، ولكن الشعب، كما الحكومة يطالبان باكثر، وباعتبار تركيا شريكة كاملة الحقوق».
واشارت احصاءات وضعها في كانون الثاني (يناير) «مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية الخارجية»، ان 59،5 في المئة من الاتراك، يعتقدون ان على تركيا ان تسحب طلب الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، وان 14،6 في المئة، يطالبون بان تنضم الى منظمة منافسة لاوروبا.
ولكن المركز طرح السؤال  اياه على مجموعة خبراء في السياسة الخارجية. فجاءت النتيجة معاكسة، 86،6 بالمئة منهم ردوا بان على تركيا ان تستمر في الاصرار على الانتماء الى اوروبا. وليس تصريح اردوغان، سوى واحدة من الرسائل التي يوجهها، من وقت الى آخر، الى جيرانه الاوروبيين.
وكان وزير شؤون الاتحاد الاوروبي في تركيا، ايجيمون باجيس، رد على آخر تقرير وضعته اللجنة الاوروبية، حول تركيا، وكان الاكثر انتقاداً منذ سنة 2005: «ان صحة الاتحاد الاوروبي، الجسدية والعقلية، ملعونة، بحيث انه ليس في استطاعته ان يقدم لنا المعاملة المناسبة».
وفي 31 كانون الاول (ديسمبر)، طرح الوزير باجيس، رده على تقرير الاتحاد الاوروبي، فقال: «ان العنوان التركي، يفترض رداً على العقلية الاوروبية، المريضة». وقال استطراداً: «ان مريض الامس (تركيا)، هو الذي يقدم الحلول، لاوروبا اليوم».
ففي زمن يتخبط فيه قسم من اوروبا، في ازمة (اقتصادية) عميقة، تمتع الاقتصاد التركي، على مدى السنوات العشر الماضية، بنمو قدره 5،5 في المئة في السنة، ويعيش البلد حالة قيامة وطنية لافتة.

جزء من اوروبا
ولفت  المراقبين، ان رجب طيب اردوغان، لم يذكر مسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، مرة واحدة في الخطاب الذي القاه، بعد اعادة انتخابه رئيساً لحزبه الحاكم، في ايلول (سبتمبر) الماضي، ولم يتحدث عن اوروبا، الا لانتقاد ظواهر عداء للاسلام في فرنسا والمانيا، ويقاسمه هذا الشعور، محللون وناس عاديون في تركيا.
ولكن المحللين، يأملون، في ان يتغير هذا التوجه، كما اشار تقرير مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية، واختصر احمت اويزال، الوضع: «ان تركيا تشكل جزءاً من اوروبا، منذ الف سنة، وهي قريبة من اوروبا، بالنسبة الى مواقفها وارائها حول الديموقراطية وحقوق الانسان، فالحدود لا تشير الى المكان فحسب، وانما الى الثقافة والعقلية. وحتى الى الهوية، كذلك، ولهذا، لا اعتقد ان تركيا، تقع خارج اوروبا؟
ومن «المشاكل» التي تواجهها تركيا، مع اوروبا، مسألة «الساعة»، مثلاً، فالجمهورية التركية تعتمد منذ تأسيسها في سنة 1925، توقيت «غرينويتش زائد 2» اي ساعتين اكثر من غرينويتش وساعة زائدة عن دول اوروبا الغربية. ولكنه التوقيت ذاته المعتمد في اليونان، وبلغاريا ورومانيا وليتوانيا وليتونيا، واستونيا، التي هي دول اعضاء في الاتحاد الاوروبي.
وزير الطاقة والموارد الطبيعية، التركي تانر يليديز، يدعو الى تغيير هذا التوقيت بحيث يتوافق مع المنطقة الزمنية المعتمدة في الشرق، كما اشارت جريدة «هابرتوك» في تشرين الاول (اكتوبر) الفائت. وهناك من يطالب بالاستجابة الى الدعوة السعودية بالانضمام الى التوقيت الاسلامي. وكانت السعودية، دعمت مسعاها الى اعتماد «الساعة الاسلامية»، ببناء محطة ترحيل، في مدينة مكة المكرمة، تشبه في هندستها محطة بيغ بن البريطانية، ولكنها اكبر حجماً.
وفي مجال تقربها من الشرق الاسلامي، عمدت حكومة رجب طيب اردوغان، مؤخراً، الى الغاء منع اعتماد الحجاب في الدوائر العامة

 

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق