ايران تخرق حواجز الصمت في الملفات الساخنة: مباثحات مع واشنطن ولقاء قمة في انقرة
رغم التسريبات المتشائمة، والتي تتحدث عن عقبات كبيرة تعترض الاتفاق النهائي بين «5 + 1» وايران، بخصوص الملف النووي، تشير تقارير مؤكدة ان الجانبين قطعا اشواطاً كبيرة على طريق صياغة ذلك الاتفاق. وان الجانب الايراني نجح في استيعاب التشدد الغربي عموماً، والاميركي خصوصاً، ومنها ما يتعلق بمحاولات التاكد من حسن النوايا. ويبدو ان الرسائل الايرانية قطعت – فعلاً – الشك باليقين – انها عازمة على تقديم تنازلات من شانها ان تنتج اتفاقاً ينسجم مع جل المطالب الغربية.
التقارير الصادرة عن ايران، والمعززة بشهادات غربية تتحدث كلها عن كم من الايجابيات التي يراها المتابعون كافية لنزع فتيل الازمة. وفي المقابل فإن التسريبات التي يعمل المحللون على قراءة تفاصيلها والتعمق في ما بين سطورها، تتوقف عند محطات يراها البعض متكئة على قدر من سوء النوايا. وتؤشر على ان ما تقوم به ايران انما هو نوع من «التطمين» المرحلي.
وبين هاتين القناعتين ثمة من يرى مساحة للاجتهاد قد يكون من الصعب حسمها في اي اتجاه. مع ان المؤشرات تعطي انطباعاً بان المشروع الايراني يحاول توسيع الدائرة وصولاً الى ما يتجاوز الملف النووي، والتقرب اكثر فاكثر من دول كانت اختلفت معها.
وفي هذا الصدد، يتوقف البعض من المحللين عند الملف السوري، الذي كان عنصراً خلافياً بين ايران والكثير من الدول، حيث ترى طهران انه اقترب من الحسم في صالح موقفها. وانه يمكن السير في مشاريع تقريب وجهات النظر وطي بعض الصفحات الخلافية والتركيز على العوامل المصلحية مع تلك الدول.
التقارب مع تركيا
الدليل على ذلك السعي الايراني لاعادة التقارب مع تركيا، حيث القمة التي تجمع روحاني مع اردوغان اليوم الاحد. وهي محادثات في مجملها تصب في خانة الجولة المقبلة من المفاوضات النووية التي ستعقد ما بين 16 -20 حزيران (يونيو) الجاري. والتي يعول على خروجها بصياغة نهائية لاتفاقية تتعلق بالملف النووي.
فقد أعلن الناطق باسم الجهاز الدبلوماسي في الاتحاد الاوروبي ان الجولة المقبلة من المفاوضات بين مجموعة دول 5+1 حول الملف النووي الايراني ستجري من 16 الى 20 حزيران (يونيو) في فيينا.
وقال الناطق مايكل مان ان هذا الموعد تحدد في ختام «محادثات مطولة ومفيدة» بين وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون في لقاء مغلق عقد في اسطنبول. واضاف ان اشتون وظريف يرغبان «في انعقاد اجتماع للخبراء سريعاً في هذا الوقت».
في الاثناء، اعلنت ايران انها ستجري مفاوضات ثنائية غير مسبوقة مع الولايات المتحدة وروسيا في الاسبوع المقبل بهدف تسريع المفاوضات حول الملف النووي الايراني والتوصل الى اتفاق بشكل سريع. واعلنت وزارة الخارجية الايرانية عن لقاء مع الولايات المتحدة في جنيف في 9 و10 حزيران (يونيو) يليه لقاء اخر مع روسيا في 11 و12 حزيران (يونيو) في روما. واكدت وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن لقاء جنيف، موضحة ان الوفد الاميركي سيكون برئاسة مساعد وزير الخارجية وليام بيرنز.
وقال مسؤول اميركي كبير رافضاً كشف اسمه ان هذه المحادثات «تشكل فرصة مناسبة لتبادل وجهات النظر في اطار الجولة المقبلة من محادثات مجموعة 5+1 في فيينا». واضاف ان «هذه المشاورات تأتي في مرحلة مهمة من المفاوضات».
من جهته، قال مصدر دبلوماسي فرنسي ان اجتماع جنيف سيتناول «جوانب اميركية تتصل برفع العقوبات في حال التوصل الى اتفاق»، مضيفاً ان هذا الاجتماع «تم التشاور في شأنه» مع كل اعضاء مجموعة خمسة زائد واحد.
خامنئي يهاجم
ورغم هذا التقارب هاجم المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله علي خامنئي في مطلع الاسبوع الحالي الولايات المتحدة مجدداً، واصفاً اياها «بالغطرسة العالمية» و«مثيرة الاضطرابات». وهي المرة الاولى التي تجري فيها ايران مثل هذه المفاوضات خارج اطار المحادثات مع القوى الكبرى.
وسبق ان اجرت طهران مفاوضات ثنائية مع هاتين الدولتين، لكن على هامش محادثات مجموعة 5+1. واوضحت وزارة الخارجية الايرانية ان نائبي وزير الخارجية الايراني سيتراسان الوفدين المفاوضين في جنيف وروما.
واوضحت وزارة الخارجية الايرانية ايضاً ان الدبلوماسيين الايرانيين يحضرون لاجراء محادثات ثنائية اخرى مع اعضاء اخرين من مجموعة 5+1. واجرى خبراء ايران ومجموعة الدول الكبرى محادثات تقنية في فيينا هذا الاسبوع. والهدف التحضير لاتفاق شامل حول البرنامج النووي الايراني ورفع العقوبات الدولية قبل استحقاق 20 تموز (يوليو) الذي حدد بموجب الاتفاق المرحلي بين الطرفين.
وفي حال لم يتم التوصل الى اتفاق، يمكن ان تمدد المفاوضات لفترة جديدة من ستة اشهر، كما ينص اتفاق جنيف الذي وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 وبدأ تطبيقه في كانون الثاني (يناير) الماضي. وبموجب اتفاق جنيف المرحلي جمدت ايران قسماً من انشطتها النووية مقابل رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية الغربية.
وقد جرت سلسلة محادثات سياسية وتقنية منذ كانون الثاني (يناير) بين ايران والقوى الكبرى، لكن المحادثات السياسية الاخيرة التي جرت في منتصف ايار (مايو) انتهت بدون التوصل الى اي نتيجة ملموسة. وهدف المفاوضات التوصل الى اتفاق شامل يضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الايراني ورفع كل العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الامن الدولي او الولايات المتحدة والدول الاوروبية.
مواضيع الخلاف
وبعد سلسة المفاوضات الاخيرة في فيينا، طلبت ايران من الدول الغربية عدم الرضوخ لمطالب دولة اخرى، في اشارة الى اسرائيل التي عبّرت عن معارضتها لاتفاق محتمل يتيح لطهران مواصلة برنامج تخصيب اليورانيوم. ولا تزال هوة كبيرة تفصل بين ايران والدول الغربية من اجل التوصل الى اتفاق.
وابرز الموضوعات الخلافية بين الطرفين، حجم برنامج التخصيب من حيث عدد اجهزة الطرد المركزي ومستوى انتاج اليورانيوم المخصب، ومفاعل اراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة والقادر على انتاج بلوتونيوم وموقع فوردو الواقع تحت الارض ويصعب تدميره.
وترفض ايران من جانب اخر بحث برنامجها البالستي، فيما طلبت الولايات المتحدة مراراً ان يكون ضمن المباحثات. واشاد مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو الاثنين الماضي في فيينا بجهود ايران من اجل اعتماد الشفافية حول برنامجها النووي مؤكداً في الوقت نفسه ان الشكوك لم تتبدد بالكامل.
من جهته اعلن مسؤول اميركي السبت ان المحادثات الثنائية المباشرة المرتقبة بين ايران والولايات المتحدة «ستشكل فرصة مناسبة» لمحاولة دفع المفاوضات النووية مع القوى الكبرى قدماً. وقال المسؤول الكبير في الادارة الاميركية طالباً عدم كشف اسمه «هذه المشاورات تأتي في مرحلة مهمة من المفاوضات»، مضيفاً «ستتوافر لنا فرصة مناسبة لتبادل وجهات النظر في اطار الجولة المقبلة من محادثات مجموعة 5+1 في فيينا».
في الاثناء، اعترفت الولايات المتحدة بالتقدم الذي أحرزته إيران حول تقديم معلومات واضحة تتعلق ببرنامجها النووي الذي تجرى بشأنه مفاوضات كثيفة منذ بداية السنة.
وفي تصريح صحفي، قال جوزف مكمانوس السفير الاميركي لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على هامش اجتماع في فيينا لهذه الوكالة المتخصصة للامم المتحدة، «لا يمكن ان نلاحظ وجود تدابير ونقول ان ذلك لا يكفي. انها تدابير جيدة».
تقرير وكالة الطاقة
وفي سياق الملف النووي ايضاً، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير جديد، ان ايران سعت للمرة الاولى منذ العام 2008 الى تهدئة المخاوف من «ابعاد عسكرية محتملة» لبرنامجها النووي، عبر تقديمها معلومات تتعلق بصواعق يمكن استخدامها لاغراض مختلفة.
وقال التقرير الفصلي ان طهران قدمت الى الوكالة الذرية معلومات عن صواعق يمكن استخدامها لاغراض عدة بما فيها السلاح النووي، في اطار الاتفاق المرحلي الذي تم التوصل اليه في تشرين الثاني (نوفمبر).
واوضح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الياباني يوكيا امانو في التقرير ان ايران قدمت خلال اجتماعات تقنية في اواخر نيسان (ابريل) وبداية الاسبوع الحالي معلومات وتوضيحات بما في ذلك وثائق لتبرير حاجتها واستخدامها اسلاك الصواعق المتفجرة «اكسبلودينغ واير ديتونيتر -اي بي دبليو».
واضاف ان ايران زودت الوكالة بمعلومات تشير الى ان استخدام هذه الصواعق بشكل متزامن جرى لغرض مدني.
وقال امانو في التقرير الذي رفع الى الدول الاعضاء في الوكالة انها المرة الاولى منذ العام 2008 التي تقوم فيها ايران بتبادل تقني للمعلومات مع الوكالة حول هذه المسألة او مسائل اخرى على صلة بالابعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الايراني.
ومسألة الصواعق «اي بي دبليو» واحدة من سبعة اجراءات عملية اتفقت ايران والقوى الكبرى على تنفيذها بموجب الاتفاق المرحلي الذي وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) ويفترض ان ينجز في 15 ايار (مايو).
وقالت الوكالة في تقريرها ان كل شيء طبق مؤكدة ان ايران تنفذ تعهداتها.
ويلحظ الاتفاق تجميداً جزئياً للانشطة النووية الايرانية مقابل رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية على طهران.
ويعبر المجتمع الدولي منذ سنوات عن قلقه ازاء الجوانب العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الايراني. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، تحدثت الوكالة الذرية عن معلومات استخبارية تقول ان ايران اجرت حتى 2003 وربما بعده ابحاثاً حول تطوير الاسلحة النووية.
ونفت ايران باستمرار هذه المعلومات وتصر على ان اهداف برنامجها النووي سلمية ومدنية. وبموجب اتفاق تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وافقت ايران على تحويل وتمييع مخزونها من اليورانيوم المخصب، ما يصعب القدرة على تصنيع المواد اللازمة للقنبلة النووية بسرعة.
روحاني في تركيا
في سياق مواز، يقوم الرئيس الايراني حسن روحاني اليوم الاثنين بزيارة الى تركيا، يلتقي خلالها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وكبار المسؤولين الاتراك. ومن المتوقع ان يبحث الزعيمان خلال القمة ملفات عدة تتعلق بالعلاقات التجارية بين البلدين، اضافة الى ملف الحرب الدائرة في سوريا التي كانت سبباً في تعكير العلاقات بين طهران وأنقرة. وستكون زيارة روحاني الى انقرة، الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى تركيا منذ عام 2008. ونقلت وكالة «فارس» الايرانية عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قوله، إن بلاده تبدي اهتماما كبير بعلاقاتها مع دول الجوار. مضيفا ان اجندة الزيارة تتضمن العديد من الملفات ابرزها «المشاكل المشتركة التي نواجهها في المنطقة».
وتختلف إيران وتركيا بشأن سوريا، إذ تعتبر طهران حليفاً استراتيجياً قوياً للرئيس السوري بشار الأسد منذ بدء الانتفاضة ضده، في حين ظلت تركيا واحدة من أشرس منتقديه وتواصل تقديم الدعم للمعارضة السورية.
وأثار تعبيره عن القلق من صعود تنظيم القاعدة في سوريا، الآمال في حدوث تقارب سياسي بين أنقرة وطهران.
وقال نائب رئيس «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا ياسين أقطاي، إن سياسة إيران بشأن سوريا على جدول الأعمال أثناء زيارة روحاني، مضيفاً ان «أحد المواضيع التي سنبحثها مع روحاني هو موقف ايران في ما يتعلق بالحرب في السورية»، معتبراً ان «سياسة إيران بشأن سوريا لن تفيد إيران».
ويقول محللون إن حدوث تقارب إيراني – تركي بشأن سوريا أمر جوهري للاستقرار في الشرق الأوسط، حتى لو اقتصر الأمر على مستوى تبادل الآراء.
انقسامات عميقة
لكن في حين ما تزال الانقسامات عميقة بين أنقرة وطهران بشأن الصراع السوري، فإن فرصة وجود سوق إيرانية حجمها 76 مليون شخص، بالاضافة إلى امتلاك ايران بعضاً من أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم يمثل عنصر جذب للشركات التركية.
وأثناء زيارة رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان لايران في كانون الثاني (يناير)، أبرمت اتفاقية تجارية تفضيلية بهدف تمهيد الطريق لزيادة التجارة إلى 30 بليون دولار بحلول عام 2015.
ويقول مسؤولون إيرانيون إن التجارة بين البلدين بلغت 22 بليون دولار (16،2 بليون يورو) في 2012، في حين تراجعت إلى 20 بليون دولار في 2013.
وكانت ايران ثالث أكبر سوق تصديرية لتركيا في 2012، وتقول وسائل الاعلام الايرانية إن تركيا تصدر أكثر من 20 ألف منتج إلى إيران، منها الذهب والفضة.
ولم تكن واشنطن راضية عن استمرار تجارة حليفتها تركيا مع ايران، وأدرجت بعض الشركات التركية على القائمة السوداء لانتهاكها العقوبات المفروضة على ايران بسبب برنامجها النووي.
ونقل التلفزيون الايراني عن وزير الاتصالات الايراني محمود واعظي قوله، إن «ست اتفاقيات تعاون في مجالات عدة منها قطاع الطاقة، ستوقع أثناء زيارة روحاني إلى أنقرة».
احمد الحسبان