الاقتصادمفكرة الأسبوع

الغاز الصخري الاميركي يخفف العبء الروسي عن اوروبا

تسعى الدول الاعضاء في «مؤتمر الدول المصدرة للغاز (قطر، ايران، روسيا وبوليفيا) لمواجهة الانعكاسات المترتبة على الغاز الصخري، الذي لم يفاجىء الصناعة المحلية في الولايات المتحدة فقط – باعتبار هذه الاخيرة رائدة هذا الانتاج – بل يهدد بزعزعة جيوغرافيا الطاقة العالمية ايضاً.

قبل نحو عشر سنوات كانت سوق الغاز محصورة بالمستوردات الاميركية، لكن واشنطن اليوم بدأت تكون من الدول المصدرة للغاز. ومن شأن هذا التحول ان يربك الجيوسياسة العالمية في العمق، على اساس ان الغاز الصخري قابل للاستخدام نظرياً في العديد من مناطق العالم، ولا سيما في اوروبا والصين.
وثمة منتجون آخرون يمكن ان يظهروا في هذه السوق، في حين بدأت بعض الدول او المناطق، كروسيا والشرق الاوسط، تبدي بعض الهواجس، اياً كانت الشكوك في مستقبل هذا النوع من الغاز غير التقليدي. «ففي قطاع الطاقة تشكل الخدمة جزءاً من العمل»، على حد قول احد خبراء الطاقة.

الصورة القديمة
منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى سنوات 2010، كانت سوق الغاز الطبيعي التقليدية تدور حول الاستيراد والتصدير من المناطق المنتجة – الاتحاد السوفياتي السابق والشرق الاوسط – نحو مراكز الاستهلاك الكبرى (الولايات المتحدة، اوروبا، الصين). وتتجسد هذه الصورة بخليط من خطوط الانابيب والاتفاقات الدبلو – مالية، والاستثمارات الضخمة، والمشاريع الطويلة الاجل التي تبطن حسن الاستكشاف. وكان من نتائج بناء خطوط الامدادات العالمية وتوفير الامن لها اقامة علاقات تبعية بين الدول، وفي احسن الاحوال تحالفية.
والواضح ان امدادات الطاقة بدأت تعيد رسم خريطتها، من دون ان يدري احد هذا التوجه الجديد. ففي العام 2007، على سبيل المثال، اختار العملاق الروسي (شركة غازبروم) شريكين اجنبيين (توتال وستاتويل) لاستغلال حقل شتوكمان، الذي يمثل وحده 2٪ من الاحتياطات العالمية من الغاز التقليدي، والذي كان من المفترض ان يستدعي 30 مليار دولار من الاستثمارات. لكن موسكو جمدت المشروع بعد ثلاث سنوات، باعتبار توقف الولايات المتحدة عن استيراد غاز شتوكمان. وفي هذا الجو عرقل الركود الاقتصادي استهلاك الطاقة عالمياً، بالتزامن مع ظهور الطاقة غير التقليدية في السوق، «الذي عبرت عنه ظاهرة طفرة الطاقة في الولايات المتحدة» وفق ما اشار اليه تقرير «آفاق الطاقة 2030» الذي وضعته شركة بريتش بتروليوم.

المن… الاميركي
ويتوقع الخبراء ان تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً في العام 2030، في الوقت الذي لم تكن تنتج في العام 2005 سوى70٪ من استهلاكها. وبحسب دراسة تنقيبية، فان ولوج الغاز الصخري السوق ابعد لعقود عدة الخطر العالمي حول نقص انتاج النفط والغاز. بكلفة مقبولة، وعزز طغيان دور الوقود على قطاع الطاقة العالمي. ومع اكتشاف الغاز الصخري تكون الولايات المتحدة قد سبقت روسيا كأول منتج للغاز في العالم، وبحسب تقرير للوكالة الدولية للطاقة صادر عام 2012 ستحتل الولايات المتحدة المكانة نفسها على صعيد النفط من الآن الى سنتين او ثلاث سنوات، متجاوزة المملكة العربية السعودية، وعند الثلاثينيات ستصبح واشنطن مصدرة للوقود بعدما كانت من اكبر المستوردين.
لكن «الضيف الجديد» في السوق بدأ يثير بعض الهواجس، ففي الولايات المتحدة كان الغاز الصخري ينتج باسعار ضعيفة نهاية 2012، اذ كان 4 دولارات لوحدة الاساس في السوق الداخلية، مقابل 18 دولاراً في آسيا و10 دولارات في اوروبا. وهكذا يصبح استخدام الغاز لتوليد الكهرباء اجدى من استخدام الفحم، ما يسفر عن تصدير الفحم الى اوروبا، كما يقول تييري بروس مؤلف كتاب: «بعد ثورة الغاز الصخري الاميركية».

روسيا الخاسر الاكبر
وتعترف تاتيانا ميتروفا من معهد ابحاث الطاقة في موسكو بأن روسيا ستكون الخاسر الاكبر من طفرة الغاز الصخري، ولن تعود «غازبروم» قادرة على التحكم بالسوق، وستسجل بعض الغياب عن السوق الاوروبية بفعل الركود الذي تعاني منه، وستحاول ان تعوض هذا الغياب في الاسواق الآسيوية – الصين، كوريا الجنوبية، اليابان – النهمة للوقود البديل عن الذرة.

اتحاد اوروبي للطاقة؟
تحت عنوان «اوروبا موحدة يمكن ان تضع حداً للاختناق الوقودي بسبب روسيا» كتب رئيس الوزراء البولوني دونالد تاسك مقالاً في صحيفة «فايننشال تايم» دعا فيه الى انشاء اتحاد اوروبي بمعزل عن تطور الوضع في اوكرانيا، وانطلاقاً من درس يجب التمسك به وهو ان التبعية المفرطة نحو الطاقة الروسية تضعف اوروبا». ويقوم احد مبادىء آلية التضامن هذه على التقويم الشامل للموارد من الوقود الاحفوري في الاتحاد الاوروبي، من بينها الغاز الصخري. ونص مشروع الاتحاد المقترح على توقيع اتفاق حول شراء الغاز من مصدر خارج الاتحاد الاوروبي، كالولايات المتحدة او استراليا، على ان ينقل الوقود الى اوروبا مسيلاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق