صحة

إدمان من نوع آخر!

اذا كان هناك من يعشق اضافة «الملح والبهار» على كلامه، فان الكثيرين يزيدون المادتين على أطباقهم! واذا كان الافراط في تناول ملح الطعام يتسبب باضطراباتٍ في الأجسام، فان الإكثار من ملح الكلام قد يتسبب بخرابِ البيوت! واذا زدنا على الملح بشقيه، الشفهي والغذائي، مادة الكافيين يرتفع الضغط ويعتل الدماغ ويتأثر الادراك!! فماذا يفعل الملح والكافيين في أجسادنا؟ كيف يعملان؟ بماذا يتسببان؟ وكيف يتفاعلان مع الأذن والدماغ والقلب والجسد والأعصاب؟

عانت من الدوار الحاد. صارت تتقيأ. لم تعد تسمع. لم تعد قادرة حتى على الوقوف. ظنت أنها تعاني من مرض خطير. لم تعد تجرؤ حتى على الوقوف وحيدة. أصبحت تحتاج الى سندٍ دائمٍ، الى ابنها أو ابنتها لتتكىء عليهما خشية أن يأتي الدوار الخبيث على غفلة، وهي واقفة، فتقع وتصبح مشكلتها مشكلتين! نعت نفسها حيّة! فالدوار الطارىء المتكرر أذاها نفسياً وجسدياً، فماذا لو وقعت ارضاً وانكسر وركها؟ وماذا لو اصابها الدوار وهي تمشي على الرصيف، في الشارع العام؟ ماذا وماذا وماذا؟ ليس سهلاً طبعاً على امرأة تكاد تلامس السبعين عمراً أن تعيش رعب الدوار!
قصدت طبيب واثنين وثلاثة. دخلت المستشفى مرة واثنتين وثلاثاً. ووحده طبيب العين والأذن والأنف المدير الطبي في مستشفى قلب يسوع الدكتور نبيل مكرزل حدد الداء بارتفاع ضغط الأذن ودلّ على الدواء الذي ينطلق من الوقاية، والوقاية تبدأ بالابتعاد الكلي عن الملح والكافيين اللذين يُنبهان الأذن فتعطي إنذاراً خاطئاً بالدوار ويحصل ما يحصل!

أبيض واسود
الملح والقهوة، الكافيين والصوديوم… وماذا بعد؟
نبدأ من الأبيض حتى ولو لم تأتِ نتيجة الملح ببياض اللون. فالملح لمن لا يزال لا يعرف قد يعزز حالة احتباس المياه في الجسم ، فتحتفظ به الكليتان ويؤثر على حواس الجسم كلها ويؤدي الى التهاب الأغشية المخاطية للمعدة والامعاء والأوردة والشرايين ويُتعب الكبد والمجاري البولية ويتسبب بجفاف الجلد، وأكثر من كل هذا قد تكفي نسبة ستة غرامات من هذه المادة لزيادة امكانية حدوث الذبحة القلبية بنسبة 24 في المئة!  هذا لا يعني طبعاً ان نقول أن الملح، في المطلق، خطير، بل تليق في هذه المادة، في الملح، مقولة: قليل منه يحيي جسم الانسان أما كثرته فمدمرة! نُذكر: قليل منه لأن الإفراط به يلد كثيراً من المشكلات، بينها زيادة ضغط الأذن، ما يتسبب بالطنين والدوار.
الابيض إذاً وكما سبق وقلنا ليس جميلاً كثيراً فماذا عن الأسود، عن الكافيين، الذي يلازمنا ليل نهار؟
قرار الطبيب: ممنوع عليكِ سيدتي تناول الكافيين! تنتفض المرأة في سريرها وتجيب: وماذا أشرب؟ يجيب الطبيب: قهوة بلا كافيين. عضت المرأة على شفتيها وقبلت مطيعة، فالاختيار بين قهوة بلا كافيين وأن يظل يعاودها دوار الأذن، محسوم للخيارالأول… لكنها أرادت أن تعرف، حشرية ربما، عن القهوة العادية، عن الكافيين في القهوة، عن تأثيرات تلك المادة على الصحة.

ما يفعله الكافيين؟
ما لا يعرفه كثيرون هو ان تأثير الكافيين الموجود في القهوة والشاي قد يختلف بين إنسان وآخر، فإذا كان يحتاج بعض الأشخاص الى عشرة فناجين كافيين لتنبيه أعصابهم وأذيتها فإن آخرين قد لا يحتاجون إلا الى خمسة فناجين، فالتعميم هنا، من حيث الكمية التي تعدّ مفرطة، غير مجدٍ، فقد يكفي فنجان قهوة واحد ليُقلق حياة امرأة وقد تشرب أخرى خمسة فناجين قهوة قبل النوم وتغط في سبات عميق! لكن، في النسب، يُعد إفراطاً في تناول الكافيين إذا لامست الكمية 300 ميليغرام، اي خمسة فناجين من القهوة او عشرة فناجين من الشاي العادي. ويُنصح عادة الأشخاص الذين لديهم استعداد للإصابة بجلطة في القلب، بعدم تناول أكثر من اربعة فناجين من القهوة الفورية، النيسكافيه، اما بالنسبة الى القهوة التركية فتختلف الكمية بحسب درجة تحميص البن وطريقة الصنع.
وقبل أن ندخل في تفاصيل ما قد يصيبنا في حال أفرطنا في تناول الكافيين سنحدد بدقة ماذا قد يتحسن فينا في حال اعتدلنا في تناول هذه المادة: تزيد قدرتنا على الانتباه. تزيد قوة الذاكرة وكلنا يدرك كم أصبح النسيان، في هذه الأيام، رديفنا. تنخفض نسبة الإصابة بأمراض القلب. تزيد القوة العضلية. تزيد قدرتنا على التحمل. تنخفض نسبة إصابتنا بأمراض الكبد. وينخفض أيضاً ضغط الأذن الداخلية الذي يتسبب بطنين فيها.
كلنا نعلم بأن الكافيين يزيد الشعور باليقظة ويُنشط الجسد ويُساعد مرحلياً في التغلب على التعب ويُحسن المزاج، لكن حين يُصبح الإنسان مدمناً على هذه المادة، يشعر بالصداع حين لا يحصل عليها، يتوتر، تكون المشكلة قد بدأت، والبداية، كما هي دائماً، في المخ! فماذا تفعل مادة الكافيين في من يملكون رؤوساً؟
حتى لو ظهر الكافيين في فنجان القهوة أسود فهو من مادة، في الأصل، بيضاء، مرّة الطعم، تعمل على تعطيل مستقبلات عصبية في المخ، كما قد تلعب وظيفة «الأدينوزين»، وهي مادة يفرزها المخ وتُحفز على النوم عبر تخفيض نشاط الخلية العصبية. وتؤثر مادة الكافيين ايضاً على مادتي «الدوبامين» و«الغلوتامات» الموجودتين في المخّ، ما يعيق عمل الكثير من المواد الكيميائية. وما يهم معرفته هو ان الإنسان الذي يبدأ بشرب فنجان قهوة واحد قد يحتاج بعد فترة الى عشرة فناجين كي يحصل على المفعول عينه، على مفعول اليقظة، الذي كان يمنحه إياه الفنجان الواحد، وحينها تكون المشكلة قد اشتدت.

اسرى الكافيين
يعمل الكافيين، مثله مثل الملح، على زيادة ضغط الدم حتى عند الأشخاص الأصحاء غير أنه يزيد عند كبار السن. ويشير بعض الدراسات الى أن النساء اللواتي يفرطن في تناول الكافيين ترتفع لديهن معدلات التليف والتكيس في الثدي، كما قد تتسبب هذه المادة بزيادة في مستوى السكر في الدم، لأن المادة قد تعيق نسبة استجابة الجسم الى هورمون الأنسولين.
يحتاج الكافيين عادة الى خمس عشرة دقيقة كي يعبر في مجرى الدم ويصل الى أعلى مستوياته خلال 45 دقيقة، ولا تزول تأثيراته إلا بعد مرور أربع ساعات على الأقل، لكن، في حساب سريع بسيط، هل لكم أن تتذكروا، بالقلم والورقة، كم فنجان كافيين تشربون خلال أربع ساعات؟! كثيرون منا، في اختصار، لا يسمحون لأجسادهم بطرد الكافيين، لأنهم يشربون هذه المادة على وقع تتالي ساعات النهار بحجة شعورهم بالتعب وعدم التركيز وحاجتهم القصوى الى فنجان قهوة، غير مدركين أن حالتهم أساساً نتيجة كل تلك الكميات التي سبق واعتادت عليها أجسامهم من الكافيين. ولعلّ المشكلة الكبرى تبدأ حين لا يعود المرء قادراً على النوم بسبب كمية الكافيين العالية التي تعبر شرايينه وخلاياه يومياً فيضطر الى تناول دواء منوم، وحين يستيقظ بألم في رأسه، نتيجة الخلل في ساعات النوم يلجأ الى القهوة مجدداً ليحمي نفسه من الصداع! أي يداوي نفسه بما هو الداء حتى يصبح اسير الكافيين!
مشكلتنا إذاً تكمن في الإفراط في كل شيء، بما في ذلك في الملح والكافيين. وفي معلومة سريعة مستندة الى دراسات تشير الى ان مليار إنسان يعانون على وجه الأرض من ارتفاع ضغط الدم، الذي يصيب واحداً من كل اربعة بالغين ويُطيح أكثر من سبعة ملايين إنسان سنوياً، وصرنا نعلم ان العدوين اللدودين لضغط الدم هما الملح والكافيين.
ملح الطعام لذيذ. الكافيين إدما
ن. الملح والبهار يكادان ان يصبحا طبيعة بشرية! تُرى هل هي طبيعتنا ان نستلذ بكل ما هو مضرّ؟
المرأة استجابت الى نصيحة الطبيب واقتنعت، وها قد مرّت خمسة أشهر بلا دوار! نجحت في عدم تنبيه الأذن بإشعارات خاطئة، عبر إلغاء مادة الملح من طعامها والإكتفاء بالملح الطبيعي، الموجود في متن الغذاء الطبيعي أما القهوة فاستبدلتها بقهوة بلا كافيين، طعمها مختلف قليلاً لكنها تبقى قهوة وستعتاد عليها غداً او بعده…
نحن ايضاً، قبل ان يداهمنا دوار من أي نوع كان، علينا أخذ الحيطة والحذر، فليست السيكارة وحدها خطراً فهناك ايضاً، بلا ملح وبهار وفلسفة، خطر الملح والكافيين… فلنواجه المادتين باكراً!

 

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق