سياسة عربية

العراق: مشاريع تمرد جماعية تطلق مشاريع التفكك

«المالكي يعتبر البرلمان العراقي غير دستوري، ورئيس البرلمان يؤكد ان البرلمان هو من يمنح الشرعية للرئيس وليس العكس». قضية في غاية الخطورة، لكنها ليست الوحيدة التي يعاني منها الجسد العراقي المليء بالجروح النافذة، والتي يصل بعضها الى قلب الدولة الهش، والمثقل بالعلاّت التي يرى محللون ان واحدة منها كفيلة بتعميق مشروع التفكك الذي لم يعد مستبعداً.

 الخلاف بين البرلمان والحكومة تجذر بشكل لافت، ووصل الى حد تعطيل اهم مؤسستين دستوريتين، حيث توقف البرلمان عن الاجتماع، ولم يعد بمقدور الحكومة انفاق اية مبالغ تذكر بسبب عدم اقرار الموازنة. وما بين هاتين المحطتين الكثير الكثير الذي يقال، خصوصاً في موضوع الخلاف بين المالكي واقليم كردستان، والحرب الدائرة في منطقة الفلوجة، وحالات التمرد التي تنطوي عليها كل حالة من تلك الحالات.
والخطير هنا مخرجات تلك الازمة، حيث يصر رئيس الحكومة على اتهام البرلمان بتعطيل اعمال حكومته. ويخلص الى اجتهادات دستورية مضمونها ان البرلمان اصبح فاقداً للشرعية، وانه سيشكوه الى المحكمة الاتحادية طالباً الحكم بعدم شرعيته.
وفي هذه الحالة، يرى محللون ان اقرار المحكمة الاتحادية بهذا المطلب من شأنه ان يدخل  البلاد في فراغ دستوري، وفي ازمة من نوع جديد يمكن وصفها بانها بداية مشروع التفكك.
فالمالكي يرى ان «الواجب الدستوري يفرض تعاون الحكومة والبرلمان من اجل إنجاز الكثير من المكاسب للشعب العراقي». لكنه يعرب عن اسفه من ظهور مخطط لتعطيل اعمال الحكومة، والبلاد على ابواب الانتخابات البرلمانية العامة نهاية الشهر المقبل.

المالكي يتهم
ويتهم المالكي رئيس مجلس النواب بتنفيذ مخطط لتعطيل الحكومة، بهدف إفشالها. ويفصل في عناصر ذلك المخطط حيث يشير صراحة الى «دعم الإرهاب وداعش، وتوصيف قضية الأنبار بأنها طائفية».
واشار المالكي إلى ان طريقة تعامل اسامة النجيفي وهيئة رئاسة البرلمان هذه، قد حرّفت مسار الهيئة التشريعية ومجمل العملية السياسية، معتبراً ان ذلك يشكل نهاية لمجلس النواب، ودوره. ويحمل رئاسة مجلس النواب المسؤولية الكاملة عن «المخالفات الجسيمة» التي ترتكب.
واتهم المالكي النجيفي بالإصرار على عرقلة تشريع القوانين وإجراء تغييرات على تلك المرسلة من الحكومة إلى البرلمان وإدخال مواد جديدة عليها «تنزلق بها في اتجاهات منحرفة تحيد بها عن هدفها وتحميل الحكومة نفقات غير ضرورية».
واعتبر ان تلك الممارسات تهدف إلى «تعطيل الحكومة وافشالها بالتحديات والتشريعات المخالفة». وقال ان هيئة الرئاسة حققت ما ارادت، من خلال انتقاء الموضوعات التي تطرح على البرلمان.
واتهم النجيفي بـ «التواطؤ» وصولاً الى رفض عرض الموازنة العامة للعراق خلال للعام الحالي على البرلمان. كما اتهمه بالعمل على تحويل البرلمان الى مدرسة ابتدائية.
ورد المالكي على اتهامات يوجهها رئيس البرلمان له بتعطيل تعيين وزيرين لوزارتي الدفاع والداخلية اللتين تداران الآن بالوكالة، حيث اكد انه كان قد ارسل إلى البرلمان اسماء اربعة مرشحين، اثنين لكل وزارة، وان هذه الاسماء لا تزال محفوظة في أدراج رئيس البرلمان.
واعتبر المالكي عدم عرض مشروع الموازنة على البرلمان «مؤامرة تصنع في داخله» من اجل تعطيل الحكومة، وعرقلة المشاريع التي تخدم المواطنين وتلبي احتياجاتهم الضرورية من الصرفيات والنفقات. ووصف هذه الممارسات بأنها خروج على الدستور. وخلص الى اعتبار البرلمان فاقداً للشرعية. كاشفاً عن انه تقدم بطلب الى المحكمة الاتحادية باعتبار البرلمان غير شرعي، ومطالباً النواب بالتفاعل مع قرار المحكمة».
وزاد على ذلك بالتأكيد على انه هو «المسؤول التنفيذي» عن تلبية احتياجات المواطنين. واجتهد بأن تعطيل البرلمان للموازنة يمنحه الحق الدستوري بالمضي في تنفيذ موادها والبدء بصرف النفقات التي نصت عليها في تلبية احتياجات المواطنين، سواء تم التصديق عليها ام لا. ودعا المالكي النواب إلى عدم المشاركة في اجتماعات مجلس النواب حتى لايتحولوا إلى شهود زور على هذا الوضع المنافي للدستور الذي يمارسه رئيسه، بحسب قوله.
وتشير مصادر سياسية إلى انه في حال اعتبار المحكمة الاتحادية الى البرلمان غير شرعي فإن هذا سيؤدي إلى شلل الحياة السياسية ويحول الحكومة إلى حكومة تصريف اعمال الى حين إجراء الانتخابات، لكنها تخوفت من ان تؤدي هذه التطورات إلى تأجيل الانتخابات المنتظرة برمتها.

 رد البرلمان والاكراد
وفي الطرف المقابل اتهمت رئاسة البرلمان العراقي والكتل الكردستانية المالكي بتعطيل اقرار موازنة العام الحالي وتعريض اقتصاد الدولة للخطر، حيث يرفض الاكراد مشروع الموازنة لتضمينه عقوبات تستهدفهم ومنها قطع جزء من حصتهم فيها ما لم يسددوا واردات نفطهم المصدر للخارج إلى خزينة الدولة العامة وهو ما ادى إلى امتناع الحكومة المركزية عن تسديد رواتب موظفي اقليم كردستان منذ ثلاثة اشهر.
ورد النجيفي على اتهامات المالكي له بتعطيل اقرار الموازنة عازياً  تأخير اقرارها الى الاشكالات ما بين حكومتي بغداد واربيل والمواقف المتناقضة للكتل.
وذكر بيان صادر عن مكتب النجيفي انه «في ظل الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها البلاد والتي تحتاج الى المزيد من التضامن والتكاتف والعمل سوياً من اجل انهاء الأزمات كافة وتذليلها والحيلولة دون تفاقمها، ولا سيما بعد ان اتخذت الكتل السياسية الفاعلة مواقف متناقضة ادت الى مقاطعة جلسات مجلس النواب وشل دوره التشريعي والرقابي، وتعطيل العشرات من القوانين المهمة ذات الصلة بهموم الوطن والمواطن. وتابع ان  رئيس مجلس النواب اسامة عبد العزيز النجيفي يوجه دعوة خالصة الى الزعماء وقادة الكتل السياسية كافة للعودة الى طاولة المفاوضات والخروج باتفاق يرسل الى مجلس النواب لغرض البدء بمناقشة قانون الموازنة الاتحادية واقراره.
وقال ان النجيفي بذل جهوداً لتقريب وجهات النظر بين بغداد واربيل ولكنها للاسف لم تثمر لغاية الان بالنتائج الايجابية، ولا سيما ان مواد قانون الموازنة الاتحادية الحالية، خضعت لتعديلات ع
ديدة كان اخرها في الثالث من اذار (مارس) الجاري، وان هناك حاجة ماسة لأجراء المزيد، من خلال اتفاق سياسي بين الكتل المختلفة، ترافقها معالجة الأشكالات القائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، اضافة الى مطالب وحقوق المحافظات التي لابد من مراجعتها وتضمينها في الموازنة الاتحادية الحالية.

 عمار الحكيم يحذر
ومن جهته، حذر رئيس المجلس الاعلى الاسلامي عمار الحكيم من محاولة تمرير الموازنة دون الرجوع إلى مجلس النواب، في إشارة إلى قرار المالكي البدء بتنفيذ بنودها ومباشرة صرف نفقاتها قبل مصادقة البرلمان عليها، داعياً إلى حل المشاكل دون الالتفاف على الدستور والمؤسسات. وحذر الحكيم خلال حفل ديني بمقر المجلس في بغداد من الركون إلى المحكمة الاتحادية العليا كما أشار المالكي، ودعا إلى مراجعة الذاكرة عند أخذ التفسيرات من المحكمة الاتحادية التي قال انها «حلت مشكلة لكنها اوقعتنا في مشاكل». وأضاف: «وصلتنا معلومات بأن هناك توجهاً لدى البعض بالالتفاف على مجلس النواب واقرار الموازنة وقراءات استثنائية غير معهودة لتبرير صرف الميزانيات بمعزل عن المجلس». وحذر الحكيم من هذه الممارسات، وقال: إن النظام الديمقراطي هو الاساس الذي يجب أن نستند اليه وأي طريقة غير دستورية قد تنفع في مجال لكن تضر في مجالات شتى.
وفي السياق الرئيسي للمشكلة، اتهمت حكومة كردستان العراق المالكي بإطلاق تصريحات معادية للإقليم في ما يخص مشكلة واردات النفط المصدر، واعتبرت تلك التصريحات مضللة للرأي العام، فيما اعلن رئيس الإقليم مسعود البرزاني المضي بتحويل مدينة حلبجة إلى محافظة من دون انتظار اجراءات الحكومة المركزية لذلك.
وقالت حكومة الاقليم إنها ترفض جميع تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأخيرة، حول الأزمة مع اربيل، وأكدت انها «بدون أساس، وانه يهدف من ورائها الى تضليل الرأي العام». وأضافت أن المالكي اشار إلى مسألة مصير عائدات نفط الاقليم المصدر، مؤكدة ان اللجنة المشتركة بين الإقليم وبغداد مستمرة في المباحثات بشأنها. واشار الى ان حديث المالكي جاء عكس توجهات اللجنة وخلافاً لموقف حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة الذي أبداه خلال جلسات المباحثات، بدعم فكرة توديع عائدات النفط المصدر من اقليم كردستان في الحساب الخاص بالصندوق العراقي للتنمية باسم حكومة إقليم كردستان.

تفاصيل المباحثات
وقال الناطق باسم حكومة كردستان سفين دزيي، في تصريح صحافي: إن اربيل وفي جميع مباحثاتها مع بغداد تطرح فكرة قيام الإقليم بموجب الدستور بتصدير نفطه وإيداع قيمة موارده النفطية في البنك المذكور، الذي يتم فيه إيداع إيرادات النفط العراقية ومن ثم تحويلها بشكل مباشر إلى حساب البنك المركزي للإقليم، وفي حال تجاوزت هذه الإيرادات حصة الإقليم ستحول الزيادة إلى حساب الحكومة الفيدرالية.
واتهم المالكي بالاستمرار في التضليل وبروح عدائية في مواصلة حملته في نشر معلومات غير دقيقة وغريبة ولا أساس لها من الصحة، نافياً مد أنبوب سري لتصدير النفط، ومؤكداً ان الخط تم تمديده بشكل علني وبموجب القانون والدستور بمد خط لتصدير النفط إلى تركيا.
وقال المتحدث الكردي: «إن المالكي ومن دون مراعاة الأسس الدستورية، يضع اقليم كردستان كمحافظة وليس كاقليم، خلافاً للدستور الذي إعترف بوجود إقليم فيدرالي وهو إقليم كردستان وهو الدستور عينه الذي قام بتحديد السلطة التشريعية والتنفيذية للاقليم».
وعلى صعيد آخر، اتهم رئيس الكتلة النيابية للقائمة العراقية سلمان الجميلي الحكومة بالتخلي عن مسؤولياتها الوطنية، بسبب عدم ادراج أزمة الأنبار على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء. وطالب الجميلي الوزراء المحسوبين على محافظة الأنبار بأن يكون لهم موقف حازم مما اعتبره «أزمة اهلهم» وألا يقفوا على التل متفرجين وغير مبالين، معتبراً ان جميع المشاكل المتعلقة بحياة الناس ذات بعد حكومي.
ومن جهتهم، أبدى نواب من الأنبار اتفاقهم مع المرجعية الدينية بالنجف، بشأن ضرورة إجراء الانتخابات في الأنبار متهمين الحكومة بافتعال الأزمة بالمحافظة في هذا «التوقيت بالذات لإحراج المناوئين لها وإضعافهم» وبأنها عمدت إلى «رشوة» عدد من أعضاء مجلس المحافظة بمبلغ 220 مليون دينار لكل واحد منهم لـ «شراء الولاءات» بدلاً من تخصيصها للنازحين. وفي حين اقروا بصعوبة اقناع نصف مليون نازح بالاقتراع اقترحوا ايقاف العمليات العسكرية وإعادة النازحين الى المدن ومن ثم إجراء الانتخابات ضماناً لعدم تزويرها.
وبالتزامن، وجهت بعثة الامم المتحدة في العراق «يونامي» ووزارة الهجرة والمهجرين نداء لتلبية الاحتياجات الانسانية الفورية لمئات الآلاف من الاشخاص المتضررين جراء القتال الدائر في محافظة الأنبار من أجل إعانة اكثر من 240 الف فرد من النازحين واولئك الذين يعيشون داخل المجتمعات المضيفة في المحافظات الاخرى والذين تقطعت بهم السبل في مناطق الصراع في المحافظة.
وأشار النداء إلى أنّ الخطة تستهدف جمع مبلغ 103،7 مليون دولار لتغطية نفقات توفير المساعدات المتمثلة بالمواد غير الغذائية والمأوى والحماية والصحة والغذاء ومستلزمات الصرف الصحي والنظافة العامة والخدمات اللوجستية. وحذر الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق نيكولاي ملادينوف من ان موارد الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بدخول الازمة شهرها الثالث اخذت بالنفاد.

استمرار العنف
وفي سياق مواز، تواصلت اعمال العنف في العديد من المناطق. حيث قالت مصادر أمنية وطبية عراقية إن اكثر من مائة شخص قتلوا وأصيب نحو 150 آخرين في تفجير صهريج مفخخ وقع يوم الأحد عند نقطة تفتيش مكتظة بالسيارات في مدينة الحلة جنوب العاصمة بغداد. وأضافت المصادر أن المهاجم فجر الآلية التي كان يقودها وسط ثلاثة طوابير متوازية من السيارات كانت في انتظار المرور بنقطة التفتيش المعروفة باسم «آثار بابل»، في حين ذكر شهود عيان أن الانفجار تسبب في مقتل وإصابة كل من كان في موقع الحادث. وقالت مصادر في الشرطة العراقية إن الانفجار يبدو أنه ناجم عن تفجير صهريج مفخخ وسط عشرات السيارات، مما أدى إلى تدمير حوالي ستين سيارة، مضيفة أن عدداً من الضحايا احترقوا داخل سياراتهم التي التهمتها النيران بسبب الانفجار القوي الذي أدى كذلك إلى تدمير جزء من مبنى نقطة التفتيش.

ا. ح
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق