سياسة لبنانية

لبنان: صراع وجود وتحديات

يعيش اللبنانيون بين الهواجس، ويظهر انهم اعتادوا عيش الكوابيس. احياناً يرقصون بين القبور، فيما الامواج الاقليمية تتلاطم حولهم، وتطوقهم التحديات الاساسية، سياسية وامنية واقتصادية وديمغرافية، واخطرها الوجودية، بفعل تنامي الصراع المذهبي، وغياب اي رؤية مسيحية للدور والمكانة، واكتفاء الزعماء المسيحيين بأداء الدور الاضعف لهم منذ قرون، وهو دور سلطوي بامتياز، يبدو كبدل عن غياب استراتيجيا الصمود في مشرق التحديات.

يصارع لبنان التطورات المتلاطمة في كل جبهاته:
أ- من الخارج، مع استمرار تداعيات المسألة السورية، ومع تنامي التهديدات الاسرائيلية المترافقة مع الاتهام البلغاري لحزب الله وجناحه العسكري بالتفجير الذي استهدف سياحاً اسرائيليين في ساحة مطار بورغاس على ضفة البحر الاسود في تموز (يوليو) 2012، وادى إلى مقتل خمسة منهم، الى جانب بلغاري واحد والانتحاري نفسه.
وأخطر التهديدات الاسرائيلية ما أعلنه قائد وحدة «ناحل» يهودا فوكس، في أول تصريح علني لمسؤول كبير في الجيش الإسرائيلي، عن «ضرورة حصول حرب ثالثة مع لبنان، تكون قادرة على تحطيم قوة حزب الله وتدمير البنى التحتية لترسانته الصاروخية، ومن ثم ضمان الهدوء لفترة طويلة على الحدود الشمالية».
وكان فوكس يتحدث لدى وصول عناصر وحدته للإستعداد لحملة تدريبات واسعة سيجريها لأيام عدة وتحاكي في مركز سيناريوهاتها احتلال بلدة في جنوب لبنان، فأشار الى ان حزب الله يحصل على صواريخ متطورة وبعيدة المدى من سوريا بهدف استخدامها ضد إسرائيل، وإزاء تعزيز القدرات العسكرية لحزب الله وخطره على أمن اسرائيل، وفي ظل سوريا مفككة، لا بد من خطوات لإزالة هذا الخطر»، مضيفاً: «من جهتنا في الجيش لا نستهين بقوة العدو وقدراته، لكننا ندرك أننا أقوى منه، وأن الهدف من الحرب الثالثة ليس تدمير آخر مدفع لدى حزب الله إنما شل قوته العسكرية ومنعه من التفكير في حرب ضد اسرائيل». وأوضح أن «اسرائيل لا تخطط لحرب على لبنان أو لاجتياحه، لكن حزب الله هو الذي يواصل استعداداته وتدريب عناصره لضرب اسرائيل»، معتبراً أن «أفضل وسيلة لمواجهة هذا الخطر وضمان الهدوء هو اجتياح البلدات التي يسيطر عليها حزب الله والقضاء على البنى التحتية لترسانته الصاروخية». وأشار إلى أن «المواجهات المقبلة مع لبنان تركز على قصف جوي مكثف يضمن تدمير قواعد الصواريخ ومخابىء المقاتلين، ومن ثم تقوم وحدة «ناحل» مع قوات اليابسة باجتياح البلدات وحسم المعركة».

ب- من الداخل حيث الاستحقاقات والتحديات تتناسل كالفطر. فالانتخابات النيابية العامة في مهب الريح، مع استمرار غياب بوادر امكان التوصل الى قانون انتخاب يجمع عليه اطراف الازمة. والاحتكاكات الديمغرافية – المذهبية على اشدها، في كل مناطق التماس، تارة على خلفية الذاكرة المحتقنة بالاختلافات والدماء، وطوراً على خلفية دور متوهَّم في الازمة السورية.

تبعات التصعيد
في هذا السياق، ينبّه تقرير بحثي صادر عن مجموعة الازمات الدولية، أن «الخوف من تبعات التصعيد في لبنان ليس سوى حبل واهن لا يصلح لتعليق الآمال عليه، إذ إن كل الديناميكيات اللبنانية تشير في الاتجاه الخطأ. تصاعد المواجهات المذهبية، مع ما يصاحب ذلك من مخاطر تصاعد العنف الطائفي وانتشاره. ويتمثل احد المخاطر الأكثر إلحاحاً في تلاشي قدرة القوى السياسية المهيمنة على السيطرة على جماهيرها التي تبدو في حال استقطاب متزايد، اذ إن تفاقم حال انعدام الأمن وضعف الدولة يدفعان كثيرين الى تسوية الأمور بأيديهم، مما ينعكس في عمليات الخطف المتبادلة ونصب الحواجز التي تعوق التنقل على الطرق العامة الحيوية».

مخاطر
ويلحظ التقرير انه «سيكون من الخطأ الاستنتاج بأن لبنان نجح في تجنب هذه المخاطر، ذلك أن الوضع يبقى هشاً وغير مستقر. ومن دون وجود حكم مركزي قوي قادر على التحكم بالأحداث، فإن صراعاً عنيفاً قابلاً للتوسع سينشأ في مناطق محدودة. لقد أظهر الائتلافان الرئيسيان محدودية قدراتهما على السيطرة على جمهورهما الأكثر عنفاً وغضباً واضطراباً. كما أن لبنان لا يزال عرضة لتدخلات خارجية».
ويلفت الى انه «على المدى البعيد، على لبنان التأقلم مع حصيلة صراع ستكون له تداعيات هائلة عليه وسيؤثر بعمق في كل القضايا المحورية التي طالما شغلت البلاد من العلاقات مع إسرائيل، إلى وضع الأقليات (خصوصاً المسيحيين والعلويين)، إلى الانقسام بين السنة والشيعة، إلى التنافس الخليجي –  الإيراني، إضافة إلى صعود وتنامي قوة الإسلاميين. أضف إلى ذلك التداعيات المادية للانتفاضة السورية، التي تسببت بضغوط كبيرة على الاقتصاد اللبناني الضعيف أصلاً».
ويعتقد ان «اللاعبين السياسيين اللبنانيين تقليدياً أبدوا لا مبالاة ازاء الأسباب العميقة لاستمرار انعدام الاستقرار في البلاد والتي تتمثل بطبيعة بنية النظام من مثل التوزيع الطائفي للسلطات والامتيازات، والتي تؤدي في معظم الأحيان إلى الشلل، وفي أسوئها إلى الاقتتال، وتناقضات تحالفاتهم الخارجية إذ اتجه البعض نحو «محور المقاومة» وتحالف آخرون مع الغرب، وطبيعة النظام الاقتصادي الموجه نظرياً نحو صناعة خدمات عالمية وحديثة، وعملياً يتركز على أشكال قديمة من الرعاية والمحسوبية والفساد والواسطة. مثل هذه المقاربة، باهظة الثمن دائماً، وستكون أكثر كلفة في أعقاب الزلزال الاستراتيجي الذي ستحدثه حصيلة الصراع في سوريا – أياً كانت النتيجة – ستُخرج هذه التسوية إلى السطح عدداً من القضايا التي لم تتم تسويتها في وقت لن يكون فيه اللاعبون اللبنانيون المحليون في موقع يمكّنهم من الخروج بحلول وسط، أو التفكير بحلول عقلانية أو فعل أي شيء باستثناء تمترس كل طرف في موقعه».
ويشير الى ان «نطاق تأثير تطورات الصراع في سوريا على لبنان غير مؤكد، إلاّ أن الجواب المختصر هو أن هذا التأثير سيكون كبيراً.  والتراخي في وجه عاصفة آتية أمر مفهوم لكنه قصير النظر، إذ إن تداعيات الصراع في سوريا، حالما أتيح الوقت لاستيعاب التحولات الجارية، ستكون دراماتيكية ووحشية ومزعزعة للاستقرار على الأرجح».

حكومة
ويخلص التقرير الى مجموعة من التوصيات، لـ «منع تصاعد العنف على المدى القصير».
 إلى الأحزاب السياسية اللبنانية:
1- ان تشكل حكومة جديدة تتمتع بالخصائص الآتية:
أ- تتكون من تكنوقراط ليسوا أعضاء في تحالفي 8 أو 14 آذار، يلتزمون عدم الترشح في الانتخابات البرلمانية عام 2013.
ب- تحضّر لانتخابات عام 2013.
ج- تلتزم عدم تصويت لبنان على كل القرارات المتعلقة بسوريا في الأمم المتحدة، والجامعة العربية وغيرهما من المنظمات الإقليمية والدولية.

2- التزام إجراء تحقيق سريع ومستقل وشامل في اغتيال (اللواء) وسام الحسن، ربما بمساعدة تقنية دولية إذا دعت الحاجة.

3- السعي الى عزل لبنان عن آثار الصراع في سوريا من خلال القيام، بين أشياء أخرى، بما  يأتي:
أ- الإحجام عن الانخراط المباشر في ذلك الصراع.
ب- حماية القرى الحدودية، ربما عبر انتشار أكثر قوة للجيش اللبناني مصحوباً بتواصل قوى 8 و14 آذار مع حلفائهما في سوريا لإيقاف عمليات قصف الجيش السوري واستعمال المتمردين السوريين لهذه المناطق لتهريب الأسلحة والمقاتلين.
ج- ضمان ظروف معيشية مناسبة للاجئين السوريين بتزويدهم بالمساعدات الإنسانية، ووضع قواعد واضحة لتعامل الأجهزة الأمنية مع المواطنين السوريين ومنع الاعتقال العشوائي أو ترحيل المعارضين إلى سوريا، ومحاسبة اللبنانيين الضالعين في عمليات الاختطاف، والاعتقال غير القانوني أو سوء معاملة السوريين.

النأي
إلى دول المنطقة والمجتمع الدولي:
1- القبول بسياسة النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة الحالية وأي حكومة مستقبلية، والامتناع عن الضغط على لبنان لتبني موقف أكثر حزماً لمصلحة النظام السوري أو لمصلحة المعارضة.

2- الامتناع عن استخدام الأراضي اللبنانية لتمرير الأسلحة من سوريا واليها.

3- مساعدة اللاجئين بزيادة التمويل الممنوح لمكتب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وللمنظمات الدولية والوطنية.

إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية:
1- تقديم الدعم الإنساني إلى العائلات اللبنانية الأفقر وإلى العائلات التي تستضيف اللاجئين في مناطق وجودهم المكثف.

2- إشراك الطوائف اللبنانية في دعم اللاجئين السوريين بتنظيم برامج إغاثة تطوعية.

اما لمعالجة القضايا بعيدة المدى التي يمكن أن تؤدي إلى الصراع أو إلى تصاعد التوترات في لبنان، فيوصي التقرير الأحزاب السياسية اللبنانية بالآتي:
1- ضمان وجود إجراءات قضائية فورية لمعالجة قضايا السجناء الإسلاميين المحتجزين إلى أمد غير محدود.

2- معالجة الصراع بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة في طرابلس بنشر الجيش بين المنطقتين، واعتقال رجال الميليشيات الضالعين في الأفعال الاستفزازية أو في ممارسة العنف، وتحسين الخدمات الأساسية، خصوصاً التعليم.

3- تعزيز دور وقدرة الجيش، خصوصاً بسحب أية حماية تقدمها القوى اللبنانية لأنصارها الذين ينتهكون القانون


طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق