ماري الخوري تتحدى الاعاقة بريشة في يدها
«الريشة في يدها» اصابتها الحرب بوحشية، فشلت حركتها لكنها لم تقو على موهبتها، فظلت ترفع الريشة بيدها تتحدى بها كل الصعاب وكل الاعاقة وتعلن من خلالها على الملأ، انها هنا تحب الحياة والطبيعة والوطن وترفض كل اشكال اليأس والاحباط والخنوع والاستسلام.
انها ماري الخوري المصابة بشلل رباعي اثر اصابتها خلال الحرب منذ العام 1982، هي المستقرة في مركز بيت شباب للمعوقين تعرض اليوم مجموعة لوحات مائية جديدة شكلت معرضها الفردي الثاني تنشر من خلالها اجواء الفرح والتفاؤل في بيروت، انطلاقاً من غاليري اكزود الاشرفية من 12 الى 21 اب (اغسطس) الحالي، لوحات تحمل حكايات الضيع اللبنانية وبيوتها، وخصوصاً ذكريات الطفولة في ضيعتها الشوفية البيرة التي تهجرت منها. انها مائيات شفافة تحمل شحنات من العاطفة والحنين.
قيمة مزدوجة
لعل اجمل ما في المعرض انه يحمل قيمة مزدوجة تتمثل اولاً بالفنانة كشخص، من خلال الرسالة التي توصلها عبر هذا المعرض، كونها صنعت من الضعف قوة، وموهبتها ولدت من رحم الاعاقة شأنها شأن اللبناني بشكل عام الذي لا يشبهونه بطائر الفينيق عن عبث، اللبناني الذي يأبى الاستسلام وفي كل مرة يهوي يقوم اقوى من السابق، اما الشدائد والمشقات فلا تزيده الا اصراراً ذلك التقدم ومتابعة مسيرة الحياة.
الحقيقة انك حين تنظر الى ماري الخوري كيف ترسم من خلال مسند مربوط ستتوقف مدهوشاً امام قوة ارادتها وعزيمتها واصرارها من ناحية، بقدر ما تدهشك قصة تصالحها مع الحياة ومسامحتها للمقاتل الذي تسبب بشللها مدى الحياة وكاد يودي بحياتها، وخير دليل على ذلك رسوماتها للبيوت والازهار والطبيعة اي لاجواء الفرح وبشفافية لافتة.
ومن الناحية الفنية ، ستقف امام شفافية لوحاتها لاننا حين نتأمل رسوماتها التي تصور فيها ساحة الضيعة والحارات الضيقة والكنيسة والصبايا يملأن جرارهن من العين… نشعر بحنين الفنانة الى حياة البساطة، الى طيبة اهل الجبل، وتنتقل الينا بالعدوى هذه المشاعر اللطيفة التي بات ابن المدينة يرغبها ويتوق اليها أكثر فأكثر.
من هي؟
ماري الخوري مواليد البيرة الشوف 1964، اصيبت في الحرب عام 1983 واصبحت مشلولة بشكل رباعي، فقط رأسها وجزء من كتفها يتحركان، مستقرة في معهد بيت شباب. سنة 1991 درست الرسم في اكاديمية ميكل انج وبدأت الاكواريل بموهبة ظاهرة بعد ان تلقت دروساً خصوصية على يد طوني خضرا في المعهد بعد تخرجها عام 2001. عرضت منفردة عام 2006 في فندق متروبوليتان وكانت لها مشاركات مهمة في معارض جماعية في لبنان، نذكر منها مهرجان غزير عام 2012 في المركز الثقافي البلدي وفي المعهد اللبناني للمعاقين في بيت شباب 2010 وفي العام 2003 ضمن صالون الفنانين المستقلين في مجمع البيال، وفي العام 2001 شاركت في يوم الفنانين في بلدية دير القمر.
اما عن حكاية موهبتها فتتلخص بأنها في يوم خريفي في المعهد، وبواسطة مسند ذراعي يثبت على اليد، امسكت قلم تجميل اختها وراحت تتمرن على كتابة اسمها «ماري الخوري»، عاندها الحرف فجربت الخطوط العريضة وراحت ترسم وتخربش، فرسمت وجوهاً واشجاراً وشاهد مدير المعهد انذاك الاب جورج كرباج خربشاتها على اوراق على مقعد في غرفة التأهيل فما كان منه الا ان اخذها وعرضها ضمن مجموعة معرض الميلاد وقال: «ان اليد التي خربشت هذه الرسومات تستطيع ان تخربش افضل منها». وهذا الكلام كان دافعاً اضافياً لماري الخوري لتتعلم الرسم وتجعله مهنة لها في حياتها.
كوثر حنبوري