حزب العمال الكردي يودع الكفاح المسلح وينسحب من تركيا
منذ الاسبوع الماضي، بدأت تركيا تأمل ويدها على قلبها، فخلايا حزب العمال الكردي، المسلحة، بدأت عملية الانسحاب من اراضيها، في ما هو مفترض ان يشكل المرحلة الاولى لانتهاء الكفاح الكردي المسلح، ويقدر عدد المقاتلين الاكراد، الذين سيغادرون الى شمال العراق، خلال الشهرين ام الثلاثة اشهر المقبلة، بألفين، بعد موافقة رئيس كردستان العراق، مسعود البرزاني على استقبالهم ومساعدتهم على تأمين حياة جديدة وعلى الانصهار في المجتمع.
كتبت جريدة «صباح»، الموالية للحكومة، عن اطباء يتكلمون الكردية وموظفين كلفتهم الحكومة التركية الاشراف على عملية الانتقال، يتواجدون في النقاط الحدودية. وقالت جريدة «ميليات» ان عملية الانسحاب بدأت فعلاً من دون اعلام وضجيج تفادياً لاية مشاكل. وكان اول من انتقل 40 مقاتلاً من حزب العمال، كانوا على ضفاف البحر الاسود، وان الحكومة سهلت العملية بوقف تحرك الطائرات من دون طيار التي تراقب المناطق الحدودية مع شمال العراق وتحدثت وكالة «فرانس نيوز» القريبة من حزب العمال عن عملية انسحاب مخطط ومنظم.
وكان المسار التوافقي بدأ رسمياً، في 20 اذار (مارس) عندما دعا عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال المسجون في جزيرة ايمرالي، رجاله الى مغادرة الاراضي التركية، والتخلي عن الكفاح المسلح. وجاء هذا النداء بعد مفاوضات اجراها على مدى ثلاث سنوات، من سجنه، مع الحكومة التركية، حول اتفاقية اساسها، وقف الكفاح المسلح مقابل انجازات دستورية ينتظرها الاكراد منذ عقود.
ولكن من السابق لاوانه التهليل للانتصار. فالحزب الكردي في برلمان تركيا، اتهم حكومة رجب اردوغان بانها نفذت عدداً من العمليات العسكرية، في الايام التي سبقت بداية الانسحاب فكادت تهدد المسار بكامله، وانتقد اردوغان من جهته تنظيم عملية الانسحاب، وخصوصاً الاعلان المسبق عن موعد بدء العملية. فرأى امام كتلة حزبه البرلمانية «ان هذا الاعلام، كان خطأ، ولم تكن هناك اية حاجة للاعلان عن الموعد. فاذا اردت التنفيذ فما عليك الا تسليم السلاح والانسحاب من دون اي اعلان». وكان رئيس الحكومة التركية، يشير الى المؤتمر الذي نظمه حزب العمال الكردي، في 25 نيسان (ابريل) ليقرر موعد الانسحاب فاستقطب كل الاضواء من دون الجهود التي بذلها رئيس الحكومة.
ولم تخف اوساط الحزب في باريس، امام «الاسبوع العربي»، قلقها وتخوفها، من حصول عمليات عسكرية ضد المقاتلين الاكراد على طريق الانسحاب، وقالت انها تعتبر الحكومة التركية مسؤولة عن اية عملية عسكرية، مع العلم ان الوضع الداخلي في تركيا ليس على افضل ما يرام. فهناك مجموعات قومية، تشكل تهديداً دائماً، للامن الداخلي، خصوصاً في مناطق الجنوبية الشرقية حيث الاقلية الكردية، كثيرة العدد واشارت استقصاءات الرأي الى تدني شعبية حزب العدالة والانماء الذي يقوده اردوغان في هذه المناطق، نتيجة المفاوضات مع الاكراد.
ثم هناك المشكلة الكبرى الاخرى، المتجسدة في الدستور الجديد، المطلوب. فالمعارضتان العلمانية والقومية، خرجتا من جلسات درس الدستور، اعتراضاً على المفاوضات مع حزب العمال الكردي وعلى سعي اردوغان الى صلاحيات رئاسية اوسع. ويطمح رجب طيب اردوغان في الترشح لرئاسة تركيا، خلال انتخابات السنة المقبلة متمتعاً بصلاحيات واسعة. وتنسب الاخبار، الى رئيس الجمهورية الحالي، عبدالله غول الذي قد يطمح الى تجديد رئاسته انزعاجه من المنافسة التي قد يشكلها اردوغان. ولم يخف اردوغان انزعاجه من المفاوضات مع الاكراد، التي كان من المفروض ان تشكل «الانجاز» السياسي بالنسبة اليه. فكان التخوف من ان ترتد عليه. ويحتاج اردوغان الى استعادة مستويات شعبيته العالية، في افق الانتخابات التشريعية والرئاسية والادارية المقبلة.
جوزف صفير