العراق: المالكي يحقق 3 مكاسب دفعة واحدة
نجح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال الاسبوع المنصرم، في تحقيق سلسلة نقاط واهداف على منافسيه وعلى خصومه على حد سواء، فنجح بذلك في اعادة الاعتبار لنفسه ولحكومته، بعدما بدا قبل ايام من ذلك في وضع حرج وصعب اثر «افتعاله» صداماً واشتباكات مع معارضيه المعتصمين في ساحات مدن في ثلاث محافظات، فرد هؤلاء الخصوم عليه بشكل عنيف ودام، وتخوف معه الكثيرون، من ان تكون في القريب حرب اهلية كافية اسبابها وجذورها اصلاً وقد انفتحت على مصراعيها ليبدو معها العراق برمته وكأنه صار على فوهة بركان من الانفجار، ومن الاحتمالات البالغة السوء والسلبية.
المالكي الذي سمع منذ نحو اربعة اشهر بأذنيه كل صبيحة هتافات تنديد وخطب الاحتجاج ضده من معارضيه الذين نزلوا الى الشوارع ليغطوا الساحات ويبدأ فصل جديد من فصول المواجهة في الساحة العراقية المثقلة اصلاً بالتناقضات والمشكلات.
والمالكي عينه الذي دخل في مواجهات سياسية محتدمة مع الطرف الكردي ومع طرف اساسي في الساحة الشيعة هو «التيار الصدري»، الذي ما فتىء يعلن انضمامه يومياً الى المعارضين، وقد حقق خلال الايام القليلة الماضية مكسباً اولاً تمثل في الاعلان عن تقدم اللوائح والقوائم التي سماها ودعمها في الانتخابات المحلية التي جرت اخيراً في سبع محافظات عراقية.
وبصرف النظر عن «قيمة» هذا التقدم ومفعوله ونتائجه في ميزان الحسابات السياسية والادارية حاضراً ومستقبلاً، فإنه صار في امكان المالكي بعد صدور نتائج فرز صناديق الاقتراع ان «يواجه» منافسيه وخصومه في وقت واحد، وان يتعاطى معهم بشكل مختلف عن السابق.
مواجهة الخصوم
وفي تفصيل اوسع، صار في مقدوره ان يقول لـ «التيار الصدري» المتربص به، والذي يحاول ان يصفي معه حساباً قديماً يعود الى مرحلة حكومة المالكي الاولى، انه ما زال (اي المالكي وحزبه اي حزب الدعوة) في طليعة القوى السياسية الشيعية الاساسية وانه يحق له ان يشغل الموقع الذي يشغله حالياً ومنذ عام 2005 من دون انقطاع.
وصار في مقدوره ان يواجه المجلس الاسلامي العراقي الاعلى بزعامة عمار الحكيم ويؤكد له انه جدير بقيادة الساحة الشيعية، ومسار اللعبة السياسية العراقية، وان يكون عماد هذه الساحة كما يزعم هو، وعليه بالتالي الكف عن محاولات التربص والتلاعب والمناورة، واستطراداً التفكير في العروض التي ترد الى المجلس احياناً والداعية سراً وعلانية الى التخلي عن المالكي واستبداله بشخصية اخرى، يسميها التحالف الوطني العراقي الذي يضم بين جنباته القوى والتيارات والاحزاب الشيعية الممثلة في البرلمان العراقي.
وفي الوقت نفسه، بإمكان المالكي ان يقف بقوة في مواجهة خصومه وخصوصاً القائمة العراقية التي ناصبته العداء، فرد عليها بالمثل، وذلك منذ ان صدرت نتائج الانتخابات العامة الاخيرة وظهر التقارب بين ائتلاف المالكي والقائمة العراقية وانفتح باب التنافس على رئاسة الحكومة العراقية.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، صارت الصراعات والتجاذبات والخلافات بين الطرفين هي ابرز عناوين الحياة السياسية في العراق، فكلاهما انصرف الى اعداد الاوراق وعناصر القوة للايقاع بالاخر لدرجة ان القائمة العراقية اوشكت خلال الصيف الماضي على سحب الثقة من المالكي واخراجه من واجهة المشهد السياسي والحكومي، في حين ان المالكي نجح في احداث تصدعات داخل هذه القائمة واخراج ابرز قيادييها، طارق الهاشمي من العراق منفياً، فيما اخرج احد اقطابها صالح المطلك من بين صفوفها.
لذا، فإن «الفوز» الذي حققه المالكي في الانتخابات المحلية الاخيرة، هو ورقة جديدة سيضمها الى اوراقه لجبه القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي وليؤكد لها انه ما زال الاول في ساحته.
اعادة الاتفاق مع الاكراد
اما المكسب الثاني الذي حققه المالكي فهو اعادة جسور العلاقة والاتفاق بينه وبين التحالف الكردستاني بعد مرحلة مديدة من الجفاء والقطيعة بينهما، تخللتها مواجهات سياسية وصدامات، كان ابرزها تحول اربيل عاصمة اقليم كردستان الى مركز اجتماعات ولقاءات مكثفة للقوى الثلاثية المعارضة للمالكي.
ثم كان الصدام الامني بين قوة امنية شكلتها حكومة المالكي واسمتها لواء عمليات دجلة، وكلفتها الانتشار في مناطق متنازع عليه بين بغداد واربيل ومحيط كركوك، وقوات «البشمركة» التي وقفت بالمرصاد لعناصر اللواء وحاولت منعهم من الانتشار والعمل. وبلغ الصراع والاحتكاك بين الطرفين اللذين كانا تاريخياً في حالة تحالف، ذروته عندما بادر التحالف الكردستاني الى سحب وزرائه من حكومة المالكي والى سحب نوابه من البرلمان العراقي.
وهكذا وفيما كان البعض يتحدث عن امكان فقدان حكومة المالكي نصاب استمرارها القانوني بعدما قاطعها ايضاً وزراء القائمة العراقية واعتكف وزراء التكتل الصدري، يصل وفد كردي عالي المستوى الى بغداد برئاسة رئيس وزراء الاقليم نيجيرفان البرزاني ويشرع في محادثات تنتهي باتفاق من 7 بنود يزيل كل نقاط الخلاف والتباين حيال قضايا النفط والامن والسياسة والادارة والموازنة العامة ومستحقات للشركات الاجنبية العاملة في الاقليم، ومعالجة مشاكل في نينوى والجزيرة والتفاهم بشكل اولي على ترسيم الحدود الادارية بين المدن والمناطق التي تم تغييرها في زمن النظام السابق وقضايا اخرى مزمنة ومستحدثة، وتكون النتيجة ان يعلن الطرف الكردي التراجع عن مقاطعة وزرائه جلسات الحكومة العراقية والتي دامت اسابيع عدة.
ورغم ان ثمة معلومات راجت تظهر ان الاتفاق تم اثر ضغوط واتصالات مكثفة مارستها طهران وواشنطن على الطرف الكردي، بغية دعم المالكي والحيلولة دون انهياره وتداعيه امام معارضين طوروا حركة احتجاجهم واعتصامهم، الا ان ذلك لا يقلل اطلاقاً من اهمية الاتفاق المولود لتوه، واهمية توقيته وانعكاسه الايجابي على وضع المالكي الذي اصيب في الايام القليلة الماضية باهتزاز قوي لدرجة ان رئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي طرح خطة لانقاذ الوضع المتداعي، عنوانها العريض الذهاب الى انتخابات مبكرة بعد حل البرلمان الحالي وبعد اقالة الحكومة الحالية وتأليف حكومة مؤقتة تكون مهمتها الحصرية الاشراف على ادارة الانتخابات المقبلة، وهو طرح سقط بعد ان بادر المالكي وائتلافه الى رفضه.
فورة المعتصمين
اما النجاح الثالث الذي قدر للمالكي ان يحققه الى حد بعيد، فقد تجسد في استيعاب «فورة» المعتصمين المعارضين في الرمادي وديالى وكركوك وسواها، اثر احداث ساحة بلدة الحويجة في محافظة كركوك والتي سقط كما هو معلوم فيها اكثر من 52 قتيلاً وعشرات الجرحى من المعتصمين اثر اطلاق النار عليهم من جانب القوات الامنية العراقية.
واثر ذلك خيم مناخ عال من التوتر والاحتقان، شاعت بعده مخاوف من اي يؤدي ذلك الى مواجهات على نطاق واسع، لا سيما بعدما انطلقت دعوات الى التسلح وتشكيل جيوش مهمتها المواجهة والرد. وبعدما سجلت سلسلة هجمات على مراكز للجيش والقوى الامنية العراقية، ادت الى سقوط اكثر من 20 قتيلاً وعشرات الجرحى.
وفيما بادرت حكومة بغداد الى دفع المزيد من الحشود العسكرية الى المحافظات المضطربة والمحتقنة مما بدا معه وكأن ساعة الصدام آتية لا ريب فيها، سرت خلال الايام القليلة الماضية في المناخات والكواليس السياسية اجواء ومناخات مفادها ان المعتصمين الذين ازداد نزولهم الى الشارع رافضين التجاوب مع كل الدعوات والانذارات التي وجهت اليهم تكراراً لفض الاعتصامات المستمرة منذ فترة والذهاب الى طاولة الحوار من دون شروط مسبقة مع الحكومة، امامهم واحد من اربعة خيارات وهي:
– المضي في اسلوب المواجهة العسكرية على نحو تتكرر معه اجواء وتجارب السنوات الصعبة العجاف الممتدة بين 2005 و2007، ولا سيما قد راجت معلومات عن نشوء مجموعات مسلحة من بقايا الجيش العراقي مثل تنظيم «القاعدة» ومجموعات كانت تنضوي تحت لواء «مجالس الصحوة» التي والت الحكومة سابقاً واخذت على عاتقها مواجهة تنظيم «القاعدة» ابان كان ابو مصعب الزرقاوي يتولى زعامة هذا التنظيم ويمارس القتل وبسط السيطرة والسطوة.
– الذهاب نحو المطالبة بالانفصال والتمرد على الحكومة المركزية.
– المطالبة بتشكيل اقليم مستقل من المحافظات الثلاث.
– واما اللجوء الى خيار التهدئة والبحث عن سبل كفيلة بإجراء حوار مع حكومة المالكي توطئة لمرحلة جديدة، خصوصاً ان المالكي نفسه كرر دعوته الى الحوار وانفتاحه على هذا الخيار، مطالباً المعارضين المعتصمين بفض اعتصامهم اولاً والخروج من الشارع وساحات الاعتصام، مذكراً اياهم بأنه سبق وحقق الكثير من المطالب التي رفعوا لواءها وانه مستعد للنظر مجدداً في باقي المطالب.
خلاف وتباين
وامام لجوء المالكي الى اتباع اسلوب الشدة والمواجهة مع المعتصمين، وامام فتحه ابوابه للحوار وقلب صفحة الماضي، وقع الخلاف ودب التباين في صفوف المعتصمين. فثمة فريق مضى قدماً في الدعوة الى التشدد ورفض الخروج من ساحات الاعتصام والعودة الى ما سلف ومضى، وبالتالي ابدى اصراراً على التمسك بفكرة الاقليم المستقل، لا سيما ان هؤلاء استغلوا شعار «الخيارات المفتوحة» الذي رفعوه يوم الجمعة ما قبل الاخيرة. فيما شريحة اخرى لم تتفاعل مع هذه الدعوة.
واللافت في هذا الموقف ان المتظاهرين في الانبار كانوا في عداد المتشددين، فيما كان متظاهرو الفلوجة ضد فكرة الاقاليم علانية.
وهكذا انقسم المعتصمون على انفسهم ووصل الانقسام حتى الى صفوف مجالس الصحوة، اذ ظهر من يعارض الشيخ احمد ابو ريشة زعيم الصحوات الذي انضم منذ البداية الى المعتصمين.
ومهما يكن من امر ورغم ان الاعتصامات لم تفض بعد، الا ان ثمة بوادر انقسام في صفوفهم وثمة دعوات للخروج عن الاعتصام، في حين نجح قسم اخر في تخويل الزعيم الروحي للمعارضة الشيخ عبد الملك السعدي التحدث باسمهم ومفاوضة الحكومة.
وفي كل الاحوال، لم يعد المعتصمون كتلة واحدة تهتف بصوت واحد، والفضل لحكومة المالكي وسياستها ونهجها.
ابرهيم بيرم