امير قطر الجديد: سياسة والده بأسلوب مختلف
«ستبقى قطر كعبة المضيوم». بهذه العبارة التي سبق ان رددها والده المتنحي عن السلطة، حسم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الجدل الذي امتد على مساحات شاسعة من العالم، بما في ذلك الامتدادان العربي والخليجي. والذي تركز حول السياسة الجديدة لدولة قطر في ظل الامير الجديد، الذي تسلم السلطة من الده سلمياً، في فترة يجمع المحللون على انها من اكثر الفترات حساسية على مختلف الصعد. وفي مرحلة يعتقد فيها ان ما اتفق على تسميته بـ «الربيع العربي» يتوقف الان عند منعطف غاية في الصعوبة، وتحديداً من بوابته السورية.
العبارة تتحدث عن البعد الخارجي في السياسة القطرية واحتمال بقاء الرؤية كما كانت سابقاً.
النقطة الاشد حساسية هنا، ان دولة قطر كانت الدولة الاكثر حماسة للتغيير في سوريا. ودفعت لذلك مليارات الدولارات، كما استخدمت كل ما اؤتيت من نفوذ من اجل اطاحة الرئيس بشار الاسد، والانتصار للمعارضة. واعلنت من جانبها حرباً على كل من نظام الرئيس بشار، والاطراف التي تسانده، وفي مقدمتها روسيا وايران وحزب الله. وشكلت رأس الحربة في دعم المعارضة السورية وصولاً الى ذلك الهدف.
ومع ان الملفات التي تصدرتها دولة قطر كثيرة جداً، وفيها الكثير من الاشكالية على الصعيدين الاقليمي والدولي، الا ان ملفات الربيع العربي كانت الاكثر بروزاً، حيث قدمت دولة قطر في عهد اميرها السابق نفسها كراعية لهذا المشروع الذي يرى محللون انه اطاحه شخصياً، كما اطاح رئيس وزرائه – الشخصية الجدلية – حمد بن جاسم، والذي يعتقد ايضاً انه كان «طباخ» تلك السياسات.
التغيير السلمي
التغيير في قطر كان سلمياً، لكن بعض المحللين كانوا ينظرون اليه من بعض الزوايا: اولها، ما يتعلق بصحة الشيخ حمد بن خليفة الامير الذي تنازل عن الحكم لصالح نجله، حيث يؤكد بعض المصادر انه كان يمر بوضع صحي غير مريح، وانه اقتنع بضرورة تسليم الحكم الى نجله تميم من زوجته «الشيخة موزة»، والذي سبق ان سماه ولياً للعهد، وبحيث يخلد هو للراحة، ويحسم اية خلافات يمكن ان تحدث داخل الاسرة.
اما الزاوية الثانية، فكانت الموقف من الملف السوري، وحدوث بعض التقاطعات بين الرؤية القطرية والموقف الاميركي. خصوصاً ما يمكن وصفه «الاندفاعة القطرية»، امام القرار الاميركي بالتريث في بعض المفاصل، وتحديداً في ما يتعلق بوجود متطرفين يعملون على الساحة السورية، ويمكن ان يطاولهم جزء من الدعم العشوائي الذي يرسل للثورة السورية. ويتوقف محللون عند محطات مهمة في هذا السياق، اعتبرتها الولايات المتحدة من بين الاخطاء التي ارتكبتها السياسة القطرية، ومنها تسليم المعارضة مقعد سوريا في القمة التي استضافتها الدوحة خلال شهر آذار (مارس) الفائت . فالسياسة الاميركية التي تناهض نظام حكم الرئيس بشار الاسد، تتعامل مع هذا الملف بقدر من التوازن، بحكم تطورات تستوجب التعاطي الحذر. خصوصاً دخول عناصر التيار السلفي وتنظيم القاعدة وهما ينضويان تحت مسمى «جبهة النصرة». بينما الرؤية القطرية التي يعتقد انها كانت رؤية حمد بن جاسم كانت مختلفة بعض الشيء. في هذا السياق، يعتقد محللون ان الشيخ تميم الذي يعتقد انه أهّل نفسه لهذا المنصب، اجاب على معظم التساؤلات التي تطرح على نطاقات مختلفة. ففي خطابه الاول الذي وجهه الى الشعب القطري، غداة تسلمه مقاليد الحكم، اكد ان بلاده «ترفض الطائفية في العالم العربي ولا تحسب على تيار سياسي ضد آخر». الامر الذي فسر بانه محاولة لفض التشابك مع جماعة الاخوان المسلمين التي كان نظام والده الشيخ حمد داعماً لها. وانه رفض لمشاريع الطائفية التي تحاول ايران وحزب الله جر المنطقة اليها. ولم يتطرق الامير الشاب البالغ من العمر 33 عاماً في خطابه الاول الى القضية السورية التي كانت على رأس اولويات والده. وفي الوقت نفسه، ذكر الشيخ تميم ان قطر ستستمر في دعم الفلسطينيين، وانها تريد المحافظة على علاقاتها مع جميع الدول. وزاد: «نحن دولة وشعب ومجتمع متماسك ولسنا حزباً سياسياً ولهذا فنحن نسعى للحفاظ على علاقات مع الحكومات والدول كافة، كما اننا نحترم جميع التيارات في السياسة المخلصة المؤثرة والفاعلة في المنطقة، ولكننا لا نحسب على تيار ضد آخر». واكد رفض الطائفية والمذهبية في العالم العربي، قائلا: «نحن كمسلمين، نحترم التنوع في المذاهب ونحترم كل الديانات في بلداننا وخارجها وكعرب نرفض تقسيم المجتمعات العربية على اساس طائفي ومذهبي، لان هذا يمس بحصانتها الاجتماعية والاقتصادية ويمنع تحديثها وتطورها على اساس المواطنة بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة».
البعد الداخلي
وفي البعد الداخلي، دعا الشيخ تميم القطريين الى المزيد من العمل والجهد مؤكداً انه سيكون هناك تدقيق اكبر في نتيجة الاستثمارات الضخمة التي تضعها الدولة داخلياً وخارجياً. المحللون الذي تابعوا تطورات انتقال السلطة في قطر، وتفاصيل خطاب واجراءات الامير الجديد، توقفوا عند جملة من المحطات التي تؤشر الى عدم ابتعاد الشيخ تميم عن سياسة والده. ففي تفاصيل خطابه جدد الشيخ تميم التأكيد على الثوابت عينها التي كانت تشكل ركائز حكم والده، ومنها مواصلة الاهتمام بالقضايا العربية، ولكن بأسلوب مختلف. ومن المحطات في هذا السياق، ابعاد رئيس الوزراء السابق الشيخ حمد بن جاسم، الذي كان من المتحمسين جداً للتغيير الانقلابي في المنطقة، واستبدله بالشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة، الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في حكومة بن جاسم، ما اعتبره متابعون رسالة مضمونها التركيز على الشأن الداخلي. كما احتفظ بخالد العطية المعروف باتزانه، وزيراً للخارجية.
وضمّت الحكومة الجديدة التي يترأسها الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني الذي احتفظ بحقيبة وزارة الداخلية 20 عضواً بينهم 12 وزيراً جديداً. وبموجب التشكيلة الجديدة، احتفظ أحمد بن عبدالله بن زيد آل محمود بمنصبه كنائب لرئيس مجلس الوزراء، وكوزير للدولة لشؤون مجلس الوزراء. وكل من الشيخ عبد الرحمن بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني وزيراً للبلدية والتخطيط العمراني، والدكتور محمد صالح عبدالله السادة وزيراً للطاقة والصناعة، والدكتور حمد عبد العزيز الكواري وزيراً للثقافة والفنون والتراث، والدكتور غيث بن مبارك الكواري وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبدالله خالد ناصر القحطاني وزيراً للصحة العامة. وتم استحداث 5 وزارات، هي: وزارة للشباب والرياضة تولّى حقيبتها صلاح بن غانم ناصر العلي، كما تم استحداث وزارة للتنمية الإدارية تولى حقيبتها الدكتور عيسى سعد الجفالي النعيمي، واستحدثت كذلك وزارة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تولت حقيبتها الدكتورة حصة سلطان الجابر، وكذلك وزارة للمواصلات تولى حقيبتها جاسم السليطي، ووزارة التخطيط التنموي والإحصاء، وتولى حقيبتها الدكتور صالح النابت.
الدوحة – «الاسبوع العربي»