رئيسيسياسة عربية

«القاعدة» في عمق الساحة الفلسطينية

«السلفية الجهادية» أعلنت اخيراً على الملأ دخولها القوي والواضح الى عمق الساحة الفلسطينية، وذلك عبر ثلاثة جهاديين ينتمون اليها، سقطوا في نهاية الاسبوع الماضي برصاص القوات الاسرائيلية في احدى قرى الضفة الغربية المحتلة.

 القتلى الثلاثة قتلوا غيلة، وكانوا خلية واحدة نائمة، بعد الكشف عنهم، وقد سارع الى نعيهم «مجلس شورى المجاهدين في اكناف بيت المقدس»، وهو اطار تنظيمي آخر يتبنى فكر تنظيم «القاعدة» العالمي، ويتبع عملياً له حسب العارفين بشؤون هذا التنظيم الحريص دوماً على التشعب والتمدد والظهور في هذه الساحة او تلك، تحت هذا المسمى او ذاك.
امر يكاد يكون اعتيادياً بالنسبة الى هذا التيار السلفي الجهادي الذي انوجد قبل نحو عشرين عاماً في افغانستان، ثم نما وتوسع وامتد رغم ان البعض قال انه انتهى بعد تلقيه سلسلة ضربات كبرى، ان يكشف عن موطىء قدم له او عن وجود ممتد في هذا البلد الاسلامي او ذاك، ولكن اللافت والمثير للاهتمام والاخذ والرد لاحقاً، ان يصل قطار هذا التنظيم الى الساحة الفلسطينية المحتلة على وجه التحديد، وان يعلن انه شرع في «رحلة جهاد مسلح» ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي، وذلك لاعتبارات ومعطيات عدة ابرزها:

القاعدة في فلسطين
– ان الساحة الفلسطينية الواقعة تحت نيران الاحتلال الاسرائيلي توشك ان تضج وتغلي لكثرة ما تضمه بين جنباتها من تنظيمات وتيارات متباينة تتراوح بين الاسلامية كحركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» والعلمانية اليسارية كالجبهتين الشعبية والديموقراطية الى الليبرالية الاقرب الى الوطنية كحركة «فتح»، فضلاً عن تنظيمات قومية التوجه.
وعليه تبدو الساحة الفلسطينية للوهلة الاولى وكأنها في حالة اشباع، لا بل تخمة لكثرة ما جربت واختبرت وعايشت من تيارات سياسية متقاربة حيناً ومتباعدة حيناً آخر.
– ان عنصر المفاجأة ان يعمد التيار السلفي الجهادي الى الظهور في الضفة الغربية المحتلة وهي المنطقة الخاضعة لنفوذ السلطة الفلسطينية وعمودها الفقري وعصبها الاساسي، اي حركة «فتح» ام التنظيمات الفلسطينية على الاطلاق، والتي تتباهى بأنها صاحبة الطلقة الاولى في مسيرة الثورة الفلسطينية في منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي.
– لم يعد  خافياً ان السلطة الفلسطينية «تكافح» بشراسة للاستحواذ على قرار هذه الضفة وعلى الحكم فيها، ولا سيما بعدما فقدت السيطرة على قطاع غزة ورفح قبل اعوام، اثر سيطرة حركة «حماس» عليهما، بعد معركة اخرجت خلالها حركة «فتح».
ولقد صار معلوماً ايضاً ان حركة «فتح» واجهت حركة «حماس» وقوى اخرى ارادت ان تثبت حضورها في الضفة الغربية، ولطالما شكت «حماس» على سبيل المثال من عمليات اعتقال من شرطة السلطة لعناصرها وخلاياها تحت هذه التهمة او تلك.
لذا لم يكن غريباً على الاطلاق ان تبادر السلطة الفلسطينية الى اعتقال اكثر من عشرين عنصراً متهمين بالانتماء الى التيار السلفي في الضفة الغربية، فور ذيوع نبأ مقتل «السلفيين» الثلاثة بالقرب من مدينة الخليل على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي. فخطوة «فتح» بمثابة رسالة حاسمة وجازمة الى من يعنيهم الامر، فحواها ان «اللعب والتلاعب» والرقص المنفرد على ملعب الضفة الغربية محظور اصلاً، فكيف اذا كان المعني بالامر قوة جديدة وافدة من شأنها ان تشكل لاحقا عنصر قلق للقوى الفلسطينية التي تعتبر نفسها صاحبة الحق الشرعي بالحكم وبالسلطة نظراً لدورها النضالي التاريخي الطويل.

 مواجهات واحتكاكات
– اللافت ايضاً من تنظيم «القاعدة» او احد تمظهراته، قرر ان يخوض غمار الدخول في مواجهات واحتكاكات مباشرة مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي، فهو نأى بنفسه الى حد بعيد عن هذا الصراع وركز جهده اكثر ما يكون على مواجهة الولايات
المتحدة الاميركية ودول غربية وعربية اخرى تدور في فلك السياسة الغربية في عواصم عدة ودول شتى، وذلك ضمن فلسفة وقراءة خاصة تخدم هذا التوجه.
– ليس جديداً القول ان تنظيم القاعدة وحلفاءه التيار السلفي بكل تمظهراته والوانه موجود اصلاً على الساحة الفلسطينية، وبالتحديد في غزة وفي بلدان الشتات الفلسطيني، وخصوصاً في مخيمات اللجوء في لبنان والاردن وسوريا، لا بل ان هذا التنظيم شكل منذ فترة حالة ازعاج وقلق لحركة «حماس»، وهناك امثلة عدة حول مواجهات واحتكاكات جرت بين الطرفين، وصلت الى حد المواجهات المسلحة حيث ان عناصر «حماس» قضوا قبل نحو عامين على خلايا للتيار السلفي، ولا سيما ان هذا التيار حاول ان يؤدي ادواراً عسكرية منفردة في غزة، واطلق قذائف وصواريخ من القطاع باتجاه الداخل الاسرائيلي فاعتبرته قيادة «حماس» بأنه محاولة للتلاعب بساحتها الحصرية والتأثير على مجرى الامور فيها، واستدراجها الى مواجهات مفتوحة ومفروضة مع القوات الاسرائيلية بتوقيت لا يناسبها اطلاقاً.
– كذلك صار معلوماً مدى الوجود «السلفي» و«القاعدي» في مخيمات الفلسطينيين على الساحة اللبنانية وعلى وجه التحديد في اكبر هذه المخيمات اي عين الحلوة شرقي صيدا، حيث دخل هذا التيار في صراع خفي مع حركة «فتح» ومن يسير في ركابها من الفصائل والتنظيمات للايحاء بأن الامرة الاساسية في المخيم صارت له.
واكثر من ذ
لك، فإن الاعلام اللبناني يؤكد انه يكاد لا يمر يوم واحد من دون تسجيل صدامات واحتكاكات بين التنظيمات الفلسطينية الاصولية المتعددة الاسماء في هذا المخيم المكتظ وقوات حركة «فتح» في اطار معركة اثبات الوجود ورسم الحدود.

 السلفية الجهادية
كذلك ليس جديداً على الاطلاق القول بأن «السلفية الجهادية» والقوى والافكار المتطرفة غزت الشارع الفلسطيني ولا سيما في الشتات قبل سواها من المجتمعات الاسلامية، لا بل ان رمز الجماعات الجهادية العالمية والمؤسس الفعلي لتنظيم «القاعدة» وهو الشيخ عبدالله عزام هو فلسطيني ذهب الى افغانستان كالآلاف من مقاتلي الاممية الاسلامية الذين ذهبوا الى هناك بغرض الجهاد ضد الغزو السوفياتي لهذا البلد.
والمعروف ان الشيخ عزام قتل لاحقاً بصورة غامضة مع ولديه ابان وجودهم بالقرب من مدينة بيشاور الباكستانية.
ومن نافل القول بأن القوى السلفية الفلسطينية لا تخفي ان ثمة دوراً كبيراً لها في القتال الى جانب قوى وتنظيمات المعارضة المعروفة في الساحة السورية، لا بل ان هناك معلومات تقول ان اكثر من الفي جهادي فلسطيني قتلوا مع فصائل من المعارضة السورية، وبالتحديد مع «النصرة» و«داعش» و«لواء الاسلام».
اذاً ليس جديداً على الشارع الفلسطيني انضواء جهاديين منه الى الفصائل والتنظيمات السلفية الجهادية في اكثر من مكان وساحة، ولكن السؤال الذي بات ملحاً هو: ما الذي يدفع هؤلاء السلفيين الى دخول الساحة المكتظة اي ساحة الضفة الغربية، وبالتالي الشروع في مواجهات ستكون مزدوجة اي مع السلطات الاسرائيلية من جهة، ومع السلطة الفلسطينية من جهة اخرى؟
واستطراداً هل قررت هذه السلفية ان تلج ولو متأخرة اعواماً عدة، ميدان المواجهات العسكرية المباشرة مع الاسرائيليين؟

 ثقة بالنفس
الذي لا شك فيه ان الفصائل والقوى الجهادية السلفية على اختلاف الوانها ومشاربها سواء أكانت تحت لواء تنظيم «القاعدة» على تخومه او على مقربة منه، تعيش منذ اعوام عدة وبالتحديد مع ظهور ما صار يعرف بـ «الربيع العربي» حالة ثقة زائدة بالنفس وبالمستقبل على حد سواء اذ بمجرد ان تهاوت الانظمة القديمة في تونس وليبيا ومصر، وبعد اشتعال فتيل المواجهات في الساحت
ين السورية واليمنية، فضلاً عن ساحات اخرى مثل العراق وفلسطين ولبنان، حيث ظهر جلياً ان الوجود السلفي فيها اصيل وفاعل وممتد، ولا يقل تأثيراً او وزناً عن وجود تنظيمات اسلامية اكثر عراقة مثل تنظيم «الاخوان المسلمين» وحزب التحرير الاسلامي وسواهما.
وعليه، دخل التيار السلفي في حالة تكامل وتحالف او تناقض مع الحالات الاخوانية كما حصل في مصر وتونس وليبيا على وجه التحديد.
وعليه كبرت احلام وطموحات التيار السلفي الجهادي، ومضى قدماً في اللعب منفرداً، وضمن اجندات طموحة جداً تجعله في وضع الشريك الذي لا غنى عنه اطلاقاً لاي قوة او تيار سيعتلي سدة الحكم في دول «الربيع العربي» قاطبة، وخصوصاً ان الاوضاع في هذه الدول لم تستقر بعد، فهي ما زالت تعيش في حالة مخاض وتحولات عميقة تنطوي على كل الاحتمالات.

اهداف
ومن هذا المنطلق لم يكن مفاجئاً او غريباً ان يحل التيار الجهادي السلفي ويظهر علانية اخيراً في اعماق الساحة الفلسطينية. فالحضور في هذه الساحة بالذات يحقق لهذا التيار اهدافاً عدة دفعة واحدة، ابرزها:
1- ان حالة ثورية جهادية جديدة تأخذ شرعيتها التاريخية والدينية وألق حضورها ما لم يكن طرفاً وشريكاً في عمليات المواجهة في قضية العرب والمسلمين المركزية اي القضية الفلسطينية ذات المكانة السامية في وجدان وضمير كل عربي ومسلم.
2- ان وجود هذا التيار في الساحة الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الاسرائيلي سيسقط عن هذا التيار «تهمة» تاريخية لحقت به منذ بدايات انطلاقته لدرجة انها صارت لعنة بالنسبة اليه، وهي تهمة التهرب من موجبات دعم النضال مع الشعب الفلسطيني والانصراف فقط الى مواجهات اخرى خارج هذا الاطار مع الغرب تارة ومع العديد من الانظمة العربية تارة اخرى، وبالتالي تمنحه عفواً تلقائياً وبمفعول رجعي عن الفترة السابقة.
ومع ذلك فإن السؤال: هل سيجد هذا التيار مكاناً له في الساحة الفلسطينية المزدحمة اصلاً بالرؤى والافكار، واستطراداً هل ستسمح له القوى العسكرية التاريخية الممسكة بهذه الساحة منذ عقود ان يشاركها بالقرار ويحاورها في الميدان؟
من يعرف خفايا الساحة الفلسطينية وتعقيداتها وتشعباتها يدرك تمام الادراك ان الطريق امام طموحات هذا التيار ليست معبدة وليست سهلة.
والامر الآخر ان الاسرائيليين لن يتساهلوا مع وجوده اطلاقاً بل سيواجهونه بالحديد والنار كما حصل اخيراً في الضفة الغربية.
ويظل السؤال ايضاً: هل اراد هذا التيار ان يبعث برسالة عابرة ام انه يريد فعلاً تجريب حظه في هذه الساحة؟.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق