تكايوشي سكابي… عشر سنوات من الرسم في بيروت
ثمرة عشر سنوات من الرسم في بيروت للفنان تكايوشي سكابي وضعتها اليس مغبغب في متناول الجمهور اللبناني خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في الغاليري خاصتها في الاشرفية – بيروت: عبارة عن مجموعة رائعة تتألف من 22 زيتية تدعو المتلقي الى رحلة تأمل مشوقة وللاستمتاع بكل لوحة بمفردها لاننا في كل واحدة منها نشهد اكتمال الابداع. مواضيع العري والطبيعة والانسان قدمها لنا الفنان الياباني الشهير بلباقة، وحين نتحدث عن العري نعني العري الانيق عند سكابي المنزه والمترفع عن الايحاءات المباشرة.
لان المعاني والدعوات عنده تأتي بشكل مستتر وبطريقة غير مباشرة، غير مكتوبة ولا واضحة، بل مخفية بين السطور، يقدمها الينا بألوانه الرزينة المنضبطة التي عهدناها في فنه الزاهد بالخطوط والألوان، فيجذبنا بخفر الى رسوماته التي تبدو للناظر كأنها في صيرورة ابدية بين ظهور واختفاء، بين اكتمال وعدم اكتمال، نراها في حالة من المرور او التحول يخيل الينا وكأن اشكاله تخضع الى نوع من تنقية وتطهير من كل الزيادات والشوائب لتصل الينا نقية رائعة الجمال.
بين الحياة والموت
هل تراه يعبر من خلالها عن وضعية الانسان المعلق بين الحياة والموت، بين فراغين او قطبين لا يلتقيان ابداً، كأننا بالانسان هنا في حالة بحث دائم عن الينبوع الذي جاء منه والذي اضاعه وفقده وبين النهاية التي يعجز عن ملاقاتها او الوصول اليها.
الى جانب موضوع العري يقدم سكابي الشجرة والغصن والكلب المستلقي وبعض البورتريهات بينها بورتريه قدمه كتحية للفنان فان ايك الرسام الفلمنكي الاكثر شهرة وابتكاراً في القرن الخامس عشر والذي اشتهر باسلوبه الواقعي واهتمامه بالتفاصيل.
حين نتأمل اللوحات المعروضة في قاعات الغاليري نلاحظ ان تكايوشي سكابي مقتصد بالخطوط والألوان، رسوماته رزينة متوازنة كل خط فيها مدرك سلفاً لخطه ووجهته ونقطة الوصول. فلا مجال هنا للمفآجات والضربات الفوضوية اذ يبدو الفنان مسيطراً بالكامل، فهو السيد صاحب التقنية العالية.
تفاعل جمالي وفكري
ولعل اكثر ما يتميز به سكابي انه في فنه يحيّد نفسه تماماً فلا يريد ان يعكس حالاته النفسية هو بل يريد اخذ المتلقي الى رحلة داخل اعماق نفسه. هو اذاً من الفنانين الذين يسلطون الضوء على الموضوع وليس على الذات، يدفعك بدل ان تتعرف الى عالمه الداخلي الى ان تدخل انت الى عالمك الخاص، الى اعماقك، ان تكون واعياً لطاقاتك جيداً، بل لنقل انه يدعوك للتفاعل الجمالي والفكري مع العمل.
انها رحلة تأمل عميقة يدعونا اليها على طريقة «الزن» التي تأثر بها واعتنقها في فنه: والزن هي حركة فكرية تطبق في الموسيقى وفي الفن، انها طائفة يابانية متفرعة عن الماهايانا البوذية، اتباعها يمارسون التأمل حتى ان اصل كلمة «زن» تعود الى الحرف الصيني تشان وهي ترجمة لكلمة سنسكريتية تعني الاستغراق في التفكير والتأمل اما الهدف منها فهو العودة الى الاصول توخياً للوصول الى الاستنارة او اليقظة.
البعض يسمي الزن فن الحياة المتكاملة اما الخبرة الاساسية للزن فهي عبارة عن رؤيا طبيعة الذات، عبرها نكتشف الصالة السرية التي تربطنا بالكون بكليته.
تكايوشي سكابي فنان ياباني من مواليد 1953 درس الفن في اليابان ومن ثم في باريس، يعيش ويعمل بين باريس واسطنبول، لم يتوقف عند حدود ثقافته الام، تأثر بالغرائب، بالحضارتين الفرنسية والعثمانية، اعماله منتشرة في اكبر المتاحف العالمية وله في لبنان جمهوره الذي ينتظره في كل معرض.
كوثر حنبوري