تونس: الفوضى تهدد كيان الدولة وتؤخر تسمية الرئيس
ما بين المواجهات المسلحة، والاضرابات، والاعتصامات، وتبادل احراق المقرات الحزبية، يعيش التونسيون لحظات توصف بأنها الاكثر صعوبة في حياتهم، والاشد خطراً على كيان الدولة، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة، حيث تتوقف الحياة السياسية عند خلافات عميقة، عنوانها البحث عن هوية مختلفة بعض الشيء عن طروحات حركة النهضة الاسلامية، ومحاولة الخروج من عنق زجاجة البحث عن رئيس حكومة مستقل يستطيع ان يأخذ البلاد نحو بر الامان، ويعمل على تجنيبها حقول الالغام الكثيرة التي تهدد وجودها.
ما بين اضراب للقضاة احتجاجاً على ما يجري من تدخلات في شؤونهم، وخلافات حزبية وصلت الى حد تبادل احراق المقرات، ومواجهات مسلحة بين الجيش والاجهزة الامنية من جهة، وتنظيمات متطرفة من جهة اخرى، وخلافات سياسية متعددة العناصر، بدت الساحة السياسية وكأنها فاقدة لبوصلتها، وانها تسير من غير منارات مرجعية تضبط ايقاع حراكها. الامر الذي اعتبره محللون بدايات لفوضى عارمة من غير المستبعد ان تعصف بالبلاد نحو مصيرها المجهول. فبينما تتواصل عمليات البحث عن قواسم مشتركة للتوافق على رئيس جديد للحكومة، توقعت مصادر متابعة ان يسرع الساسة من عمليات بحثهم عن ذلك الرئيس. الا ان المشكلة التي تواجههم تعدد التصورات وتقاطعها بخصوص مواصفات الشخصية التي يجري البحث عنها، وخشية كل التيارات من ان يكون الاختيار قريباً من مصالح الخصوم.
ومع حالة انعدام الثقة بين الاطراف المتخاصمة، هناك توقعات بامكانية تذليل تلك العقبة والتوصل الى تسمية شخصية لرئاسة الحكومة في وقت قريب. وبحسب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عبد الستار بن موسى هناك امكانية للتوصل الى توافق حول رئيس الحكومة المقبلة في تونس خلال اسبوع. وأشار بن موسى الى أن المعيار الرئيس للاختيار سيكون لشخصية سياسية تستعين بفريق وزاري من الكفاءات الاقتصادية.
وقال رئيس الرابطة التونسية وهي احدى المنظمات الراعية للحوار ان المشكلة الاساسية التي تعطل الحوار الوطني في تونس تتمثل في انعدام الثقة بين الاحزاب والاطراف السياسية. وأكد ضرورة أن تتوافر في رئيس الحكومة المقبلة مواصفات الشجاعة والجرأة والاستقلالية حتى يتمكن من إعادة النظر في التعيينات التي تمت على أساس الولاءات الحزبية والحسابات الانتخابية. وشدد بن موسى على أن «الرباعي» الراعي للحوار سيتحمل مسؤولياته في حال فشلت الاحزاب في اختيار رئيس الحكومة المقبلة مضيفاً: «إما أن تتوافق الاحزاب أو تفوضنا لايجاد الحل».
فوضى عارمة
في تلك الاثناء، يتوقف المتابعون عند حالة الفوضى التي تعم البلاد. والتي تتسارع بشكل لافت، حيث أحرق متظاهرون مقر حركة النهضة الاسلامية الحاكمة في مركز ولاية قفصة، التي دخلت في اضراب عام ليوم واحد احتجاجاً على استثنائها من مشاريع صحية جديدة أعلنتها الحكومة خلال الاسبوع الماضي.
وطبقاً للتقارير الواردة من هناك، تجمع حوالي ألفي متظاهر أمام مقر الحركة، وأضرموا فيه النار، كما ألقوا بمحتوياته في الشارع وأحرقوها. وأضاف أن المتظاهرين اعترضوا سيارة إطفاء قدمت لاطفاء الحريق، ومنعوها من الوصول الى مقر الحزب.
وكانت الشرطة أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات من المتظاهرين الذين اقتحموا مقر الولاية. وتجمع حوالي ستة آلاف متظاهر، أمام مقر الولاية مرددين شعارات معادية للحكومة مثل «الشعب يريد اسقاط النظام».
وبالتزامن، اعلنت الجبهة الشعبية المعارضة لحكم الاسلاميين في تونس ان عصابة من ستين شخصاً هاجموا احد مقارها في تونس. وقالت الحركة المعارضة ان عصابات مأجورة حاولت استهداف المقر المركزي لحزب العمال و الجبهة الشعبية، لافتة الى ان المهاجمين فروا امام «مناضلي» الائتلاف اليساري. ولم تعط الجبهة تفاصيل حول هوية المهاجمين. وتشير التقارير الى ان للجبهة الشعبية علاقات سيئة جداً مع حركة النهضة الاسلامية الحاكمة ويتبادل ناشطو الحركتين التهم والهجوم على بعضهم البعض.
وشهدت ولاية قابس – جنوب – اضراباً عاماً ليوم واحد احتجاجاً على استثنائها من مشاريع لبناء كليات طب أعلنتها الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية، خلال الاسبوع الماضي. وأطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين في سليانة -الواقعة شمال غرب البلاد – كانوا يحيون ذكرى مرور عام على قمع قوات الامن احتجاجات شعبية عارمة، أصيب خلالها أكثر من 300 متظاهر بجروح بالخرطوش.
ورشق عشرات المتظاهرين بالحجارة سيارات وعناصر الامن الذين منعوهم من الاقتراب من مديرية الحرس الوطني، فردت عليهم الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع. وأضاف ان المتظاهرين وعناصر الامن تراشقوا بالحجارة، وأن سيارات الشرطة تطارد المتظاهرين في شوارع المدينة لتفريقهم.
اضراب القضاة
الى ذلك، بدأ القضاة في تونس إضراباً عاماً ليومين احتجاجاً على ما قيل انه «اعتداء» الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية على صلاحيات هيئة قضائية دستورية من بين مهامها التعيين في الوظائف القضائية العليا. وعم الاضراب جميع المحاكم في البلاد.
ودعا الى الاضراب المجلس الوطني لـ «جمعية القضاة التونسيين» وهي الهيكل النقابي الاكثر تمثيلاً للقضاة في تونس ونقابة القضاة التونسيين.
وقالت الجمعية في بيان لها ان الحكومة عينت في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي رئيساً للمحكمة العقارية، ومراقباً عاماً بوزارة العدل، ومديراً عاماً لمركز الدراسات القانونية والقضائية، وعزلت المدير العام لمركز الدراسات القانونية، ومددت لسنة كاملة مهام الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس، ومساعد وكيل الدولة العام، رغم أنه من المفروض إحالتهما على التقاعد قريباً. بالتوازي، أثار مشروع قانون إعادة إحياء نظام الأوقاف في تونس جدلاً صاخباً. وتراوحت ردود الفعل بين رافض للمشروع ومتخوّف من انه سيؤدي الى ضرب مدنيّة الدولة. وبين هذه وتلك، هناك من يساند هذا المشروع ومن يعتقد ان الغاءه كان خطأ دفع العديد من الفئات الاجتماعية ثمنه على مرّ أكثر من 50 سنة. وفي الوقت نفسه هناك من يستهجن اثارة هذا الموضوع في هذه المرحلة، ومن يتهم المعنيين بتعمد الهاء الناس في امور جانبية بدلاً من التركيز على قضايا اساسية.
واتهم مناهضون لمشروع قانون الأوقاف حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس بوضع مخطط كامل للثأر من الرئيس الأول في تاريخ تونس الحبيب بورقيبة، الذي ألغى العمل بنظام الوقف، فيما تنفي الحركة الإسلاميّة هذه الاتهامات. وترى انه نظام اقتصادي اسلامي على درجة كبيرة من الاهمية.
تونس – «الاسبوع العربي»