سياسة عربية

نجاد يتعرض في مصر لرفع الحذاء في وجهه

بدا واضحاً ان كلاً من مصر وايران حاولتا جاهدتين توظيف الزيارة «التاريخية» التي قام بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى القاهرة، كل لخدمة مصلحته. فمع ان الزيارة اندرجت تحت عنوان المشاركة في القمة الاسلامية التي استضافتها مصر خلال الاسبوع الفائت، الا انه جرى تسويقها كزيارة مستقلة، سعى الطرفان اليها بالمستوى عينه من الرغبة، ووظفاها كل في مسار يخدم مصلحته الخاصة.

الزيارة التي جرى الترتيب لها جيداً من خلال وفدين ايراني ومصري، ناقشت ملف العلاقات المقطوعة بين الجانبين منذ اندلاع ثورة الخميني عام 1979. وسعى كل فريق الى البحث في سبل الاستفادة من تلك الجفوة في تعزيز مكاسبه السياسية والاقتصادية وغيرها. فايران كانت وما زالت تسعى للعودة الى المنطقة من اكثر من زاوية وخصوصاً العوامل الدينية، التي ترغب بتقديمها على اساس انها جزء من الحالة الدينية للمنطقة، وليست نشازاً عنها. وكذلك من البوابة الاقتصادية حيث تواجه اشكالية عدم الرغبة في تعزيز التعاون معها من قبل العديد من دول المنطقة. اما مصر التي تحمل شعار الدولة الاسلامية فترى انه يمكن تعزيز التعاون الاقتصادي اولاً وقبل كل شيء مع ايران خصوصاً وانها باتت تعاني من اشكاليات اقتصادية واضحة المعالم.
الا ان الطرفين يتوقفان عند جملة من الهواجس، في مقدمتها الهواجس الامنية، والنفور الخليجي من اي تعاون اقليمي معها بحكم الخلافات التي تحكم الطرفين، وفي مقدمتها تهمة التدخل في الشؤون الخليجية اولاً، والعربية ثانياً.
فقد وصل الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى مصر في أول زيارة يقوم بها رئيس للجمهورية الاسلامية منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 وهو ما يشير الى اتجاه لرأب الصدع بين البلدين منذ أن انتخب المصريون رئيساً اسلامياً لهم. وكان الرئيس المصري محمد مرسي في استقبال أحمدي نجاد فور هبوطه من طائرته في مطار القاهرة. وسار الرئيسان على بساط أحمر وصافح أحمدي نجاد مستقبليه من كبار الشخصيات وعلت وجهه ابتسامة. وقال نجاد قبل بدء زيارته لمصر، ان الجغرافيا السياسية في المنطقة ستتغير اذا اتخذت ايران ومصر موقفاً موحداً بشأن القضية الفلسطينية. وعبر الرئيس الايراني عن رغبته في زيارة قطاع غزة الذي تديره حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس).

محادثات رسمية
الرئيس المصري من جهته، عقد جلسة محادثات مع نظيره الايراني تناولت آخر المستجدات على الساحة الاقليمية وسبل حل الازمة السورية لوقف نزيف دماء الشعب السوري دون اللجوء للتدخل العسكري. كما بحث في سبل تدعيم العلاقات بين مصر وايران.
ومن جانبه طالب شيخ الازهر احمد الطيب الرئيس الايراني بعدم التدخل في شؤون دول الخليج، وباحترام البحرين كدولة عربية شقيقة. واكد رفضه للمد الشيعي في بلاد اهل السنة والجماعة.
وقال الازهر في بيان في اعقاب الاجتماع الذي ضم الاثنين، ان الإمام الأكبر طالب احمدي نجاد بضرورة العمل على إعطاء أهل السنة والجماعة في إيران، خصوصاً في إقليم الأهواز، حقوقهم الكاملة كمواطنين. وفي مؤتمر صحافي عقده الرئيس الايراني مع وكيل الازهر الشيخ حسن الشافعي عقب الاجتماع، اعرب الرئيس الايراني عن امله بان تكون الزيارة باباً لتبادل الزيارات بين كبار المسؤولين في البلدين، مؤكداً انه وجه الدعوة الى علماء من الازهر لزيارة ايران، معلناً انهم قبلوا الدعوة.
الى ذلك، سعى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو الى طمأنة دول الخليج بان التقارب بين القاهرة وطهران لن يجري على حساب امن هذه البلدان. وقال الوزير المصري على هامش اجتماع تحضيري لقمة منظمة التعاون الاسلامي حضرها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان علاقات مصر بأي دولة لن تكون ابداً على حساب امن دول اخرى. واضاف ان امن دول الخليج بالتحديد هو خط احمر لها ولن تسمح بالمساس به أبداً. وبينما تعرض نجاد الى محاولة للقذف بالاحذية لدى زيارته الى احد المواقع، وصفت الدعوة السلفية تلك الزيارة بـ «السقطة للدبلوماسية المصرية»، معربة عن مخاوفها من أن يكون التقارب المصري – الإيراني، على حساب القضايا المهمة بالنسبة الى مصر، لا سيما في ما يخص أمن الخليج العربي، وإضطهاد السنة في إيران، ودعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقالت: «إن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى مصر، تأتي في ظل المخاوف الكثيرة، من تجاوز الهدف المعلن لها، من حضور اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي الى تقارب سياسي، قد يأتي على حساب مصالح عليا لمصر، ولأهل السنة والجماعة الجسد الأصلي للأمة الإسلامية».

ملف سوريا
وأضافت الدعوة السلفية انه يجب أن تتحدث مصر مع الرئيس الإيراني بوصفها أكبر الدول السنية، عن ان التزام مصر بحماية كل الدول السنية من أي اختراق سياسي أو ثقافي أو عسكري، جزء من التزامات مصر الدولية. وشددت على ضرورة مواجهة الرئيس الإيراني بما أعلنه الرئيس مرسي نفسه، بأن أمن الخليج هو أحد أهم دوائر الأمن القومي المصري. كما يجب أن يُواجَه بملف سوريا ومدى مسؤولية النظام الإيراني عن قتل النساء والأطفال هناك عن طريق الدعم العسكري والسياسي لنظام بشار الأسد. ورغم رفض السلفيين للزيارة، إلا أن الخبراء يرون أنها مهمة في طريق التقارب المصري – الإيراني. وسوف يكون لها مردود سياسي خطير، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
وبحسب محللين، هناك مؤشرات عدة تؤكد حرص مصر الرسمية على التقارب مع إيران، أهمها استقبال الرئيس مرسي لنجاد كأول رئيس إيراني يزور القاهرة منذ 33 عاماً، ومن بين المؤشرات المهمة، التأكيد على حرص النظام الحاكم في مصر، متمثلاً في جماعة الإخوان المسلمين، على إقامة علاقات طيبة مع إيران، وخصوصاً على المستوى الاقتصادي وتحسين السياحة الدينية للمواطن الإيراني للمرجعيات الدينية الشيعية في القاهرة القديمة. وبحسب التحليلات، ستحقق الزيارة مكاسب سياسية لإيران ومصر، من بينها استغلال القاهرة لتلك العلاقة كورقة ضغط على الولايات المتحدة، بعد هجوم الإدارة الإميركية الأخير على الرئيس، ورفض العنف ضد المتظاهرين، ولقاء السفير الأميركي برموز جبهة الإنقاذ. كما ستستغل مصر تلك العلاقة كورقة ضغط على دول الخليج من اجل تحقيق مكاسب متعددة الاوجه.
أما عن المكاسب الإيرانية من زيارة نجاد للقاهرة، فالتحليلات تؤكد إنها تتزامن مع انطلاق جولة جديدة من المفاوضات مع الإدارة الأميركية وحلف الناتو، بشأن التسلح النووي الإيراني وستكون هذه الورقة إيجابية قبل الحوار المنتظر، اضافة الى توجيه رسائل تهديد لإسرائيل بعد هجومها على سوريا مؤخراً


القاهرة- «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق