الاقتصادمفكرة الأسبوع

مجموعة «البريكس» ترفع الغطاء الغربي عن ماليتها

وقعت الدول الناشئة الخمس الكبرى (روسيا، الصين، البرازيل، الهند، جنوب افريقيا) اتفاق انشاء مصرف للتنمية واحتياط قطع مشترك في محاولة لاعادة رسم صورة الاقتصاد العالمي، على حد ما وصفت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف الاتفاق.

عقدت القمة السادسة السنوية لدول «البريكس» الخمس في فورتاليزا في البرازيل، حيث تمكنت من دون كبير عناء من توقيع اتفاق يقضي بانشاء مصرف التنمية واحتياط قطع مشترك، وصفا بانهما بديلان عن هيمنة البنك الدولي وصندوق النقد العالمي على الاقتصاد العالمي، كما يقول ايف زرتوسكي، كبير الاقتصاديين لدى «كوفاس».

هدف المصرف
يهدف مصرف التنمية، الذي سيتخذ من شنغهاي مقراً له الى امويل مشاريع البنية التحتية الكبرى في الدول الاعضاء، ولاحقاً في دول ناشئة اخرى. وسيكون رأس ماله الاولي 50 مليار دولار تساهم فيه الدول الخمس. ولاحقاً يمكن ان تتطور «قوته الضاربة» الى 100 مليار دولار.
ويمتاز هذا المصرف بعدم فرضه قيوداً شديدة على الاقراض، كما يفعل صندوق النقد الدولي بفرضه اصلاحات هيكلية واتباع سياسة تقشف مقابل الفوز بدعمه، على حد قول وزير المالية الروسي انطون سيلوانوف. ومن شأن هذه الميزة ان تجذب اهتمام العديد من الدول الناشئة، كالارجنتين مثلاً، التي تعتبر ان شروط صندوق النقد الحقت خسائر كبيرة في اقتصاداتها.

احتياط القطع
واشفعت مجموعة «البريكس» اتفاق مصرف التنمية بـ «اتفاق اطار» يؤسس لانشاء احتياط قطع مشترك يضم 100 مليار دولار، تدفع منها الصين 41 ملياراً، والهند والبرازيل وروسيا 18 ملياراً، وجنوب افريقيا 5 مليارات. ويمكن ان يبدأ عمل هذا الصندوق في العام 2015.
اما الهدف من هذا الصندوق فيكمن في حماية الاعضاء في حال تعرض عملاتهم لأي عاصفة جديدة، كالتي حصلت في منتصف 2013 بعد الاعلان عن تغيير مسار السياسة النقدية الاميركية، الذي تسبب بخروج هائل لرؤوس الاموال. واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «ان هذا الصندوق يشكل اداة قوية لاستدراك اي صعوبات اقتصادية جديدة». في حين قال نظيره الصيني «كسي جينبنغ» ان الصندوق يمثل «شراكة صلبة» تؤكد ضرورة تفعيل تمثيل الدول النامية وتعزيز صوتها. اما بعض الخبراء فيشككون في كفاية الـ 100 مليار دولار لمواجهة مثل تلك الازمات، وقال احدهم: «ان فعالية الصندوق ستكون وقائية ورمزية».
ان انشاء هاتين المؤسستين الاثنتين، البديلتين عن تنظيمات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) هو هدف بعيد المدى لمجموعة البريكس، لا لان هذه المجموعة غير ممثلة باحجامها في هذه التنظيمات، بل لانها باتت تشكل دعامة اساسية من دعائم الاقتصاد العالمي. يضاف الى ذلك، ان مشروع اصلاح صندوق النقد، الذي يعطي المزيد من الوزن للبريكس، جمده الكونغرس الاميركي منذ شهور.

نقص اللحمة
منذ طرح الفكرة في اذار (مارس) 2013 في قمة «دوربان» في جنوب افريقيا كان اطلاق صندوق الاحتياط ومصرف التنمية يخضع لتباينات عديدة بين الاعضاء في شأن التمويل وهيكلية الادارة. لكن هذه التباينات قد سقطت. ويبقى السؤال: هل سيتم تحقيق الهدف المعلن».
ينقسم الاقتصاديون بين التفاؤل والحذر، «ولكي يمكن الحكم على الخطوة ينبغي اختبار المشروعين فعلياً»، كما يقول بيار لهمان، الاختصاصي في السياسة الاقتصادية العالمية في معهد التجارة في لوزان. ويضيف: «ان المجهول يبقى مجهولاً. فهل تقبل الدول التي تتلقى الدعم الخضوع للهيمنة الرسمية للصين، التي ستكون المساهم الاساسي في التمويل؟ واين سيكون موقع مصرف التنمية امام المنظمات المماثلة، ولا سيما بنك الاستثمار الاسيوي الجديد الذي تطلقه الصين في موازاة المصرف الجديد؟ وهل ان اللحمة بين الدول الاعضاء ستكون كافية لتسيير الامور كما يجب؟» يجيب لهمان على كل هذه الاسئلة بالقول: «انا اشك في ذلك، جميع الاعضاء يملكون اهدافاً سياسية واقتصادية مختلفة جداً« واستطرد ساخراً: «بين دول البريكس هناك دوماً نقص في اللحمة، او غياب الاسمنت».

السياسة حضرت
ولم تغب السياسة عن قمة فورتاليزا.ففي الاعلان الختامي الصادر عنها عبرت الدول الناشئة عن «اهتمامها العميق» بالازمة الاوكرانية، واطلقت نداء من اجل «حوار فاعل»، ونزع فتيل «الازمة، على حد قول الرئيسة البرازيلية السيدة روسيف. وركز البيان في الوقت نفسه على «نقص التقدم الواضح» في الشرق الاوسط.
وبعد القمة، توجه قياديو البريكس الى برازيليا، حيث التقوا رؤساء دول اميركية لاتينية، تلتها قمة صينية – اميركية لاتينية تعبيراً عن اهتمام الصين التي خصّت هذه المنطقة بنحو 20٪ من استثماراتها العام الماضي.

الدوافع
كان نشاط روسيا واضحاً في القمة، ربما اكثر من غيرها من الاعضاء مدفوعة بردة الفعل على العقوبات التي فرضتها القوى الغربية على اثر ضم جزيرة القرم الى روسيا. وبالنسبة الى موسكو ينبغي ان يكون مصرف التنمية وصندوق الاحتياط اداتين لمحاربة هيمنة الدولار الاميركي، اما البرازيل والهند فترىان في المشروعين فرصة لتطوير بنيتهما التحتية اللتين «يحتاجان اليها بصورة ماسة». وفق ما قاله كريستوفر دمبيك، المحلل لدى بنك «ساكسو». والامر نفسه بالنسبة الى جنوب افريقيا، واما الصين، فلا حاجة في الافاضة عن دوافعها الجمة التي تبدأ بتزعمها المؤسستين، وتنتهي بالتخلص من عقدة الدولار والهيمنة الاقتصادية الاميركية لتمر بتحويل عملاتها المحلية الى عملات دولية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق