رئيسي

انتخابات تونس استثناء العالم العربي


ترى أوساط دبلوماسية عربية أن أهمية الانتخابات النيابية والرئاسية التي جرت في تونس أنها أبرزت تونس من جديد «استثناء» في العالم العربي: هذا البلد لم ينجرف الى حرب أهلية والى عنف وتطرف وإرهاب أعمى. هذا البلد لم يكن في حاجة الى ثورة ثانية مضادة لتصويب أو إنقاذ الثورة الأولى، وإنما جرى كل شيء من خلال آليات دستورية ديمقراطية لا مظاهر ولا روائح «انقلابية» فيها. هذا البلد الذي أثبت دون سائر البلدان أن المساكنة جائزة وممكنة بين الإسلاميين والعلمانيين. هذا البلد الذي أصبح الرمز العربي الأول للديمقراطية ولعملية تداول السلطة بطرق سلمية وعن طريق الانتخابات…
أعطت تونس «بارقة أمل» وسط هذه الأجواء الملبدة بالتشاؤم، وقدمت «صورة مشرقة» وسط هذه اللوحة العربية القاتمة. أنقذت «ماء الوجه» للربيع العربي وردت له الاعتبار بعدما تحول الى خريف وشتاء. وبعدما اعتقد الجميع أن هذا الربيع ولد ميتاً أو ولد حياً، أعلنت تونس أنه ما زال «حياً يرزق» وما زال فيه «نفس حياة».
وترى هذه المصادر أن التجربة التونسية نموذجية ويجب أن يحتذى بها في العالم العربي. تونس نجحت في تخطي الأزمات حتى بلغت مرحلة إجراء انتخابات تشريعية وجولة رئاسية أولى وثانية في كنف السلمية، وبروح الحضارة والرقي مقارنة بتجارب عدة في البلدان العربية والغربية.
التجربة التونسية النادرة واليتيمة منذ انطلقت شرارة «الربيع العربي» في شتاء عام 2010 تدفع الى التفاؤل: انتخابات برلمانية ورئاسية حصلت على شهادات مقبولة بنزاهتها. حركة إسلامية حافظت على تعقّلها، وتعاملت مع الواقع السياسي كما هو، فلم تجنح إلى التطرف في الموقف ولا إلى الميل إلى إلغاء الآخرين، بحجة أنها تملك “تفويضاً ربانياً” بذلك. وجيش لم يتصرف كأنه المؤتمن الوحيد على مصير البلد ومقدراته، والوحيد القادر على إنقاذه من غدرات الزمان، ولم يتدخل جنرالاته بالتالي لحسم الصراع السياسي لمصلحة هذا الطرف أو ذاك.
هذه أسباب للتفاؤل بأن المخاض التونسي يملك حظاً أفضل من سواه بأن ينتهي إلى ولادة نظام سياسي قريب من لغة العصر. وقد تكون هذه الأسباب هي التي دفعت مجلة «الإيكونوميست» إلى اختيار تونس «بلد العام 2014»، وتهنئتها بالقول «مبروك تونس». وذكرت المجلة البريطانية أن تونس، على رغم صغر حجمها، تستحق هذا اللقب، لأن الحلم الذي راود شباب «الربيع العربي»، وأغرق دولاً أخرى مجاورة لتونس في التطرف والدم، نجح في الحالة التونسية في أن يتحقق من خلال دستور جديد يحترم مبدأ التعددية السياسية، ويكرس «حرية الضمير والمعتقد» في نصوصه، ويعيد توزيع السلطات، من دون أن تحتكر أي سلطة صلاحيات السلطات الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق