حمود شنتوت وعروبة ديب معاً نحتا ورسما في اسواق بيروت

«وتحسب انك جرم صغير… وفيك انطوى العالم الاكبر»، قول بليغ للامام علي ابن ابي طالب ينطلق منه الفنان السوري حمود شنتوت ليؤكد بفنه ان الدنيا كلها موجودة في الانسان، خصوصاً من خلال مجموعة لوحاته الاخيرة ذات الموضوعات البسيطة المرسومة بطريقة خاصة جداً به، مجموعة غنية شكلت معرضه المشترك مع زوجته النحاتة عروبة ديب، هو الثاني المشترك لهما في بيروت والثالث عالمياً بعد مونريال – كندا. واذا كان كل منهما قد وضع اعماله المختلفة رسماً ونحتاً، الا ان حب الفن والتعبير جمعهما في هذا المعرض الذي افتتح في صالة ذي فينيو في اسواق بيروت وحضره جمهور واسع من محبي الفنون، لكن بقيت لكل منهما خصوصيته وسحره.

الفنانة عروبة ديب قدمت مجموعة منحوتات برونزية مختلفة الاشكال والاحجام وفق الاسلوب التعبيري، عبرت من خلالها عن حالات انسانية مثل الحب والامومة والحزن والوحدة، وتقول لـ «الاسبوع العربي» انها جربت الرسم في البداية لكنها وجدت نفسها في النحت الذي جذبها واحبته واحبت الشعور حين تمسك الكتلة الصلصالية بيدها (تصنع منحوتاتها قوالب صلصالية ويتولى شخص اخر تحويلها الى برونزية) فالنحت يعطيها شعوراً بالرضى والراحة وهي لا تفضل اقتراح عناوين لمنحوتاتها لتترك للمشاهد ان ينظر اليها كما يريد ومن وجهة نظره وتبعاً لذائقته الفنية.
لم تنكر عروبة ديب تأثرها بزوجها الذي كان استاذها في الجامعة – اخبرت – لكنها عالمياً تأثرت برودان وعلى صعيد سوريا بالنحاتين لطفي الرمحي وعاصم الباشا.

العالم داخل الانسان
اما حمود شنتوت فقدم  رسومات في المعرض، لكن لا يتردد في  النحت اذا تطلبت اللوحة ذلك، فنرى روعة النحت في اللوحة وحين نتأمل لوحاته المعروضة والتي تطلبت منه 5 سنوات من العمل معظمها بالحجم الكبير، بينها  ثلاثية استوحاها من القصيدة الاخيرة لمحمود درويش عنوانها «لعب النرد» من «نشيد الوداع»، نلاحظ مدى تطور عمل الفنان مع المحافظة على الخط ذاته الا ان العناصر اليوم  صارت اقل، فنرى  في اللوحة شجرة وشخصاً او شخصاً فقط، هنا شنتوت اشتغل على موضوع الروحانيات متبعاً الصوفية في عمله انطلاقاً من مقولة «وفيك انطوى العالم الاكبر» كما اسلفنا.
الموضوع غير مهم – يقول الفنان لـ «الاسبوع العربي» – بل الفكرة الداخلية او المضمون الذي نحمله لهذا الموضوع البسيط او ذاك، المهم كيف نعالجه هل يشد المشاهد هل يحمل مشاعر انسانية ام لا، الرسم كالشعر، الموضوعات تتشابه لكن كل فنان يقولها بطريقته.
ونلاحظ في هذا المعرض تغييراً في التقنية عند الفنان وهذا امر متوقع لان لكل موضوع متطلباته وبالتالي لا يمكن ان يعالج موضوع الانسان كما عالج موضوع الجدار سابقاً او غيره من الموضوعات. فكيف بالحري ان كان التغيير والتنويع يدخلان في صلب طبيعة الفنان وبشكل خاص عند شنتوت الذي يمل بسرعة ويهوى التجديد في كل شيء، فنرى انه ينوع ايضاً في الخامات وحين يمل من القماش يعمل على الخشب (نجد في المعرض لوحات منجزة على الخشب).
ويستشهد حمود زنتوت هنا ببيكاسو الذي دخل في اكثر من عشرين مغامرة في حياته من التكعيبية الى السوريالية الى المرحلة الزرقاء والمرحلة الوردية فالى الخزف والحفر.

هدم وبناء
لكن في ما يخص الالوان، فاننا نجد لدى شنتوت مجموعة الوان خاصة به وميلاً واضحاً الى اللون الاسود، فيعمل على الاحمر والاسود ومشتقاتهما وهو ككل رسام يحرص على ان يوازن بين الاضواء والالوان الحارة والباردة وبين الخشنة والشفافة، واثناء عملية الرسم الموهبة تتكلم، اذ قد يبدأ الفنان بأمر وينتهي بآخر مختلف كلياً عما بدأه، انها عملية هدم وبناء وامتع الاوقات حين يبدأ بوضع اللون على الخلفية البيضاء في مرحلة تشكل 90% من عملية الخلق وهي الاهم، فيشبه الامر كأننا اوجدنا «الرحم الذي سيحتوي المولود الجديد».
الفن بالاجمال هو مشروع حياة كاملة بالنسبة الى حمود شنتوت «انه مشروعي في الحياة وجدت نفسي فيه وكرست كل وقتي له» كما قال لنا، مع العلم بأنه استمر يرسم 20 سنة من دون ان يجد مردوداً كافياً لكنه ثابر حتى وصل الى مرحلة تمكنه من العيش من فنه فقط.
وبالرغم من انه يجد متعته في الفن لكنه يعي جيداً الرسالة التي يحملها لبلده سوريا «نحن في الوطن العربي نحتاج كثيراً الى فنانين، خصوصاً اننا بقينا مئات السنين بعيداً عن الفن». هو يرى انه يمكن ان يخدم وطنه لكن لا حاجة لان تكون الرسالة واضحة وصريحة كما هو الحال في الاعلان، اذ بمفهومه لا يوجد فنان له دور في التغيير واخر لا، فاما ان يقدم الفنان شيئاً له مضمون  انساني واما ان يكون مشعاً او تجارياً لا قيمة فنية له.
وهذا بالطبع امر مؤكد لان العمل الفني هو عملية تبادل مشاعر بين الفنان والمشاهد وبالتالي فمن غير المطلوب ان يفهم المشاهد اللوحة بل ان تنقل له مشاعر واحاسيس اللوحة، ولاجل ذلك يجب ان تكون محملة بالمشاعر، بالامال، بالفرح والحزن وما الى هنالك تماماً مثل الاغاني والشعر.
ربما لهذا السبب كان يفضل شنتوت الا يضع عناوين للوحاته لكنه فعل ذلك فقط بغية مساعدة المشاهد ليدخل باباً من ابواب اللوحة، لكن المشاهد يمكنه ان يغير او ان يسميها بطريقة مختلفة فالعنوان يوضع بعد انتهاء اللوحة.

العيب في النظر
لكن ماذا لو فهم المشاهد غير ما قصده الفنان؟
يجيب: «يكون العيب في عينيه وليس بي انا» مستشهداً هنا بواقعة ان احد الفنانين الفاشلين سأل احد الفنانين الكبار: لماذا رسم 20 بورتريه ولم يكتف بواحدة؟ فاجابه: المشكلة ليست فيّ بل في عينيك، فما كان الا ان انسحب الفنان الفاشل من الجلسة. وتجدر الاشارة الى ان سيزان رسم طبيعة صامتة طول حياته وفان غوغ رسم نفسه 20 مرة وكل مرة بطريقة جديدة، واهمية العمل الفني انه يحمل كل حياة الفنان: ماضيه وحاضره، آماله وامنياته احاسيسه ومشاعره وتخيلاته ورؤيته.
وحين سألنا الفنان عن الجمهور ومدى تفاعله مع الفنون في الوطن العربي بالمقارنة مع كندا وفرنسا وغيرهما من البلدان؟ اجاب: ان بين الجمهور الفرنسي من يرى جيداً ومن لا يرى جيداً كما في الوطن العربي. فهناك من يتذوق ويقدر. الفن ومن لا يتذوق ولا يقدر، وخلص الى ان الانسان مهما كانت جنسيته وانتماؤه يجب ان يدرب على اللوحات الاصلية كي يرى ويحلل اللوحة ويتبادل الاحاسيس بينه وبينها. لهذا السبب ان الزوار حين يدخلون الى المعرض، كل منهم يعجب بلوحة مختلفة عن الاخر فهذا امر شخصي وكل انسان له نظرته الخاصة وكما ذكرت غير مهم تكرار الموضوع بتاتاً لان الفنان الحق في كل مرة يقدم الموضوع نفسه بطريقة جديدة ومختلفة.

كوثر حنبوري