جبيل ارض الرب
كل شيء عن بيبلوس منذ بدء ازمنتها وحتى حاضرها المغمس ابداً بعبق التاريخ والرافض الانسلاخ عنه. كل شيء عن تلك المدينة الساحلية يرويه ريمون يزبك تحت عنوان «جبيل ارض الرب» في جولة طويلة على تلك الارض بكل ما تزخر، ساحلاً، جبلاً وبحراً، عبر قرون وحضارات ومواقع، يأخذنا بها ريمون يزبك عبر صفحات وصور وتاريخ يوثقه بعدسة «عاشقة» منبهرة بما رأت ولمست وشهدت، معلناً مجداً لم يعط الا لجبيل… ارض الرب.
نعم، هي جبيل «ارض الرب» مصدر الابجدية واقدم مدن العالم يستعرضها المصور المخضرم ريمون يزبك، مؤرخاً وموثقاً بالصور المزيلة بالشروحات تاريخها وحضاراتها وتراثها عبر القرون بدءاً من العصر النيلوتي الذي يعود الى 6000 عام قبل الميلاد، وحتى ايامنا هذه، عبر 257 صفحة في كتاب من الحجم الكبير صادر عن «منشورات كنوز التراث»، هو العاشر له يقدمه قائلاً: «اردت من خلال عدستي ان اشهد على عظمة جبيل ومجدها، علني اساهم بالمحافظة على هذا التراث الثمين الاقدم في العالم. وهكذا يبقى قلبها نابضاً الى الابد».
تاريخ وصور
على صفحات «جبيل ارض الرب» الانيقة، ترقص جبيل متفاخرة، وتتراقص صور يزبك فناً وابداعاً ورهافة وهي تروي بشغف، وحتى ادق التفاصيل، حكاية تلك المدينة تارة بالالوان وتارة بالابيض والاسود، ما حاكته وما خلفته القرون والشعوب والحضارات المتعاقبة في تلك الارض، ساحلاً، جبلاً، بحراً وصخوراً وحجارة وشجراً.
لانجاز كتابه العاشر ذاك، استلزم المصور الفنان «المؤرخ»، اعواماً حاملاً كاميراته متنقلاً كالسندباد في بلاد جبيل، لم يترك تفصيلاً يفلت من عدسته، وما نقص عوضه بنصوص وصور قديمة من وزارتي السياحة والثقافة والمديرية العامة للآثار و«المؤسسة الوطنية للتراث» و«مؤسسة لويس قرداحي». والبداية من التاريخ القديم لبيبلوس هذه المدينة العريقة المدرجة على «لائحة التراث العالمي» للاونيسكو، صور من المواقع الاثرية والحفريات واعمال التنقيب التي كشفت حقبات الزمان وتاريخ الانسانية عبر القرون منذ اكثر من 8 آلاف عام، والقطع الاثرية المستخرجة منها، معززة بشروحات مستقاة من اختصاصيين وخبراء ومراجع مديرية الآثار وملفاتها.
بالصور المذيلة بتعليقات، روى ريمون يزبك حكاية صناعة التماثيل المطلية بالذهب في بيبلوس منذ الالفية الثانية، تقديراً للجنود الذين ماتوا دفاعاً عن مدن فينيقية، وكانت تتصدر البيوت ليتوجه الناس اليها بالصلاة، ويتوقف عند الدور المهم الذي لعبته الآلهة في جبيل حيث تشهد المعابد والتماثيل والمنحوتات على المكانة العالية التي تمتعت بها الآلهة يتصدرها الإله أيل مؤسس المدينة.
حوانيت، ازقة، ابواب وادراج
لم تترك عدسة ريمون يزبك تفصيلاً دون ان تلتقطه وتوثقه، من القلاع القديمة الى التماثيل والفخاريات الى متحجرات حجولا وحاقل وجاج التي تعود الى 100 مليون سنة، الى الاسواق القديمة بدكاكينها وحوانيتها التراثية ومقاهيها، الى الادراج والازقة مروراً بالابواب الخشبية والشبابيك والشرفات والمداخل، فالى نهر ابرهيم والجسور القديمة… وللكنائس والاديرة والمحابس التي تزخر بها قرى جبيل وبلداتها فصل خاص مستفيض، كما المساجد والمعابد الفينيقية والرومانية، ومن ثم تأخذنا كاميرا يزبك في جولة خاصة على البيوت القديمة المحاطة بالحدائق الجميلة والمساحات الخضراء، المنتشرة في مختلف البلدات.
وعمشيت في البال
اما عمشيت، فاستحقت حصة الاسد، فهي في البال والقلب بلدة الوالدة، وهناك الحنين الى ذكريات الطفولة والشباب الحلوة، يستعيدها المصور الفنان، ونجول معه بين البيوت التراثية والقصور القديمة التي تسكنها اعرق العائلات الجبيلية، ومنها دار طوبيا زخيا حيث سكن الكاتب والفيلسوف وعالم الاثار الفرنسي ارنست رينان مدة عام كتب خلاله كتابه الشهير «حياة يسوع»، وبيت الطوباوي الاخ اسطفان نعمة في لحفد.
بالابيض والاسود
ويخصص الكتاب فصلاً يستعرض صوراً قديمة بالابيض والاسود لرجال ونساء حفروا مكانتهم في ذاكرة الجبيليين، وكان لهم دور في تاريخ جبيل ونسيجها الاجتماعي، ولشخصيات صنعت مجد هذه البلاد من فنانين وحرفيين ونحاتين ورسامين في مشاغلهم ومقالعهم، وتظهر اعمالهم ولوحاتهم غنى جبيل بثروة انسانية وفكرية مميزة.
وطبعاً لم يغفل ريمون يزبك شواطىء جبيل وصيادي الميناء القديم وقصصهم مع البحر، ولا الاميرال بيبي عبد ومغامراته ولا متحفه ومتحف الشمع، كما حضرت المهرجانات العالمية التي كانت وما زالت تضيء سماءها كل صيف بنور الثقافة والفنون والفرح.
هي جبيل ارض التاريخ والابجدية والحضارات يطرحها ريمون يزبك «ارض الرب».
الكتاب العاشر
«جبيل ارض الرب» هو الكتاب العاشر للمصور ريمون يزبك بعد سلسلة كتب مصورة مماثلة حملت عناوين: الحجر، وادي القديسين، لبنان الابيض، تعابير، لبناني، على خطى القديس شربل، دير سيدة قنوبين، دير مار ليشع.