هاجس شلل الأطفال يلاحقنا والمواجهة بدأت
وعاد هاجس شلل الأطفال ليُخيّم على العقول وفي النفوس! فماذا يعني أن يحوم الفيروس في الارجاء مهدداً أعز ما نملك، أطفالنا، عمرنا؟ كثيرون خرجوا لطمأنتنا: لا تخافوا! لكن، في كلِ مرة، تطوف العيون بين الأطفال السوريين، الآتين من محافظات شتى ضربها الفيروس، السارحين بعبثية في الجغرافيا اللبنانية يعود الذعر ليشتدّ ويعوم من جديد التحذير: انتبهوا أيها اللبنانيون فأطفالكم في عين الخطر! فهل علينا أن نخاف؟ وزارة الصحة اللبنانية طمأنت: لا حالات شلل أطفال عندنا وحملة تلقيح انطلقت في كل لبنان. نطمئِن؟ عذراً، لم نطمئِن بعد!
تنظرُ الأم في عيني ولدها متمتمة رجاء: دخيلك ماما لقّح أولادك ضد شلل الأطفال. يبتسم لها ويقول للمرة المئة ربما في أسبوعين: لا تقلقي ماما أولادي أخذوا طعوم الشلل. تصمت قليلاً. تنظرُ في عيون أحفادها الثلاثة وتُكرر: لقحهم مرة ثانية!!
ثمة حال هلع تسود في الأرجاء منذ مدة، منذ بدأ الحديث يسري عن فيروسات زاحفة الى لبنان من الجوار، وتتالي دق ناقوس الخطر واستدعاء الأطفال الى التطعيم. هي دعوات طبعاً وقائية علماً بأن 85 في المئة من أطفال لبنان، بحسب رئيس قسم حديثي الولادة في مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور عماد شكر، ملقحون. والسؤال: هل الحماية الفردية وحدها تكفي؟ يجيب شكر: الحماية يفترض أن تكون شاملة والتطعيم يحتاج الى استراتيجية وطنية واضحة، ووزارة الصحة اللبنانية تعي هذا تماماً، وتعرف أن كلفة إعطاء اللقاح الى ستين في المئة من الأطفال يبقى أقل من كلفة وجود نسبة اثنين في المئة من الأمراض التي قد تتأتى عن عدم التطعيم.
الخطر موجود
التطعيم إذاً من التدابير الطبية التي تنقذ حياة الأطفال ومستقبلهم من ثلاثين مرضاً معدياً في العالم وتساعد على تقوية الجهاز المناعي. وحالات الشلل كانت قد انخفضت في العالم بنسبة 99 في المئة… فماذا حدث ليعود الشلل ويطلّ محدثاً الذعر الهائل؟
حالة شلل أطفال واحدة في منطقة جغرافية واحدة تعني، في المفهوم الطبي العام، وجود وباء. هذا في الشكل أما في الواقع فقد أكدت منظمة الصحة العالمية ظهور عشر حالات على الأقل من شلل الأطفال في سوريا وتحديداً في دير الزور والخطر، جراء نزوح السوريين الى دول الجوار، يبقى موجوداً حتى لو نفت وزارة الصحة اللبنانية وجود حالات من هذا النوع حالياً في البلد. والخوف ليس في لبنان فقط بل في الأردن أيضاً وفي تركيا وحتى في البوسنة والهرسك وأوكرانيا والنمسا حيث التغطية باللقاحات ضعيفة!
اعتقدنا لوهلة أننا شطبنا هذا الفيروس من قاموسنا! كنا قد نسيناه أو ما عدنا نحتاج على الأقل الى أن ننتبه إليه بعد أن نجح العالم في التحوط منه بنسبة 99 في المئة، حيث انخفضت معدلات الإصابة من 350 ألفا عام 1988 الى 223 اصابة العام 2012، لكن يبدو أننا قد أصبحنا في زمنٍ مفتوح على كل أشكال الأخطار التي قد تأتينا حيناً بثوب أسد كاسر أو نعجة متسللة وهي، في الحالين، تغدر!
يصيب فيروس الشلل الأطفال دون سن الخامسة، لكنه قد يصيب أيضاً، وإن في شكل أقل، من تجاوز هذه السن من الأطفال. وتؤدي حالة واحدة من أصل مئتي إصابة الى شلل عضال. ويكفي وجود حالة واحدة، واحدة فقط، كما سبق وقلنا لنكرر أن الأطفال، في كل الجوار، معرضون لخطر الإصابة بالمرض.
عوارض
نسمع عنه كثيراً ونعرف ارتكاباته لكننا، بغالبيتنا، نجهل أصله وفصله… فما هو؟ كيف يعمل؟ كيف ينتقل؟ وكيف يصيب؟
شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات قليلة تلي الإصابة! ويقتحم الفيروس جسم الطفل عبر الفم ويتكاثر في الامعاء وأعراضه الأولى تُشبه أعراض الحمى من تعب وصداع وتقيؤ وتصلب في الرقبة والظهر واحمرار في الحلق وألم في الأطراف. ولا يوجد، للأسف، اي علاج لشلل الأطفال. وحدها الوقاية، عبر التطعيم ضده، تمنع حصوله أما إذا حصل فيكون «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب»!
تشخيص المرض يتم عبر فحص سريري يجري من خلاله الكشف عن ردود فعل الجسم غير الطبيعية وعبر فحوصات مخبرية تشمل اختباراً لمسحة الحلق ولعينة من البراز أو السائل الشوكي. في كل حال تحتاج أعراض المرض للظهور، إثر التعرض للفيروس، الى مدة تتراوح بين خمسة أيام الى 35 يوماً. والمطعوم ضد الشلل يقي منه بنسبة تسعين في المئة لذلك يُعطى على مراحل على شكل جرعات.
حملة المواجهة في لبنان؟
انطلقت الحملة الوطنية الشاملة في لبنان ضد مرض شلل الأطفال على مرحلتين، جرت الأولى بين 8 و12 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، على أن تلي المرحلة الثانية بين السادس والعاشر من كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وكان لبنان، محصناً طوال 12 عاماً مضت حيث لم تظهر فيه أي حالة شلل أطفال. وكما في لبنان كذلك في سوريا حيث لم تظهر أي حالة من هذا النوع منذ العام 1999، وهذا ما يؤشر بدقة الى أن لبنان ارتاح من هذا المرض يوم ارتاحت سوريا وهو قد يواجه الخطر، من جديد، معها!
ما رأي الدكتور عماد شكر؟
ليس مصير كل من يلتقط الفيروس، بحسب طبيب الأطفال عماد شكر، الشلل الحتمي ويشرح: حجم الإصابة يعتمد على خصائص جهاز الطفل المناعي، وقد تلاقي نسبة خمسة الى عشرة في المئة من الإصابات حتفها بسبب توقف عضلات الجهاز التنفسي. يُذكر أن من مضاعفات المرض الإلتهاب الرئوي والإضطرابات التنفسية والتهاب عضلة القلب وفقدان وظيفة الامعاء وشلل العضلات الدائم وتشوهها والتهاب المسالك البولية. في كل حال قد يحدث الشلل على درجات وفي مجموعات عدة من العضلات، لهذا لا يمكننا أن نقول أن كل مرضى شلل الأطفال مصابون بالشلل الدائم.
عاد شلل الأطفال إذاً الى منطقتنا بعدما لم يكن يستوطن منذ العام 2012 إلا في ثلاثة بلدان في العالم هي: أفغانستان ونيجيريا وباكستان. والخوف على الأطفال دون سن الخمس سنوات كبير والتطعيم يُفترض أن يكون قبل الخبز، وهو مجاني، لكلِ الأطفال، الى أي جنسية انتموا، فمن خلال حماية الجماعة يُصار الى حماية الفرد ووجود حالة واحدة، واحدة فقط، تؤشر الى انتشار الوباء!
500 ألف طفل في سوريا لم يتلقوا لقاحاتهم ضد شلل الأطفال خلال العامين الماضيين بسبب الحرب! ما يعني أن 500 ألف طفل في سوريا معرضون لهذا المرض، ما يعني أن المنطقة كلها في عين الخطر، وأن أطفالنا، إذا لم نلتزم بكل الإرشادات الصحية، في خطر!
لسنا مطمئنين؟
للأسف لا، لن نطمئن إلا بعد أن نتأكد من أن الحملة الوطنية للتطعيم ضد شلل الأطفال قد دخلت فعلاً الى كل ركن وبيت!
نوال نصر