دوليات

درع صاروخي اميركي ضد كوريا الشمالية كلفته مليار دولار

ارتفاع درجة التوتر الذي احدثته التهديدات التي اطلقتها كوريا الشمالية، عشوائياً، اخذته الولايات المتحدة، على محمل الجد، فعمدت الى دعم دفاعاتها المضادة للصواريخ، في منطقة المحيط الهادىء، وتولى وزير الدفاع الاميركي تشاك هاغل، اعلان القرار، بتخصيص مليار دولار، لرفع عدد الصواريخ الاعتراضية المنتشرة هناك من 30 الى 44 صاروخاً من الآن حتى سنة 2017، وسيصار الى تخزين هذه الصواريخ، في اهراءات متخصصة في قاعدة «فورت غريلي» في آلاسكا، حيث يوجد حالياً 26 منها، اضافة الى 4 اخرى، في قاعدة فاندربرغ الجوية، في ولاية كاليفورنيا.

تشمل عملية توسيع نظام الدرع المضاد للصواريخ، ودعمه وتجهيزه، تركيز رادار من الجيل الاخير، في اليابان، ويتولى «انارة» الصواريخ المعادية، مما يتيح للصواريخ الدفاعية اصابتها. وجاء قرار البنتاغون تنشيط جهوده في هذا الاتجاه، على ضوء النتائج، التي حققتها تجارب كوريا الشمالية، على صواريخ اثبتت تحقيق تطورات ناجحة في مجالي صنع اسلحة نووية وصواريخ عابرة للقارات، تستطيع ان تضرب الولايات المتحدة.
مدى صاروخ «تايبودونغ» الذي جربته كوريا الشمالية مؤخراً، في استطاعته ان يصل الى الاسكا والى جزر هاواي. ولكن التجارب على الصواريخ الاعتراضية الاميركية، اثبتت محدودية فعاليتها، فاصابت 50 في المئة من اهدافها، ولكن الدوائر العسكرية الاميركية تعتقد ان التجهيزات الاخيرة، تساعد على تحسين ادائها، بينما ترى كوريا الشمالية، في التحركات الاميركية تأكيداً على الخطورة التي تشكلها هذه الصواريخ، والتي تفاخر بها، فكتبت جريدة «رودونغ سيتمون»: «اننا نثبت للاميركيين اننا لسنا فراخاً مثل العراق وليبيا».

توسيع اهراءات الصواريخ
ولكن تمويل توسيع اهراءات الصواريخ، بالرغم من التنزيلات الكبيرة التي فرضت على ميزانية الدفاع – 46 مليار دولار، في السنة الحالية وحدها – تجبر تشاك هاغل، على اعادة النظر في مخصصات الدرع المضاد للصواريخ في اوروبا. فبطاريات الصواريخ الاعتراضية، ستركز في بولونيا ورومانيا، حتى سنة 2018، ولكن من دون نظام اس ام – 3 الثاني، كما كان في البرنامج الاساسي، وعمدت واشنطن الى ارسال بعثات الى موسكو وبرلين، من اجل التوصل الى تقويم مشترك، لعملية اعادة التسلح التي تقوم بها كوريا الشمالية.
ولكن مراقبين يرون، ان الدرع الصاروخي الجديد، الذي سيبصر النور في المحيط الهادىء، يبدو وكأنه يرمي بالرغم من قول واشنطن ان اساسه هو التجارب الصاروخية الكورية الشمالية الاخيرة – الى تعديل التوازن الستراتيجي، بين واشنطن وبكين، فيصبح وسيلة دفاعية واقعية ضد خطر تهديدات صاروخية باليستية من القوات المسلحة الصينية وكل ذلك يبقى مجرد افتراض في الوقت الحاضر. وفي المقابل ستقوم اميركا بتحجيم الدرع المماثل الذي اقامته في اوروبا.
وتهدف المبادرة الاميركية الى تحقيق هدفين: سياسي وعسكري في آن، ولكنها تشكل تحذيراً للخصوم وطمأنة للحلفاء. فلا يبقى لدى كوريا الشمالية، اي تشكيك في تصميم الولايات المتحدة، على الرد على ترساناتها النووية. وتستطيع كوريا الجنوبية واليابان، تنفس الصعداء، نتيجة تحرك واشنطن الستراتيجي، لضمان الامن والاستقرار في آسيا. اضافة الى دعوة موجهة الى الصين، كذلك للتدخل من اجل تجنّب التصعيد، بلجم استفزازات دولة مقربة منها، تقليدياً.
ويشكل التحرك الاميركي، خطوة ذات مغزى، لاقامة توازن جديد في الاولويات الديبلوماسية والعسكرية الاميركية، على ضوء تطور الازمات الدولية، وعملية شد الحزام، الدائرة في البنتاغون. ففي المقابل، الغت واشنطن، المرحلة الاخيرة وهي الرابعة التي كانت مقررة في بولونيا، من الدرع الصاروخي في اوروبا، مع التأكيد على الالتزام الحديدي بدعم الحلف الاطلسي. وكان من المفروض ان يكون الدرع الصاروخي ذاك، لمواجهة خطر الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، وسائر التهديدات المفروض ان تأتي من الشرق الاوسط، ولكن مراحل اعداده كانت متأخرة، اضافة الى معارضته من قبل روسيا، التي قد ترد على المبادرة الاميركية الجديدة باظهار المزيد من المرونة بالنسبة الى هدف استراتيجي اميركي آخر، هو المفاوضات حول تخفيض الاسلحة النووية. اضافة الى ان البنتاغون، كشف عن انه يفكر بنظام رادع جديد، شبيه بالذي اعتمد ضد بيونغ يانغ، للتهديدات النووية الآتية من ايران: زيادة شاملة للانظمة الدفاعية ضد طهران، بينها تركيز انظمة اعتراضية جديدة، على سواحل الولايات المتحدة الشرقية.

نصيحة الى «الفتى» الكوري
وكشف وزير الدفاع الاميركي نفسه اهمية هذه البطاريات الجديدة: «انها ستؤدي الى دعم حماية الاراضي الاميركية، مع المحافظة على التزاماتنا تجاه الشركاء والحلفاء، وتقول للعالم، ان الولايات المتحدة، سترد بحزم على الاعتداءات».
وكان الاميرال جيمس واينفلد، نائب رئيس الاركان العامة قد قال: «على هذا الفتى – في اشارة الى الرئيس الكوري الشمالي، كيم – جونغ – اون، ان يهدأ، والا، سنكون جاهزين».
وكانت كوريا الشمالية، عمدت في الآونة الاخيرة، اضافة الى مواصلة مسلسل تجاربها النووية والعسكرية، الى تمزيق اتفاقية الهدنة القائمة في شبه الجزيرة الكورية، منذ سنة 1953. فردت الولايات المتحدة مباشرة بتأكيد تواجدها في المنطقة، وستتولى هذا الامر، في السنوات التالية، بطاريات الصواريخ الرادعة الجديدة، الموجهة الى منطقة المحيط الهادىء.
ولم يتأخر الرد الصيني، الذي جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية، هونغ لاي، واعتبر في مؤتمر صحافي، ان من شأن هذا التدبير، ان يؤثر على توازن القوى في المنطقة. وحذر من «ان نظام الدفاع ضد الصواريخ، ينعكس على التوازن والاستقرار في المنطقة وفي العالم، وعلى المصالح الاستراتيجية المشتركة».
ويلتقي هذا التصاعد مع الزيارة الرسمية التي قام بها الى بكين، وزير الخزانة في الولايات المتحدة، جاك لو، للاجتماع بالمسؤولين، في حكومة الرئيس الصيني الجديد، تشي جينبينغ، حول العلاقات الثنائية، في ظل الحرب الانترنيتية القائمة بين البلدين، وتبادل التهم حول سرقات الاسرار.

الامن الانترنيتي
واشار موظف كبير، في وزارة الخزانة الاميركية، الى ان محادثات الوزير لو في بكين، تناولت كذلك، الامن الانترنيتي، وانعكاساته السلبية على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، واشار المصدر الى «انه موضوع يشغل كثيراً الرئيس اوباما، ويثير قلقه».
وتدور هذه الحرب الانترنيتية بين البلدين، منذ سنوات ومعاركها اعتداءات على انظمة السلامة، يقوم بها قراصنة شبكات المعلوماتية، ببراعة المقاتلين وهم على استعداد دائم لاغراق العدو بلمسات اصابعهم. وبعد ان امضت واشنطن سنوات في اتهام القراصنة الصينيين، جاء اليوم دور بكين في توجيه التهمة ذاتها الى الاميركيين. ومنذ ايام، اتهمت بكين القرصنة الانترنيتية بالاعتداء على موقعين من النظام الدفاعي الصيني 144 الف مرة، في الشهر خلال السنة الماضية، ثلثاها من الولايات المتحدة.
وشرح الناطق، بينغ ياشنغ، في المؤتمر الصحافي الذي ينظمه مرة في الشهر، ولا يشكك فيه سوى الصحافيين الصينيين، ولكن موقع الوزارة الانترنيتي، كشف عن انه قال للصحافيين، ان مخابرات وزارته، تملك ملفات حول الحرب الانترنيتية التي تشنها الولايات المتحدة على الصين، واتهم الناطق الولايات المتحدة، بـ «انها تعمل على مضاعفة «طاقتها النارية» في هذه الحرب الانترنيتية ولا تتعاون في الحرب الدولية، على «الجرائم الانترنيتية».
ويشكل هذا الكلام، هجمة صينية مضادة على الاتهامات المتكررة التي وجهتها واشنطن، الى قراصنة الشبكة العنكبوتية، الناشطين منذ سنوات لحساب الصبن. وتتهم شركة الامن الانترنيتي الخاصة في الولايات المتحدة «مانديات»، ان «الوحدة 61398»، التابعة لجيش الشعب الصيني ومركزها شانغهاي، هي القوة الدافعة في الحرب الانترنيتية التي تشنها الصين لاختراق شبكات الامن الانترنيتي، التي تنشرها الولايات المتحدة، وسواها.
وليس تبادل التهم هذا، وليد اليوم انه الفصل الاخير، من صراع يستمر منذ سنوات، وكانت مسألة الدرع الفضائي، احد اجزائه.
فبكين تتهم الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون آسيا. بينما تدعو واشنطن الصين الى التوقف عن دعم نظام كوريا الشمالية والى معالجة مشاكل حقوق الانسان، والسوق الحرة.

كوريا الجنوبية الضحية
وكانت الضحية المباشرة للحرب الانترنيتية الجديدة، كوريا الجنوبية، التي رأت اكبر شبكاتها التلفزيونية واثنين من اكبر بنوكها، تصاب بالشلل، نتيجة اعتداء قرصنة، جمدها وغطى شاشاتها بالسواد، وبينما بدأت اجهزة الشرطة المتخصصة، تحقيقاتها، توجهت اصابع الاتهام الى كوريا الشمالية، بعد ان اصاب الهجوم، محطاتها الثلاث الكبرى ومصرفي شيشان ونونغيو. واشارت احدى محطات التلفزيون الى ان صفحتها الرئيسية، اختفت ليحل مكانها اعلان من القراصنة، يعلن هوية اصحابها: «هويس تيم»، و«انها بداية حركتنا، وستليها عمليات قرصنة اخرى». وكانت مواقع رسمية في عاصمة كوريا الشمالية – بيونغ يانغ، من بينها موقع الوكالة الرسمية، كينا، تعرضت في الاسبوع الماضي الى هجمات انترنيتية «طويلة وكثيفة»، فردت اولاً متهمة سيؤول وواشنطن، بينما تقدر مصادر المخابرات في كوريا الجنوبية عدد «المقاتلين الانترنيتيين» المجندين في هذه الحرب بثلاثة آلاف.
وردت كوريا الشمالية بعنف، واعتبرت ان الطيران التدريبي الذي تقوم به، طائرات ب – 52 الاميركية، في سماء كوريا الجنوبية، في اطار المناورات المشتركة، مع سيؤول، تشكل عمليات «استدراج لا تغتفر»، واتهم ناطق عسكري كوري شمالي «الولايات المتحدة، بالقيام بمناورات عدائية، بواسطة طائرات هجومية، تستطيع ان تحمل قنابل نووية، فوق كوريا الشمالية، في وقت تنذر الحالة، بان الحرب على الابواب»، وتوعدت بيونغ يانغ بـ «رد عسكري عنيف، اذا قامت القاذفات الاميركية بعمليات جديدة».
وفي هذه الاثناء اعربت السلطات الجديدة في بكين عن استعدادها للمساعدة على «مصالحة» بين سيؤول وبيونغ يانغ.

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق