رئيسيلبنان

الانتخابات النيابية ستجري، لن تجري، ربما تجري، وربما لا…


ستجري، لن تجري، ربما تجري وربما لا… هذا هو حال الانتخابات النيابية «المحتملة» في حزيران (يونيو) المقبل، والتي من المرجح ان تشتد المناورات في شأن قانونها مع العد التنازلي لنهاية المهلة الدستورية، لدعوة الهيئات الناخبة في التاسع من الشهر المقبل. وليس بالانتخابات وحدها «يئن» لبنان، فثمة ملفات صاخبة تقض مضاجع «الوطن الهش» المترنح فوق «فوهة» التحولات اللاهبة من حوله، لا سيما في «الجارة» سوريا، الامر الذي يجعل اليوميات اللبنانية اشبه بـ «مفكرة» محشوة بالألغام.

لم تكن حادثة عرسال تشق طريقها الى المعالجة الهادئة، حتى حل الاتهام البلغاري لحزب الله بالتورط في انفجار بورغاس، ضيفاً ثقيلاً على بيروت التي ترزح تحت وطأة عناوين مثيرة في السياسة والامن والقضاء والمعيشة والاجتماع والمال…
اللجنة البرلمانية الفرعية المولجة بمناقشة قانون «إفتراضي» للانتخابات رفعت تقرير جلساتها الماراتونية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما بدت المحصلة اشبه بـ «الاتفاق على عدم الاتفاق»، الامر الذي يطلق مساراً جديداً في اللجان البرلمانية المشتركة وخارجها.
ويوحي «الاخذ والرد» في شأن القانون العتيد للانتخابات بحظوظ متساوية لإمكان إلتقاط الفرصة الاخيرة عبر التفاهم على قانون يتيح اجراء الانتخابات في موعدها، ولإحتمال التمديد للبرلمان الحالي لمدة تراوح بين ثلاثة وستة اشهر لتعذر اجراء الانتخابات في حزيران (يونيو) المقبل.
وثمة من يعتقد في هذا السياق ان المداولات «التقنية» في شأن طبيعة قانون الانتخاب تجري في ظل «حلقة مفقودة» يحتاجها الجميع لبلورة تفاهم يتجاوز الانتخابات برمتها ليشمل الحكومة المقبلة ورئيسها ورئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية ايضاً.
والمأزق، الذي قد يفضي الى تأجيل الانتخابات، يكمن في غياب اي رافعة لتفاهم من هذا النوع نتيجة الاوضاع الاقليمية، وتراجع موقع لبنان في ضوء إنخراط الجميع في الازمة السورية المفتوحة على المزيد من الاستنزاف والمراوحة، رغم الحرص الدولي على اجراء الانتخابات في لبنان في موعدها الدستوري.
ومن غير المستبعد ان تشهد البلاد عملية إعادة «شدشدة» التحالفات ومعاودة ترتيب الاولويات، وهو ما بدا واضحاً في المضمون السياسي لمهرجان احياء الذكرى الثامنة لاغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، الذي اقيم في «البيال» في 14 الجاري، حيث اكد تحالف 14 اذار على ثوابته بعد تصدع احدثه الخلاف حول قانون الانتخاب.
وفي سياق غير بعيد، من المتوقع عودة الدفء الى العلاقة بين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والمملكة العربية السعودية، وسط اجواء تؤشر الى ان الرياض تستعد لاستقبال جنبلاط بعد طي صفحة الانتكاسة التي تسببت بها مساندة الزعيم الدرزي لـ 8  اذار في انقلابها على حكومة سعد الحريري قبل نحو عامين.
ويتزامن هذا التطور مع إنفجار صاعق «داتا» الاتصالات  داخل الحكومة وبين مكوناتها، بعدما تصدى الفريق الوزاري الممثل لتيار العماد عون، لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي تجاوب مع إلحاح الجيش والاجهزة الامنية للإستجابة لحاجتها في الحصول على حركة الاتصالات الخلوية نظراً للأخطار المحدقة بالبلاد.

الجوجلة الاخيرة
سجّل الماراتون الانتخابي قبل رفع اللجنة الفرعية تقريرها الى الرئيس بري سلسلة مشاريع على قاعدة الخلط بين النظامين الاكثري والنسبي، ولكن من دون نجاح بعدما راحت  المشاريع تتساقط تباعاً، وكان آخرها مشروعان لحزبي الكتائب والقوات اللبنانية، اضافة الى المشروع – المفاجأة الذي قدّمه تيار المستقبل من خارج مبادرة الرئيس سعد الحريري، ووافق فيه للمرة الاولى على مبدأ النسبية الذي رفضه بالمطلق في ظل السلاح مقترحاً ان تكون للنظام الاكثري حصة 70 بالمئة (على اساس 37 دائرة) والاكثري 30 بالمئة (على اساس خمس محافظات وتقسيم جبل لبنان الى دائرتين)، في وقت لم تمر مشاريع سابقة للحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة التنمية والتحرير.
ومع انتهاء المهلة الزمنية لعمل اللجنة من دون التوصل الى مفاجأة تَوافُق اللحظة الاخيرة، يفترض ان يكون رئيس البرلمان قد احال مجمل الملف والمشاريع على اللجان المشتركة التي حُددت لها ابتداء من 18 شباط (فبراير) جلسات متعاقبة كثيفة في اطار الجولة الختامية من مسار قانون الانتخاب المفتوح على المزيد من الفصول الغامضة، علماً بأن كل ما يجري بات يُدرج في خانة التمهيد لتأجيل الانتخابات النيابية، وهو تأجيل يحتاج الى سيناريو سياسي واسع وتحضير المخارج التي تبرّره سياسياً وقانونياً.
وفيما كان قانون الانتخاب يدخل عنق الزجاجة، كانت مشكلة «داتا» الاتصالات تنفجر في علاقة الودّ الملغوم بين رئيس الحكومة ووزير الاتصالات نقولا صحناوي ومن خلفه العماد ميشال عون، بعدما رفض صحناوي استجابة طلب ميقاتي تسليم قيادة الجيش وقيادة قوى الامن الداخلي عدداً من طلبات «الداتا» وافق عليها رئيس الحكومة وفق الاصول.
وحملت جهات وزارية قريبة من ميقاتي والقوى الوسطية في الحكومة على وزراء التكتل العوني، معتبرة انهم اختاروا الحكومة تحديداً ورئيس الحكومة خصوصاً ميداناً جديداً للعبة الشعبوية والمزايدات الانتخابية التي يندفع التكتل وراءها بقوة. وتبعاً لذلك، تمسك ميقاتي بعدم التساهل امام ما اعتبره محاولة النيل من صلاحيته من جهة وكذلك بضرورة تسليم «داتا» الاتصالات المطلوبة من الاجهزة باسرع وقت، الى حد انه حمل صحناوي علناً مسؤولية اي خلل امني طارىء قد يحصل نتيجة رفض الوزير تسليم «الداتا» معلناً: «أنا لا أعمل إلا تحت سقف القانون وما يمليه عليّ، وعلى الوزير التنفيذ وليس الاعتراض»، وهو الامر الذي ردّ عليه رئيس تكتل التغيير والاصلاح معتبراً  «ان الوزير هو المسؤول الوحيد عن وزارته والتدخل بالوزارات مخالف للدستور».
وبدا واضحاً ان عودة ملف «الداتا» الى واجهة الاهتمامات الحكومية، نجم عن تداعيات حادث عرسال، وسط اعتبار اوساط سياسية ان اندفاعة العماد عون في هذا المجال محكومة بعاملين «يفرملانها» وهما: ان رئيس الحكومة يلبي طلبات اساسية للجيش اللبناني حصراً الذي يخوض التيار الحر معركة دعمه، ما يجعل اعتراض وزيره في موضوع «الداتا» وكأنه في وجه ما تطلبه المؤسسة العسكرية. والعامل الثاني هو ان حليف العماد عون اي حزب الله لا يمكنه الذهاب بعيداً في تحدي وإضعاف رئيس الحكومة الذي يحتاج اليه الحزب لضمان بقاء الستاتيكو على حاله ولا سيما في ظل الاتجاه الى التمديد للبرلمان.

مياه باردة في عرسال
وفي موازاة ذلك، كان ملف عرسال يتجه الى احتواء سياسي وميداني عبّرت عنه التطورات الآتية:
ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على 34 شخصاً في أحداث عرسال بينهم موقوفان و25 شخصاً معروفة هوياتهم، فيما يجري العمل على كشف هوية الآخرين، في جرم قتل ضابط ومساعده ومحاولة قتل آخرين وسلبهم آليات عسكرية وحرقها والتعدي على الجيش، سنداً الى مواد تصل عقوبتها الى الاعدام. وأحالهم الى قاضي التحقيق العسكري الاول طالباً التحقيق معهم والاستماع الى افادة رئيس البلدية علي الحجيري بصفة شاهد يصار في ضوئها الى اتخاذ القرار القانوني المناسب.
الانطباع بان تحرك القضاء العسكري  وخفض عدد المطلوبين الى 34 بعد التداول برقم تجاوز المئة وعدم ملاحقة رئيس البلدية يأتي من ضمن المناخ الذي اشاعته المبادرة التي عمل عليها تيار المستقبل لإنهاء ملف عرسال بما يحفظ هيبة الجيش ويقطع الطريق على عقاب جماعي للبلدة.
وعُلم ان مبادرة المستقبل التي حملها وفد منه الى عرسال ثم الى قيادة الجيش (معزياً) تتضمن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تكشف حقيقة ما جرى وتحديد المسؤوليات، مع التزام أهالي عرسال بنتائج ما تتوصل إليه لجنة التحقيق ورفع هؤلاء الغطاء عن كل متهم والتزام تسليمه الى الجهات القضائية المختصة.
تأكيد رئيس الجمهورية خلال استقباله عائلة المؤهل اول ابرهيم زهرمان «ان الاعتداء على الجيش غير مقبول مهما تكن المبررات»، مشدداً على «ان العدالة ستأخذ مجراها في هذا الموضوع حتى النهاية احقاقاً للحق ووفاء لدماء الشهداء».
حسم قائد الجيش العماد جان قهوجي ان «لا صحة للأنباء المتداولة عن استعمال آلات حادة لتشويه جثث العسكريين»، في موقف وضع عبره حداً لسيلٍ الروايات «التحريضية» التي رافقت وأعقبت حادث عرسال الذي أطلق العنان لسيناريوهات تداولتها وسائل اعلام قريبة من 8 آذار وتحدثت فيها عن تمثيل بجثتيْ الرائد بيار بشعلاني والمؤهل اول زهرمان وقتْلهما بطريقة وحشية بالفأس.

بلغاريا على الخط
ومن خلف خطوط الاشتباك الداخلي، شكّل اتهام بلغاريا رسمياً حزب الله بالوقوف وراء التفجير الارهابي الذي  وقع في 18 تموز (يوليو) الماضي في بورغاس على البحر الأسود وأدى إلى مقتل خمسة سياح إسرائيليين ومواطن بلغاري إرباكاً للحكومة اللبنانية التي رغم مسارعة رئيسها الى الإعراب عن استعداد بيروت لـ «التعاون مع الدولة البلغارية لجلاء ملابسات هذا الأمر إحقاقاً للحق وصوناً للعدالة» ثم «تغطية» رئيس الجمهورية هذا الموقف، فانها بدت امام ملفٍ أنذر بتداعيات على واقعها وعلاقاتها بالمجتمع الدولي، ولا سيما في ضوء الضغط الاميركي والاسرائيلي على الاتحاد الاوروبي لـ «تسييل» هذا الاتهام بإدراج مكوّن اساسي فيه، اي وضع حزب الله، على لائحة المنظمات الارهابية، من دون إغفال التفاعلات السياسية لهذا التطور على مستوى الوضع الداخلي اللبناني الذي وجد عنواناً جديداً لتكريس الاصطفافات وتعميق الاحتقانات.
ورغم إدراك لبنان فداحة «الضرر» الذي لحق به بمجرّد توجيه «الاتهام» لحزب الله بالتفجير في بلغاريا من  خلال  «تمويل شخصين ينتميان اليه وأحدهما منفذ التفجير وكان بحوزتهما جوازات سفر كندية وأسترالية»، فقد بدا وكأنه يحاول التخفيف من وطأة هذا الحدَث، سواء من خلال انتظار ثبوت التهمة وصدور الحكم، او عبر التوقف عند ان السلطات البلغارية اشارت الى تورّط الجناح العسكري لحزب الله في الجريمة، الامر الذي اعتُبر  بمثابة «نافذة» أُبقيت مفتوحة للقيادة السياسية للحزب ولاستكمال التحقيق بالتعاون مع السلطات اللبنانية التي لم تُشر الى «حدود» وآليات التعاون في هذا الملف.
ومع تراجُع حظوظ بلوغ إجماع هو «شرْطي» لإدراج الاتحاد الاوروبي حزب الله على لائحة الارهاب، كما طالبت واشنطن واسرائيل، فان الاتهام البلغاري فعل فعله على المستوى اللبناني مع تحوّله ورقة في يد خصوم حزب الله المحليين، اي قوى 14 آذار، لـ «إطلاق النار» السياسي عليه، وسط معلومات عن ان مسارعة رئيس الحكومة الى إبداء استعداد بيروت للتعاون أثارت استياء الحزب الذي عاد وخرج غامزاً من قناة اسرائيل والولايات المتحدة في هذا الاتهام، وهو ما بلوره في 16 الجاري السيد حسن نصرالله، في مقابل وضع اوساط اخرى موقف ميقاتي في اطار «سحب ذريعة» من امام الذين «يكمنون» لحكومته، وتالياً مخاطبة المجتمع الدولي بـ «لغته»، وهو الامر الذي يتفهّمه حزب الله وسبق ان غضّ النظر عنه في محطات عدة ابرزها تمويل المحكمة الدولية التي اتهمته باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وفيما راحت دوائر مراقبة تتحدث عن المحاذير التي تأخذها فرنسا والمانيا خصوصاً بالاعتبار في تعاطيهما مع ادراج حزب الله على لائحة الارهاب والتي تراعي في جانب اساسي منها وجود كتيبتين لهما عاملتين في قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان اي ضمن “بيئة” حزب الله، من دون اغفال ان الانخراط الفرنسي في مالي بوجه الجماعات الاسلامية المسلحة لا يسمح لها بفتح «جبهة» جديدة وإن ديبلوماسياً وسياسياً يمكن ان تستدرج اليها «اعداء» اضافيين بما يهدّد مصالح حيوية لها في لبنان والمنطقة، برز تسلّم لبنان مذكرة رسمية من بلغاريا تضمنت طلب التعاون الامني في شأن الشخصين اللذين ينتميان الى حزب الله.
ونقل القائم بأعمال السفارة البلغارية في بيروت بلامن تزولوف الى وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور المذكرة المقرونة بالملف الكامل لتفجير بورغاس الموجه من وزارة العدل البلغارية الى وزارة العدل اللبنانية.

القضاء في الصدارة
لم تكن بلغاريا وحدها التي تؤرق حزب الله، اذ بعد 11 يوماً على ادعاء مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على احد كوادره المدعو محمود الحايك بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب بتفخيخ المصعد في المبنى حيث يقع مكتبه للمحاماة في بدارو في 5 تموز (يوليو) الماضي، مضى القضاء العسكري في ملاحقة الحايك في هذا الملف اذ أصدر  قاضي التحقيق العسكري فادي صوان مذكرة توقيف غيابية بحقه «بسبب عدم العثور عليه»، الامر الذي عكس جدية في التعاطي القضائي مع هذه القضية التي انفجر على خلفيتها سجال بين حرب ومدعي عام التمييز القاضي حاتم ماضي الذي طلب رفع الحصانة عن نائب البترون.
وفي سياق آخر، اقتربت «الحلقات» القضائية في ملفّ الوزير السابق ميشال سماحه ومدير مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي مملوك ومعاونه العقيد «عدنان» من الاكتمال وصولاً الى قوس المحاكمة، مع إبداء مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي صقر صقر مطالعته في القضية، طالباً اتهام كل من سماحه ومملوك بـ «التخطيط للقيام بأعمال ارهابية عبر التفجير وتجهيز عبوات ناسفة ومتفجرات ونقلها من سوريا الى لبنان لوضعها في اماكن عامة وخلال احتفالات في مناسبات رمضانية بهدف اغتيال نواب ورجال دين وسياسيين» وذلك سنداً الى مواد تنص عقوبتها على الاعدام.
وبهذا التطور غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين لبنان وسوريا التي اتخذت منحى جديداً منذ بدء الأزمة السورية ثم بروز هذا الملف الذي سبق ان ربط رئيس الجمهورية ميشال سليمان بين كشفه في آب (اغسطس) الماضي واغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي العميد وسام الحسن في 19 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، عادت قضية سماحه – مملوك الى «السكة» التي انطلقت منها قضائياً وذلك بعد «شكوك» كانت ارتسمت حيال امكان حرف الملف عن مساره الاساسي.
فقد جاءت مطالعة صقر (طلب تسطير مذكرة تحر دائم توصلاً الى معرفة كامل هوية مدير مكتب مملوك العقيد عدنان) التي أحالها على قاضي التحقيق العسكري الاول رياض ابو غيدا لاصدار القرار الاتهامي بناء عليها واحالة الملف والمدعى عليهم على المحكمة العسكرية الدائمة للمحاكمة، بعد اسبوع على اصدار ابو غيدا مذكرة توقيف غيابية في حقّ مملوك اكتفى الإعلام بربْطها بـ «جرم نقل اسلحة من سوريا الى لبنان»، الامر الذي اثار في حينه خشية في الاوساط السياسية من ان يكون هذا هو الاطار الذي سيحكم هذا الملف وصولاً الى صدور القرار الاتهامي، اي «تقزيم» القضية بما يتيح تخفيف الحكم على سماحه الى الحد الادنى و«تنفيس» القضية برمّتها، ولا سيما بعد طلب استدعاء «المخبر الملك» ميلاد كفوري للاستماع اليه بصفته شاهداً ثم غض النظر عن الطلب بعد رفض الاجهزة الامنية «رفع السرية» عنه.
الا ان مطالعة القاضي صقر أسقطت عملياً كل هذه المخاوف بعدما استندت الى الادعاء الاساسي الذي كان صدر في اب (اغسطس) الماضي على سماحه ومملوك والعقيد عدنان بتهمة «إقدامهم على تأليف عصابة مسلحة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والاموال والنيل من سلطة الدولة توصلاً إلى إثارة الاقتتال الطائفي عبر التحضير لتنفيذ اعمال ارهابية بواسطة عبوات ناسفة (في عكار – الشمال)، والتخطيط لقتل شخصيات دينية وسياسية ودس الدسائس لدى مخابرات دولة اجنبية»

فؤاد اليوسف

 


كادر
14 آذار تجنّبت «فتح النار» عليها و8 آذار تلقّفتها
زيارة الراعي لسوريا… «دويّ» بلا أصداء
بدا واضحاً في بيروت وجود «كلمة سر» جعلتْ زيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشاره بطرس الراعي لدمشق، حيث شارك في مراسم تنصيب يوحنا العاشر اليازجي بطريركاً لانطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس، تمرّ بأقلّ قدر من «الصخب» الاعتراضي رغم التململ الكبير الذي قوبلت به في صفوف قوى 14 آذار التي سجّلت عبر بعض شخصياتها وأوساطها رفضاً للزيارة، سرعان ما تمت «فرْملته» كي لا ينزلق الى مناخٍ يفيد منه خصومها في الداخل والخارج.
ففي اعقاب بعض المواقف الاعتراضية بـ «المفرّق» من شخصيات في  14 آذار، مسيحية ومن كتلة المستقبل، على زيارة الراعي وهي الأولى لبطريرك ماروني إلى سوريا منذ 70 سنة، برز «تأطير» لهذا المناخ عبر حصره بتحليلات وقراءات مع تفادي اي تصريحات من قادة الاحزاب او نواب غير مسيحيين، وسط تقارير اشارت الى ان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أوعز الى أعضاء تكتله البرلماني تفادي التطرّق الى الموضوع خشية ان يتم استثمار اي موقف في هذا الاطار للإمعان في محاولات إحداث شرخ طائفي داخل 14 آذار وايضاً تلافياً لأي «هدايا مجانية» في هذا السياق يمكن تقديمها للنظام السوري.
اما القادة المسيحيون في 14 آذار، فبقوا على حذرهم في «فتح مواجهة» مع رأس الكنيسة، وسط انطباع بان  زيارة الراعي لدمشق وإن كان من الصعب فصل السياسة عن الدين فيها نظراً الى «اللحظة السوريّة» التي حصل فيها حفل التنصيب والى طبيعة الحشد الذي اجتمع برعاية وحماية امنية من نظام الرئيس بشار الاسد، الا انها لن تقدّم او تؤخّر في رفد هذا النظام بمقوّمات بقاء او صمود اضافية باعتبار ان هذا الامر باتت ظروفه عسكرية وديبلوماسية بالكامل وأبعد عن مثل هذه «الشكليات».
ورغم ذلك، بقيت القراءات والتأويلات لزيارة الراعي داخل اوساط 8 و14 آذار عاكسةً دلالاتٍ تلاقي هواجس كل منهما ازاء الازمة السورية وإسقاطاتها لبنانياً.
ففي دوائر 14 آذار، توقُّفٌ عند احتضان النظام السوري لمحطة تنصيب البطريرك اليازجي من «ألفها الى يائها» كما لزيارة الراعي، وخلاصات بان الامر عكس البُعد الذي وفّرته هذه المناسبة للرئيس الأسد لتظهير الصورة التي طالما سعى الى ترسيخها على انه «حامي الاقليات» وموفّر الامان لها، فيما كانت بيروت تشهد ارتسام ملامح فرز خطير تُشتمّ منه محاولة اللعب على وتر «خطر داهم» على المسيحيين مصدره التطرف السني الذي تخشى  هذه الاوساط من وجود اتجاه لـ «نفخه» وحتى «استيلاده» في سياق لعبة قديمة – جديدة ذات جذور اقليمية وامتدادات لبنانية تسعى الى تصوير النظام السوري وايران و«أذرعهما» لبنانياً على انهم «حماة» المجموعات الطائفية الأقلّوية وان «البعبع» الاصولي «يكمن على الكوع» انطلاقاً من مجموعة مظاهر جرى استثمارها طائفياً حتى النهاية كما حصل مع حادث عرسال.
وتبعاً لذلك، لاحظت الدوائر نفسها حرص النظام السوري، على مواكبة زيارة البطريرك الراعي عن كثب وإحاطتها برعاية رسمية شملت ايضاً حفل تنصيب البطريرك اليازجي الذي حضره وزير الدولة منصور عزام ممثلاً الرئيس الاسد ورئيس مجلس الشعب ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد وعدد من الوزراء، متوقفة عند مواقف البطريرك الراعي التي اعتبرتها «متحيّزة» للنظام ولا سيما باعلانه أن الإصلاحات وحقوق الإنسان لا تساوي نقطة دم تسيل من مواطن بريء، او  قوله: «إن الازمة تتعلق باصلاحات فقط وهذه لا تقر من الخارج»، ومستغربة التصفيق من رأس الكنيسة المارونية عند ذكر اسم الرئيس السوري كما «الدردشة» وقوفاً بينه وبين فيصل المقداد.
في المقابل، وضعت اوساط 8 آذار الزيارة «الشجاعة» للراعي في سياق كسر الحدود النفسية التي كانت تفصل البطريركية المارونية عن دمشق، والتعبير عن رغبة الكنيسة في تنقية الذاكرة وتجديد التواصل مع المسيحيين السوريين، وإعادة ترتيب الأولويات على قاعدة أن الهمّ الاساسي في هذه المرحلة هو حماية المسيحيين في لبنان وسوريا والمنطقة من خطر المد التكفيري، غامزة من قناة ان هذه المحطة جاءت بطلب فاتيكاني.
وفي موازاة ذلك، تمسّكت مصادر كنسية بالطابع الديني للزيارة ، موضحة «ان البطريرك عضو في مجمع الكنائس الشرقية لدى الكرسي الرسولي، وقد كلفه الفاتيكان توثيق العلاقة مع الكنائس الشرقية. ولهذه الغاية، زار كنائس مصر والعراق والهند في مناسبات دينية، ولا يعقل ان يتم تنصيب بطريرك للروم الارثوذكس في البلد الجار للبنان ولا يشارك فيه، خصوصاً ان قسماً كبيراً من رعيته الارثوذكسية هم من اللبنانيين».
وأوضحت المصادر ان الراعي سيزور بغداد قريباُ للمشاركة في تنصيب بطريرك الكلدان. وفي مفكرته زيارة لموسكو تستمر أربعة أيام لإعلان شركة توأمة بين الكنيسة المارونية والكنيسة الروسية الارثوذكسية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق