المالكي: عائدون الى قطع الرؤوس والقتل على الهوية

كل المؤشرات والمعطيات السياسية والميدانية، توحي بأن الامور في الساحة العراقية ذاهبة نحو فصول اخرى من التأزم والتصعيد بين الحكومة والمعارضين الذين لم يغادروا الساحات وميادين الاعتصام منذ ما يقارب الثلاثة اشهر.
رئيس الوزراء نوري المالكي يقف من على المنبر ليقول صراحة وللمرة الاولى: ان العراق ليس بعيداً من العودة الى حقبة قطع الرؤوس والقتل على الهوية… ويمضي الى ابعد من ذلك ليقول ان الحرب الاهلية على الابواب.
وقبل ساعات على هذا الكلام كانت وزارة الداخلية العراقية تتهم المتظاهرين باحتضان عناصر من تنظيم القاعدة وان هؤلاء المتطرفين شوهدوا وهم يحملون اسلحة فردية اخرى كاتمة للصوت.
في الضفة المقابلة كان المتظاهرون والمعتصمون يرفعون منسوب الغضب والاستياء من رفض الحكومة فتح قنوات الاتصال والحوار معهم، وعدم التجاوب مع مطالبهم، وتهدر اصواتهم بالمطالبة بالتسلح استعداداً للمواجهة فيما خطباء الساحات يصعدون، ويعلنون بأن الجمعة الماضية هي جمعة «الفرصة الاخيرة» امام الحكومة حيث سيكون بعدها شأن اخر وكلام لم يقل.
وبعد ذلك بساعات يسقط متظاهر اخر برصاص قوات الامن العراقية في مدينة الموصل، ليضاف الى 6 اخرين كانوا سقطوا في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي في مدينة الفلوجة. وامام الدماء الجديدة المهدورة يعلن وزير الزراعة واحد قادة القائمة العراقية عز الدين الدولة استقالته احتجاجاً، فتكون الاستقالة الثانية بعدما بادر وزير المال رافع العيساوي الى اتخاذ الخطوة نفسها.
وبناء على ذلك، تتسارع الاحداث وتتراكم المعطيات والمؤشرات لتوحي كلها بأن طرفي النزاع والصراع في العراق يحضرون المسرح – الحدث، ويضعون جمهورهم وانفسهم في مناخات الاستعداد للاحتمالات الاسوأ، واحتمالات اخذ الامور نحو التصادم.
مرحلة اللاعودة
وعليه، فإن السؤال الذي بات يطرح نفسه بإلحاح: هل هذه التطورات العاصفة تعني ان الامور بلغت مرحلة اللاعودة؟
الواضح ان المالكي قد يتصرف على اساس انه قدم كل ما يمكن ان يقدمه خلال الشهرين ونصف الشهر الماضية، لكي يقول امام من يعنيهم الامر من الحلفاء والخصوم انه قام بأقصى ما ينبغي ان يقوم به للتجاوب مع مطالب المتظاهرين والمحتجين المعارضين، فهو امر بإخلاء سبيل اكثر من خمسة آلاف معتقل، وألف لجنة وزارية للتفاوض مع المتظاهرين والوقوف على ما يطرحونه من مطالب وفتح ابواب التواصل مع قيادات عشائرية بهدف اقناع المعتصمين بالعودة الى حظيرة التعقل والتحاور، وعدم اخذ الامور نحو مرحلة اللاعودة.
واكثر من ذلك، اطلق اكثر من تحذير من خطورة الاوضاع في محيط العراق ومن امكان انتقال تداعياتها الى الداخل العراقي الهش اصلاً والذي بالكاد تعافى من المرحلة التي اسماها قطع الرؤوس والقتل على الهوية، وهي المرحلة الممتدة بين العامين 2005 و2007 والتي اوشكت فيها الساحة العراقية على الانزلاق الى ساحة الحرب الاهلية.
لكن المعارضين التقليديين والمستجدين مضوا قدماً في التصعيد. فوزراء القائمة العراقية قاطعوا جلسات مجلس الوزراء ثم بادر اثنان منهم اي العيساوي والدولة الى الاستقالة، فيما ذهب رئيس البرلمان الى الطرف القصي عندما اطلق تصريحات تنطوي على تحريض مذهبي لدرجة ان ثمة نواباً وسياسيين قطعوا شوطاً في رحلة البحث عن سبل اقالته من منصبه.
وعليه، فإن ثمة من يرى ان المالكي انتقل في الايام القليلة الماضية الى مربع اخر في رحلة مواجهة معارضيه تنبىء بأن الرجل ليس في وارد الانحناء امام العاصفة التي تهب في وجهه ووجه حكومته.
توجيهات متشددة
فعلى المستوى الميداني بدا واضحاً بأن قوى الامن العراقية زودت بتوجيهات متشددة لمحاصرة حركة المتظاهرين في بغداد وسواها من المدن والبلدات التي تشهد التصادمات والتظاهرات لدرجة ان قادة المحتجين رفعوا عقيرتهم رفضاً لهذه الاجراءات المتشددة التي تضيق الخناق على المتظاهرين وتدفعهم اما الى افتعال المواجهات واما الى تقنين حراكهم.
وعلى سبيل المثال فإن المصلين في جامع الامام الاكبر (اي حنيفة) في المعظمية في وسط بغداد، الغوا صلاة الجمعة بعدما كانت طرق الوصول الى هذا المسجد الضخم مليئة بالحواجز الامنية وتدابير التفتيش.
ثم كانت حادثة اطلاق النار على المتظاهرين في الموصل والتي سقط فيها قتيلان واكثر من عشرة جرحى بمثابة مؤشر على ان ثمة مرحلة اخرى من عدم التهاون مع تحرك المحتجين، واستطراداً مع الاستعداد للاسوأ اذا كان الطرف الاخر فتح ابواب المواجهة والتصادم.
وعلى المستوى السياسي، بدا واضحاً ان المالكي دخل في «كباش» مع وزير المال المستقيل واحد قادة القائمة العراقية البارزين العيساوي عندما رفض قبول استقالته قبل انهاء التحقيقات في ارتكابات مالية وادارية تتصل بقوانين النزاهة.
واضافة الى هذه التهمة، ثمة تهمة اخطر تتصل بارتكابات امنية، اذ ان المالكي اعلن صراحة ان التحقيقات المتواصلة مع عناصر حماية العيساوي الذين اعتقلوا قبل فترة بتهمة الضلوع في عمليات ارهابية وعمليات قتل وتفجير وتصفية، واظهرت ان هؤلاء كانوا ينفذون اوامر تلقوها من العيساوي او من فريق عمله، وهذا يعني بشكل او بآخر ان ثمة تحضيرات ليلقى الوزير العيساوي مصير نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي الذي فر من العراق بعدما صدرت بحقه احكام قضائية بتهمة الاشراف على فرق موت وقتل عمادها الاساسي عناصر حمايته.
ازمة سياسية
والمعلوم ان هذه الاحكام التي صدرت في نهاية العام ما قبل الماضي غداة الجلاء النهائي الاميركي عن العراق، فجرت ازمة سياسية لا سيما مع القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي، لا سيما وان الهاشمي هو احد ابرز رموزها. ورغم ان هذه الازمة ما زالت تتوالى فصولاً فإنها في خاتمة المطاف وجهت ضربة كبرى للهاشمي ادت الى انهاء دوره السياسي حالياً، والى اضطراره الى الهرب من العراق الى كردستان اولاً، ثم الى خارج العراق نهائياً. ولم تجد نفعاً دفاعات الهاشمي وفريقه السياسي واعتباره ان الامر مجرد تهمة سياسية ملفقة من المالكي للنيل من خصومه السياسيين المعارضين.
وفي كل الاحوال، يبدو واضحاً ان ثمة مخاوف في الوسط العراقي من امكان ان يستدعى العيساوي ليمثل امام القضاء العراقي، وبالتالي تصدر بحقه احكام توازي الاحكام التي صدرت بحق رفيقه في القائمة طارق الهاشمي.
والواضح ان المالكي يعتقد ان مثل هذه الاتهامات الموجهة للعيساوي ستضعف جبهة المعارضة الاساسية له، وتخفف الى حد ما من اندفاع المعارضين والمعتصمين في الشارع، خصوصاً ان شرارة انطلاقة كبرى تحركهم بدأت بعد وقت قصير جداً على اعتقال عناصر حماية العيساوي، اذ في حينها اعرب المحتجون المعارضون عن مخاوفهم من ان يكون مصير العيساوي كمصير الهاشمي، وها هي مخاوفهم اوشكت على التحقق.
لكن ثمة مراقبين يخشون في المقابل من ان تكون هذه الاتهامات الجديدة في حق العيساوي حافزاً جديداً يحث المحتجين على المضي قدماً في حركة احتجاجهم، لا بل وتصعيدها ودفعها نحو مراحل اكثر تأزماً خلال الايام القليلة المقبلة.
تباين داخل المعارضة
وفي كل الاحوال، ثمة تباين اخر يظهر في صفوف معارضي المالكي، وبالتحديد في القائمة العراقية. فبعد استقالة اثنين من وزرائها المشاركين في الحكومة، ثمة معطيات ومعلومات تشير الى ان هناك خلافات ظهرت في داخل القائمة حول مسألة عدم استقالة الوزراء الاربعة الاخرين المنتمين الى القائمة وجدوى استمرارهم فيها.
والجلي ان هناك رأيين داخل هذه القائمة التي هي عبارة عن خليط من توجهات ورؤى مختلفة: الاول يرى ان استقالة وزراء القائمة لا يقدم ولا يؤخر لان المالكي سيستمر في الحكم وسيعين بدلاء عن الوزراء المستقيلين من اعضاء حكومته الحالية.
وعليه، فإن اصحاب هذا الرأي ما برحوا يرون ضرورة الابقاء على قنوات التواصل مفتوحة مع المالكي، خصوصاً ان استقالة كل الوزراء ستعني دفع الاوضاع الى المزيد من التأزم وربما الى التصادم حيث العواقب مجهولة والنتائج غامضة وملتبسة.
علماً بأن ثمة من يراهن على ان هناك وزيرين او اكثر لن ينصاعوا الى توجهات القائمة وسيظلون في مراكزهم مما سيؤثر سلباً على وضع القائمة.
ويشار الى ان ثمة عنصر تأزم جدي دخل على المشهد العراقي تمثل في اقرار البرلمان العراقي للموازنة العامة بغياب نواب التحالف الكردستاني وبمعزل عنه فعد التحالف الامر تحدياً له.
ابرهيم بيرم