رئيسيسياسة عربية

حزب الله: تحديات استراتيجية وخيارات

اعاد المستويان الأمني والسياسي في اسرائيل، الى الواجهة، التهديد ضد لبنان، في وقت كانت واشنطن تستعيد الذكرى الثلاثين لتفجير سفارتها في بيروت. وجه الشبه بين التهديد الاسرائيلي والاستعادة الاميركية لمشهد التفجير، يكمن في التصويب على «حزب الله»، في وقت لا يخفى الضغط الدولي لابعاد الحزب من اي تشكيلة حكومية جديدة في لبنان.

يعتقد مراقبون ان «التصويب الدولي المستمر على حزب الله»، مقروناً بدفعات تهديد اسرائيلية، لا يمكن فصله او تحييده عن التجاذب اللبناني والكباش الحاصل في مسألة تأليف الحكومة، والمساحة الرمادية التي تظلل كل القوى السياسية المحلية وتجعلها اسيرة افق ضيق».
ويرى مرجع في قوى الثامن من آذار (مارس) ان «السلوك الدولي الرامي الى استهداف الحزب وحلفائه، يجد له متنفساً في لبنان، اذ ان اطرافاً عدة لا تخفي رغبتها بل سعيها الى ملاقاة التصعيد الغربي ضد حزب الله، بغية تثميره في مكاسب حكومية تستكمل ما تعتبره قوى المعارضة السابقة تصحيحاً للانقلاب الذي نفذه الحزب وحلفاؤه على حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني (يناير) 2011، ورداً للاعتبار». وينبّه الى ان هذا «التماشي المحلي مع السلوك الدولي الرامي الى عزل «حزب الله»، سيزيد التعقيدات ويؤدي الى مزيد من التأزيم والتعقيد في المشهد اللبناني، وسيضع الاستقرار الهش في مهب الريح، خصوصاً ان اياً من عواصم القرار العربي او الغربي غير مهتمة راهناً بالتعقيدات اللبنانية الا من باب ارتباطها بالمسألة السورية ومخاطر انتقال عدوى إهراق الدم، علماً ان انشغال هذه العواصم راهناً بفك طلاسم المسألة السورية المتشعبة يتطلب الكثير من الجهد والمال والوقت، وقد لا تتوفر مساحة متاحة لحل التعقيدات اللبنانية قبل سنة او سنتين!». ويحض المرجع على العودة الى ما يسميه «الاعتدال في السلوك والابتعاد عن منطق الثأر والعزل، حتى يستقيم ما بقي من مقومات مؤسسية، في انتظار تبيان المشهد السوري ومآله».

تهديد واستذكار
وكان وزير الأمن الإسرائيلي الجنرال في الاحتياط موشيه (بوغي) يعالون قد هدد بأن الدولة اللبنانية ومواطنيها سيدفعون الثمن باهظاً، في حال قيام «حزب الله» بتنفيذ أي هجوم ضد اسرائيل، لافتاً إلى أنه بالنسبة الى إسرائيل فإن حزب الله والمواطنين والدولة اللبنانية «يتحملون مسؤولية أي اعتداء على إسرائيل من قبل حزب الله، وأن الجيش الإسرائيلي سيجبي منهم الثمن».
وتابع يعالون، في كلمة ألقاها في مدينة هرتسليا شمال تل أبيب، إنه «على رغم أن حزب الله منشغل في هذه الأشهر بالقتال من أجل نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، لكن الحزب مستعد وجاهز للدخول في مواجهة مع إسرائيل بمساعدة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا». واشار الى ان كلاً من حزب الله وحركة حماس «مسلحان بعشرات آلاف الصواريخ من أنواع مختلفة، وعندما يصدر الأمر سيطلقانها نحو المدن والمواطنين الإسرائيليين».
وتزامنت هذه التهديدات الاسرائيلية لـ «حزب الله» ولبنان، مع استعادة اميركية للتفجير الذي استهدف سفارة الولايات المتحدة في بيروت قبل 30 عاماً. اذ اتهم وزير الخارجية جون كيري حزب الله بالتورط في التفجير، مؤكداً أن الاعتداء لم يؤثر سلباً في العلاقات بين البلدين.
وكانت السفارة الأميركية تعرضت في 18 نيسان (ابريل) 1983، الى تفجير انتحاري بشاحنة مفخخة، ادى إلى مقتل 52 دبلوماسياً وعسكرياً وموظفاً لبنانياً، واصابة نحو 100 آخرين بجروح.
وتبنت الهجوم على السفارة التي كانت واقعة في منطقة عين المريسة، غرب بيروت، منظمة تطلق على نفسها اسم «الجهاد الاسلامي». وكان الهجوم في حينه الاقوى ضد منشأة أميركية.
واكد كيري، في بيان وزعته السفارة الأميركية في بيروت، «التزام الولايات المتحدة دعم وتعزيز العلاقات الثنائية مع لبنان، والتعاون الوثيق مع الشعب اللبناني، وهو الأمر الذي يثبت لأعداء الديموقراطية أنهم فشلوا». وأوضح أنه «في 18 نيسان (ابريل) 1983 فجر انتحاري سيارة مفخخة أمام السفارة الأميركية في بيروت، عرف آنذاك بأنه أكبر هجوم على منشأة ديبلوماسية أميركية، وذهب ضحيته 52 شخصاً، من ديبلوماسيين وعسكريين وموظفين محليين لبنانيين، وجرح أكثر من 100 أميركي ولبناني». وقال: «إن «حزب الله» والمنظمات الإرهابية الأخرى، يأملون من خلال هذه الهجمات العنيفة، ردع الولايات المتحدة عن الحفاظ على علاقة قوية مع الشعب اللبناني، وعن العمل مع جميع عناصر المجتمع اللبناني لضمان استقرار وسيادة لبنان، ونحن بعد 30 عاماً من التعاون مع لبنان، نثبت أن أهداف الإرهابيين لم تتحقق، ولم تقل عزيمة الولايات المتحدة على محاربة الإرهاب، وتقديم الإرهابيين الى العدالة أينما كانوا».
وفي السياق نفسه، ترأست السفيرة الأميركية مورا كونيللي مراسم الاحتفال الذي أقيم في حرم السفارة في عوكر في الذكرى الثلاثين للتفجير في حضور الأشخاص الذين نجوا من تلك الهجمات وعائلات الضحايا. وقالت: «(…) في العام 1983، جاء موظفو السفارة في بيروت من أجل السلام، لكن جماعة إرهابية اختارتهم هدفاً، في نهاية المطاف، فشل هؤلاء الإرهابيون، لأن السفارة في بيروت اعادت تأسيس نفسها هنا، على هذا المجمع، وعادت مجدداً إلى العمل، وعندما اختار الإرهابيون معاودة مهاجمتنا مرة أخرى في العام 1984، وجدوا أن قتلنا قد أصبح أصعب، فعدنا الى العمل مرة أخرى، وقد عملنا باجتهاد منذ ذلك الحين، يوماً، بعد يوم، نأتي من أجل السلام كل يوم، وسوف نكون كذلك دائماً”. واشارت الى انه “لن يكون بإمكاننا إعادة اولئك الذين خسرناهم في العامين 1983 و1984، ولكن يمكننا أن نكرم ذكراهم، وذكرى كل الذين سقطوا بسبب الإرهاب، عبر ضمان عدم فقداننا للثقة والايمان، وسوف نتمسك بالتزام الولايات المتحدة لبنان سيداً ومستقلاً ومستقراً، لأنه عندما يكون لبنان سيداً حقاً ومستقلاً حقاً ومستقراً حقاً، لن يزدهر الإرهابيون ولن يبقوا على قيد الحياة».


انحياز
في موازاة ذلك، ذكر تقرير غربي ان «حزب الله، الجماعة الشيعية السياسية الرئيسية في لبنان واللاعب المهم في البرلمان، ينحاز بقوة وإطّراد الى جانب نظام الأسد في الحرب الأهلية المستمرة. لذا سيكون سقوط الاسد احتمالاً مزعجاً جداً له، وخصوصاً ان الحزب يرى في النظام (بعد ايران) سنداً حقيقياً له في الشرق الأوسط. مع ذلك، يُنظر الى الدعم العسكري والخطابي غير المشروط للنظام السوري على انه ليس بالضرورة في مصلحة الجماعة. علماً انهما يرتبطان بعلاقات وثيقة جداً منذ ان تشكل الحزب في ثمانينيات القرن العشرين، في زمن الرئيس السوري حافظ الاسد، والد الحاكم الحالي لسوريا. وطوال اعوام هذه العلاقة، استمر حزب الله في تلقي الدعم الفني والاقتصادي والعسكري من سوريا، وهي سبيل ايران الاساسي لمده بالأسلحة والمال والمساعدات».
ويشير التقرير الى انه في المقابل، «دعم حزب الله بشكل كامل نظامي الاب والابن. ودعم جهاراً نفوذ دمشق في الأراضي اللبنانية حتى انسحاب الجيش السوري في العام 2005، وكان حاسماً في مساعدة سوريا على تحييد أي تهديد محتمل من عدوهما المشترك، إسرائيل. وعندما بدأت الأزمة في سوريا قبل أكثر من عامين، وقف حزب الله بشدة مع نظام الأسد ضد الجماعات المعارضة. وكان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله واضحاً تماماً في أنه مستعد لارسال رجاله للقتال الى جانب النظام في سوريا في حال لزم الامر ذلك. وفي ذلك الوقت ساند حزب الله اللجان الشعبية، وهي مجموعة من الرجال تقاتل نيابة عن النظام الحاكم».
ويلفت الى انه خلال الاسبوعين الاخيرين «جرى النظر في تقارير استخبارية عديدة تتحدث عن مقتل مقاتلين لـ «حزب الله» في سوريا، وتناولت كذلك الدعم العسكري المباشر الذي يقدمه الحزب لنظام الأسد. وزعم ضابط الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الميجر جنرال أبيب كوخافي أن إيران، بالتنسيق مع حزب الله، أعدت جيشاً من 50،000 عنصر لمساعدة الأسد. وأكد كوخافي كذلك أن «إيران وحزب الله على حد سواء يفعلان كل ما في وسعهما لمساعدة نظام الأسد». ويمكن ان يكون استمرار دعم حزب الله للنظام السوري ضاراً له وللبنان، خصوصاً في ظل ما رافق الاتهام البلغاري للحزب بالتورط في تفجير مطار بورغاس في تموز (يوليو) 2012 والذي ادى الى مقتل 5 سياح اسرائيليين. ويدرس الاتحاد الأوروبي راهناً تسمية الحزب في لائحة المنظمات الارهابية او تلك الداعمة للارهاب. وكانت البحرين أول دولة عربية تعلن الحزب منظمة إرهابية. كما دفعت تكتيكات الأسد المروعة، بقيادة حركة «حماس» في الخارج (الفلسطيني)، وهي مؤيدة لحزب الله في سعيها ضد إسرائيل، الى مغادرة سوريا والاستقرار في دولة قطر، خصوصاً في ضوء عدم استقرار النظام والدعاية السلبية التي من شأنها أن تلقي بظلال على الحركة في حال بقيت قيادتها في حماية الحكومة السورية».


التحديات
ويعتبر التقرير الغربي ان «التحديات اللبنانية التي تواجه الحزب توازي خطراً كذلك الذي تواجهه خارجياً في الجبهتين السورية والاسرائيلية، ذلك أن الانشغال الجيوبوليتيكي – الاستراتيجي للحزب في سوريا ومنطقة المتوسط ومناطق اخرى في العالم حيث حربه الاستخبارية الصامتة ضد اسرائيل، لا يحجب عن قيادته التحديات اللبنانية الداخلية الناتجة اساساً عن التوترات بين المجموعات والاحزاب السياسية اللبنانية المنقسمة عمودياً منذ العام 2005، وقد تكون هذه التوترات السياسية ذات الطابع المذهبي الغالب، التهديد الأكبر لنفوذ الحزب وسمعته، في لبنان وفي خارجه. اذ ان القتال في طرابلس بين السنة والعلويين (وهم فصيل ديني يعتنقون المذهب نفسه للرئيس الأسد) ادى الى خسائر بالغة ومقتل العشرات.
ويذكّر التقرير بان «الصراع المذهبي بين المجموعات اللبنانية بلغ ذروته، مع استهداف رئيس فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي اللواء وسام الحسن، وهو ضابط استخبارات كبير. والقت قوى الرابع عشر من آذار (مارس) اللوم على قيادة حزب الله».
ويخلص الى ان «دعم حزب الله للأسد ونظامه قد يكون، نوعاً ما، مبرراً له بالمعنى الاستراتيجي والتاريخي، غير ان محاولته مساعدة النظام السوري للحفاظ على الوضع الراهن قد تشكل اذى طويل الامد له، ربطاً بالتعقيدات اللبنانية والوضع السوري وطبيعة الحكم في حال سقوط نظام الاسد. ويمكن ان تتحول المسألة السورية في لبنان الى نوع من الدوامة القاتلة بين ابناء البيت الواحد».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق