الأسبوع الثقافي

ميخائيل نعيمه… قبل ان يأتي القراصنة!

كتاب «حدّثني ميخائيل نعيمه» الصادر عن «دار نلسن» في بيروت، للصحافي والاديب اسكندر داغر، يختلف تماماً عن كتبه السابقة، وهي: اللذة الهاربة – حلم ليلة مطر – الطربوش والسلاح – صارت الارض رقصة فلامنكو (اعترافات عاشق)، فهو من النوع التوثيقي حول احد رموزنا الادبية والفكرية الكبيرة.

امكنة مختلفة وأزمنة متفاوتة
يقع الكتاب في 104 صفحات من القطع الوسط، ويتضمن اربع مقابلات صحافية اجراها اسكندر داغر مع ميخائيل نعيمه في امكنة مختلفة وازمنة متفاوتة، بين 1965 و1984، ونشرها في مجلتي «الخواطر» و«الاسبوع العربي».
وفي سنة 1993، وبعد سنوات على رحيل ميخائيل نعيمه التقى المؤلف بابن اخيه الدكتور نديم نعيمه، وسأله عن اللحظات الاخيرة في حياة عمّه، قبل ان يرحل الى دار الخلود. وهذا الحديث، احتل مكانه ايضاً، الى جانب المقابلات الاربع.
ويشتمل الكتاب على العناوين الآتية: لماذا هذا الكتاب؟ – رأي – شيخوخة هادئة على انغام بيتهوفن – الحرية في شرقنا حرية قشور لا جذور – لا حياة من دون الكاتب وقلمه وكتابه – قاهر الشيخوخة! – كل ما في الكون لا بداية له ولا نهاية! – كلمات نعيمه الاخيرة قبل رحيله.

ميخائيل نعيمه ما زال في البال!
في مطلع كتابه، لفت المؤلف الى ان نعيمه (1889 – 1988) هو من بين الادباء والشعراء والمفكرين الذي عرفهم عن كثب، خلال مسيرته الصحافية الطويلة، معتبراً ان صورته ما زالت ماثلة امامه… متسائلاً: كم هو باقٍ في بال الوطن الذي انجبه؟!
وما كتبه المؤلف صحيح الى حدّ بعيد… فمنذ رحيل هذا المفكر الحكيم والمبدع – الذي كان في حياته المديدة، حديث الناس ومرجع ثقة لدى اهل القلم – لم ينل بعد رحيله، ما يستحقه من الاهتمام والعناية والتكريم، او حتى التذكير به وبأعماله الشهيرة، وخصوصاً من قِبَل هذه الدولة الواقفة على حافة الهاوية!
من هنا، كتب الصحافي والروائي الغزير النتاج الادبي والفكري، الاستاذ جورج شامي في مقدمته للكتاب، ما يأتي: «لقد رأى اسكندر داغر بثاقب نظره وبصيرته ان نعيمه المفكر العملاق يستحق مسح غبار النسيان عن صورته بين الحين والحين للتذكير بأن ذكره مخلّد في وجدان اللبنانيين، هامة كما صنين، وايقونة في وجدان اجيال تخطفتها مبتكرات الحداثة وخطفتها الى ضفاف غريبة عن مدار المعرفة الخلاّقة التي تستطيب التعاطي مع النكهات المخدّرة المفصولة عن جذورها. فكان لا بدّ من استرجاعها ففعل…».
اما الكاتب سليمان بختي وناشر الكتاب، فاعتبر ان «كتاب حدّثني ميخائيل نعيمه» عودة الى الينابيع الحقيقية في ثقافتنا».

قبل أن يأتي القراصنة!
في رأينا، ان اسكندر داغر، صاحب القلم الجميل، والتجربة الصحافية الطويلة، استطاع في حواراته مع نعيمه، ان يضيء على جوانب كثيرة من حياته، سواء الشخصية او الادبية، حيث تبرز افكاره واراؤه ومواقفه، بشكل ساطع، حول مختلف القضايا والمعضلات التي شهدها القرن العشرون، في الادب والسياسة والفنون والعلوم والحياة، وما الى هنالك… وهي متوّجة بالحرية والمحبة والحق والسلام… وهذه القيم طالما نادى بها نعيمه وآمن بها.
لقد قام المؤلف بجمع هذه الاحاديث شبه المجهولة في كتاب، بعدما رأى انها تشكل جزءاً لا يتجرأ من تراث نعيمه الفكري المبدع… وقبل ان يستولي عليها قراصنة الكلمة، وما اكثرهم في هذا الزمن… وقبل ان يغطيها الغبار، وتضيع في غياهب النسيان!

كلام نعيمه العميق والبليغ
في هذا الكتاب الجميل الذي يتميز بنكهة خاصة، يقول نعيمه، ان الحرية في شرقنا حرية قشور لا جذور، مؤكداً ان الخطر ليس في الحرية بل في الكبت.
ويقول ايضاً، لا حياة للأدب الا من الحياة… وانه لا يمكن لاي اديب ان ينعزل عن مشكلات الحياة، ما دام هو بعضاً من تلك الحياة.
لافتاً الى ألا يحصر الشعر همّه في الاوزان والقوافي وفي الصياغة اللفظية وفي تقليد الاقدمين، بل ان يتجاوز ذلك الى جميع ما يخالج النفس البشرية من اشواق الى الانطلاق في عوالم لا حدود لها، ولا هي تخضع لمقاييس نبتدعها ثم نحافظ عليها كما لو كانت غير قابلة للتغيير والتطور.
ويقول ايضاً وايضاً، ان الانسان كائن عجيب لا حدّ لمواهبه وطموحه، فالذي فعله حتى الآن، وان بدا عجيباً، ليس سوى تمهيد لما سيحققه في المستقبل البعيد.
والحرب، هي اكثر ما يكرهه ميخائيل نعيمه، ولو كانت سياسة العالم في يده، لنفى الحرب من قاموس الناس، واحلّ محلها السلام.
ما اكثر ما قاله نعيمه في هذا الكتاب… في لبنان الذي احبه بكل جارحة من جوارحه، وفي الطبيعة التي عشقها منذ نعومة اظافره، وفي الموسيقى والاغنية… وانطباعاته عن رفاقه في «الرابطة القلمية»، وعن نهاية أدب المهجر، وانقطاعه عن الكتابة في مرحلة الشيخوخة بعدما صار القلم يتحرك بصعوبة بين انامله، ولكن الافكار ظلت تتحرك في دماغه، والصور تتراقص في ذهنه، حتى النفس الاخير.

(…)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق