للمسكنات مضاعفات أيضاً!
أصل الكلمة سكّن والفعل تسكين والمقولة الرائجة مسكنات والسؤال: ماذا يعني أن نبلع المسكنات كما حبات السكاكر؟ ماذا يعني أن نقضي على الألم بالمسكنات؟ ماذا يعني أن نلتهم المسكنات بلا «وصفة طبية»؟ وماذا يعني أن نُدمن «تسكين» أنفسنا بحبة كل ساعتين؟ عدوا الى عشرة، وعضوا على الجرحِ، قبل أن تُسكنوا آلامكم بما قد يرتدّ عليكم آثاراً جانبية شتى وتذكروا بأن ما تجهلونه عن المسكنات أكثر بكثير مما تعرفونه!
ثمة أخطاء شائعة كثيرة نتعامل معها على أنها حقائق ثابتة لكن ماذا إذا كانت هذه الأخطاء طبية؟ صحية؟ دوائية؟ استشفائية؟ هنا تبدأ المضاعفات التي تهدّ الجسد وتُدمر الأعضاء!
الاسبرين؟
نسمع أن الأسبرين يفيد جداً، وحبة واحدة منه، أو نصف حبة، يومياً تقي من أمراض القلب. صدقنا. ووصفنا ما صدقناه لكن هل أصبنا؟
حين سمع طبيب القلب أن منير، الذي يقترب من عمر الخمسين ويزن خمسين كيلوغراماً فوق المعدل، يتناول يومياً حبة أسبرين، وصفتها له شقيقته، راح يصرخ: ومن هي شقيقتك لتصف لك دواء؟ الأسبرين دواء. المسكن دواء! فكيف نسمح لأنفسنا كلنا بوصف دواء؟ لماذا نستخف بتأثير المسكنات؟
لماذا «قامت قيامة» طبيب القلب على تناول المسكنات عشوائياً؟
يستند أطباء القلب على دراسات تفيد بأنه يتأتى عن المسكنات بعض المخاطر على مرضى القلب فهي قد ترفع مستوى ضغط الدم وتتعارض مع أدوية خفض ضغط الدم المرتفع فتعطل مفعولها! كما تشير بعض الدراسات الى أكثر من هذا، الى ارتفاع خطر الإصابة بأزمة قلبية ثانية بين مرضى القلب الذين يتناولون مضادات الالتهابات الاستيرويدية مثل الأسبرين والإيبوبروفين بانتظام وبجرعات غير محددة بعد تعرضهم لأزمة قلبية أولى بنسبة تزيد عن أربعين في المئة! في المقابل، ثمة دراسة تقول بأن تناول الأسبرين بجرعات صغيرة جداً على المدى الطويل قد يقلل خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان وبالسكتة الدماغية وبعض امراض القلب والأوعية الدموية! ثمة إذاً تضارب في النتائج لذا يُفترض سؤال الطبيب، الذي يفهم جسمنا وحالنا، قبل أن نباشر بتناول الأسبرين.
الاحتياط واجب
صحيح أن مسكنات الآلام البسيطة مثل الأسبرين والباراسيتامول والإيبوبروفين فعالة في تخفيف الأوجاع لكن الإحتياط في استخدامها واجب. في كل حال هناك ثلاثة مستويات من المسكنات: المستوى الأول ويضم المسكنات البسيطة التي سبق وذكرناها، والمستوى الثاني ويشمل الأدوية شبه الأفيونية المسكنة للألم مثل الكوديين، أما المستوى الثالث فيضم الأدوية الأفيونية القوية مثل المورفين.
ما رأي علم الصيادلة في تناول مثل هذه الأنواع تسكيناً للآلام المختلفة؟
تناول الأسبرين أثناء الحيض غير مرغوب به، على عكس الباراسيتامول أو الإيبوبروفين الكفيلين بتخفيف الآلام من دون إحداث أي خطر. فالأسبرين يزيد سيلان الدم ويحدّ من تخثره إذا تم تناوله بكمية كبيرة ما قد يتسبب بنزيف. في كل حال، غالبية المسكنات الشائعة الاستخدام، ودوماً بحسب نقابة صيادلة لبنان، قد تترك آثاراً جانبية في حالات اضطرابات المعدة، ما يجعل الأطباء يتجنبون وصفها في حالات الآلام التي تصيب الجهاز الهضمي، كونها تُثبط الأنزيمات المسؤولة عن حماية جدار المعدة، ما يجعلها أكثر عرضة لحدوث التلف والتدمير جراء احتكاكها بحامض المعدة الهاضم. أضف ان بعض الناس غير قادرين على تحمل بعض المسكنات ويمكن للجرعات الزائدة منها أن تتسبب بآثار جانبية خطيرة لهم، فيمكن مثلاً ظهور حساسية شديدة جراء تناول الأسبرين.
هل تعانون من آلام في اسنانكم جراء وجود خراج؟
انتبهوا إذاً ولا تتناولوا المسكنات ذات مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل الإيبوبروفين لأنها قد تؤدي الى تفاقم حالتكم واستشيروا بالتالي طبيب الأسنان الذي سينصحكم على الأرجح بتناول الباراسيتامول. ويفترض ان تتذكروا ان الجرعة القصوى من هذا المسكن يفترض ألا تتعدى لشخص بالغ يتخطى وزنه الخمسين كيلوغراماً أربعة غرامات كحد أقصى كل 24 ساعة، وأذا شعرتم بأن الجرعة غير كافية فقد يصف لكم الطبيب مسكناً آخر.
ادمان المسكنات
مريض قلب؟ مريض سرطان؟ مريض رئة أو كبد أو حتى أعصاب؟ لا تتناول إذاً الأدوية المسكنة عشوائياً لأنها تحوي مكونات نشطة وقد تتداخل مع أدوية أخرى، ما يجعل أحدها أقل فعالية، ما يُبطىء عملية الشفاء.
ماذا عن إدمان المسكنات؟
لا يختلف إثنان في الجسم الطبي على خطورة إدمان الجسم على المسكنات المصنفة أفيونية، وهذه النتيجة تجعل الأطباء يلحون على مرضاهم أحياناً بضرورة الانقطاع تماماً عن تناولها، إذا كان هذا ممكناً، للتخلص من ترسباتها. وفي هذا الإطار يفترض بنا أن نتذكر باستمرار أن المسكنات، ذات الثمن البخس، التي بقدرتنا أن نحصل عليها بلا وصفة طبية، ليس سكاكر، وبالتالي عواقب إدمانها توازي، كي لا نقول تضاهي، عواقب إدمان المخدرات.
الأدوية المسكنة هي من أكثر الأدوية استخداماً في كل العالم، والمسكنات المخدرة، المشتقة من الأفيون، تعمل عادة على وقف المنبه المثير للألم عبر تأثيرها في الدماغ والحبل الشوكي، وهذه المسكنات قوية تنفع في كبح الآلام الناتجة عن الإصابات الخطيرة والسرطان والأزمات القلبية، أما المسكنات غير المخدرة فتعمل على منع إفراز مركبات «البروستاغلاندينات» التي تُنشط عادة الألم والالتهابات والحمى وتفيد في تسكين الآلام الخفيفة والمتوسطة مثل الصداع وآلام الأسنان وآلام المفاصل.
ممنوع أن يتألم المريض!
حين نتكلم عن المسكنات ينتابنا لا شعورياً، حتى ولو كنا أصحاء، ما يُشبهُ الألم! نعم هو الألم الذي يجعلنا نهرع الى المسكنات كالمجانين في محاولة لتخفيف ما نشعر به والخلاص من الحالة التي تنتابنا… لكن هل المسكنات هي الحل الوحيد؟ وماذا عن طب الألم الذي يكفل العلاج بأسلوب آخر؟
الاختصاصي في التخدير وطب الألم الدكتور زهير نجا قال: ممنوع أن يتألم المريض! دور الطب تخفيف الألم حتى الزوال. وطب الألم بدأ في علاجات الأمراض السرطانية وتطور ليشمل بعض أنواع آلام الرأس وزنار النار وأوجاع العضلات التي تتأتى عن خلل في وظيفة العصب، وآلام الرقبة والكتفين والأصابع والروماتيزم والآلام الناتجة عن جلطة الدم والفالج وآلام الحوض… فكيف يعالج طب الألم كل هذه الأوجاع؟ بالمسكنات؟ يجيب نجا: يبدأ الألم حاداً وإذا عجزت علاجات الألم والمورفين ومضادات التهاب العصب عن التخفيف من حدة الآلام نضع قسطرة في العصب اليابس أو لنقل المريض ونحقنه بأدوية تخفف من حرارته ويباسه، ما يجعله يهدأ تدريجياً ويستعيد الحياة. في كل حال، الألم قد يفبرك هورمونات ألم إضافية تزيد العصب خللا ومهمة طبيب الألم إعادة الخلايا العصبية الى وضعها الطبيعي.
تريدون مزيداً من الشرح؟
يوجد في الجزء الخلفي من النخاع الشوكي خلايا وألياف عصبية تتحكم في الاحساس بالألم، منها خلايا وألياف تستجيب لألم الاصابات، ومنها ما تتسبب بإحساس مؤقت بالألم وأخرى تتسبب بآلام طويلة، تصحبها عادة إفرازات بعض المواد الكيميائية التي تنبه الأعصاب وتثير احساس الألم مثل الأحماض الأمينية، وتنقل نبضات الألم من خلال مسارات عصبية الى خلايا المخ. فحين يجرح أي انسان يده مثلاً، تنقل لاقطات معينة بسرعة الألم الى العمود الفقري ومنه الى الدماغ الذي يميز نوع الألم ويعطي، في ثوان، ردة الفعل الظاهرة. وإذا استمر هذا الألم فيفترض بالطبيب أن يتدخل، مستعيناً بالافرازات الداخلية التي مكننا الله من فبركتها لتخفيف الألم، قبل أن يتغير شكل الخلايا المصابة وتصبح قابلة لسيطرة أي وهم تعتبره ألم.
بين تناول المسكنات بدراية أوسع والعلاج التدخلي بعناية أكثر يفترض أن نعيش بسلام أكبر… كيف؟ فلنعد الى الطبيعة ولنأخذ فنجان زهورات يومياً يريح تشنجاتنا بدل أن نأخذ حبة مسكن تُلبك عمرنا! أليس حلاً أطيب وأسهل وأكثر نفعاً؟
نوال نصر
مرضى «التصلب اللويحي» وبارقة الأمل
كُشفت الأسبوع الماضي، على هامش المؤتمر العالمي الخامس للجمعية اللبنانية لأطباء الدماغ والأعصاب، أحدث ابتكارات العلاجات الفعالة للأمراض العصبية والتصلب اللويحي المتعدد، وضمت ندوة نظمتها «نوفارتس» تحت عنوان «حجم الدماغ مهم عند مرضى التصلب اللويحي المتعدد»، نائب رئيس اللجنة الأوروبية لعلاج التصلب اللويحي وأبحاثه البروفسور كزافييه مونتلبان ومدير مركز البحوث السريرية للتصلب اللويحي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور باسم يموت ورئيس قسم طب الأعصاب في مستشفى رزق الدكتور ناجي رياشي ورئيس الجمعية اللبنانية لأطباء الدماغ والأعصاب الدكتور نبيل محسن ورئيس نوفارتس في المشرق العربي محمد رمال.
تناولت الندوة موضوع ضمور الدماغ الذي بدأ يترسخ كأحد أبرز المعايير الأساسية المعتمدة لقياس مدى تدهور معدل العجز الجسدي على المدى الطويل لدى مرضى التصلب اللويحي المتعدد وفي هذا الإطار قال مونتلبان: أن الأبحاث اتجهت نحو التركيز أكثر فأكثر على العلاجات التي من شأنها تخفيض معدلات ضمور الدماغ وقد نجحت في ايجاد علاجات جد فعالة من شأنها إبطاء ضمور الدماغ وبالتالي إبطاء معدل العجز الجسدي على المدى الطويل والخلل المعرفي.
يُشار الى أن هناك أكثر من 1500 مريض تصلب لويحي متعدد في لبنان رأوا في نتائج الأبحاث الجديدة بارقة أمل.