سياسة لبنانية

اللاجئون السوريون في لبنان… مخاطر الإدماج وهاجس التجنيس والتوطين

شارك رئيس الحكومة تمام سلام في مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني التي عقدت في اسطنبول، طالباً دعم المجتمع الدولي لتحصين لبنان في وجه أزمة النزوح، ومتجاوزاً الالتباس الذي أثاره تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أورد في الفقرة 86 من تقريره: «يحتاج اللاجئون الى التمتع بوضع يسمح لهم بإعادة بناء حياتهم والتخطيط لمستقبلهم، وينبغي أن تمنح الدول المضيفة اللاجئين وضعاً قانونياً، وأن تدرس أين ومتى وكيف تتيح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنّس».
ويبدو جلياً أن التوضيحات التي قدمتها الأمم المتحدة من نيويورك ومن مكتب المنسقة الخاصة سيغريد كاغ في بيروت، لم توقف سيل المواقف اللبنانية الرافضة أي توجه دولي في هذا الشأن. وخصوصاً أن جدلا مشابهاً نشأ قبل فترة عند حديث السيد بان كي مون عن «العودة الطوعية» فبات في شخصه ومواقفه هدفاً للمسؤولين اللبنانيين وصولاً الى اعتباره مستنسَخاً عن وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر المتهم بالتخطيط لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وتحويلها دويلات مذهبية، وخصوصاً أيضاً أن ثمة دعوات الى التوطين وردت على لسان أكثر من مسؤول أممي قبل تقرير بان كي مون وبعده منها كلام المدير العام للبنك الدولي وتصريح ممثلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار وآخرين من الاتحاد الأوروبي، وكلها ركزت على ما يسمى الإدماج في المخيمات المضيفة تحت شعار حقوق الإنسان، وهو ما يقود في نهاية المطاف الى جعل التجنيس أمراً واقعاً.
وترى مصادر متابعة لملف اللاجئين أن هناك مخاطر كامنة من أن يفرض على لبنان إدماجهم وتجنيسهم تحت ذرائع ووقائع شتى منها: مضامين النصوص والمعاهدات الدولية ذات الصلة بمسائل اللجوء والنزوح وهي تفرض فرضا ولا يمكن الاعتراض عليها /استمرار أعمال الاقتتال والمواجهات في سوريا وانسداد الأفق أمام الحلول السياسية التي تعيد الهدوء الى البلاد وتسمح بعودتهم إليها/ بند العودة الطوعية المنطوي على أكثر من معنى، مما يعني تحريم إعادة اللاجىء إذا كان لا يريد هو العودة الى حيث أتى / ظروف الجذب الاقتصادي وتوفر سوق العمل للاجىء بأجور عالية قياسا ببلادهم.
وترى المصادر أن ثمة عاملاً آخر يساهم في ارتفاع منسوب الخوف من التوطين وهو ضعف الإجراءات العملية المضادة التي يتعين على الحكومة اللبنانية اللجوء إليها للحيلولة دون إنفاذ التوجهات الأممية، من قبيل: تشديد إجراءات الإقامة والعمل / عدم إعطاء شهادات ميلاد ووفاة لبنانية من خارج سجلات الأجانب / الإمعان في رفض التواصل مع الجهات السورية الرسمية المعنية لاتخاذ الإجراءات المشتركة التي من شأنها مساعدة لبنان في عملية مواجهة التوطين خصوصاً أمام المجتمع الدولي.
مصادر ديبلوماسية تقول إن لجوء الحكومة اللبنانية الى إصدار موقف موحد يرفض التجنيس ليس كافياً لكي يتمكن لبنان من تحمل أعباء النزوح بالحد الأدنى، والعمل ثانياً من أجل عدم إطالة هذا النزوح في لبنان طالما أن لا مؤشرات لتسوية سياسية قريبة للأزمة السورية. ولهذا تقول المصادر إن على الحكومة إطلاق خطة عمل مزدوجة باتجاه المجتمع الدولي أولاً وباتجاه الحكومة السورية ثانياً، بحيث تبدأ هذه الحملة من أوليات تنطلق من الأمور الآتية:
– وضع روزنامة تحركات خارجية خصوصاً باتجاه الأمم المتحدة والدول الغربية وبعض الدول العربية لإفهام هذه الدول أن هناك مسؤوليات على المجتمع الدولي – منظمة ودول – أولها أن يصار الى تقديم مساعدات جدية للبنان حتى يمكنه تحمل أعباء هذا النزوح، وثانيها مطالبة المجتمع الدولي بأن يتحرك جدياً لحل أزمة اللاجئين لأن لبنان لن يتمكن من تحمل إقامة طويلة للنازحين، كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين في العام 1948.
– إذا وجد لبنان أن هناك تلكؤاً او غير ذلك من المجتمع الدولي، عليه تسهيل عمليات انتقال النازحين باتجاه الدول الغربية، طالما أن هذه الدول استقالت من مسؤولياتها ازاء هذه الأزمة، وما قامت وتقوم به تركيا أكبر دليل على ذلك.
– أن استمرار الامم المتحدة والغرب بهذا السلوك الخطير ازاء قضية النازحين من خلال السعي لتجنيسهم أو دمجهم بالمجتمع اللبناني، يفرض على الحكومة فتح قنوات التواصل والحوار مع الحكومة السورية لأن في ذلك مصلحة للبنان قبل أن تكون لسوريا سعياً وراء إطلاق عملية تدريجية لإعادة النازحين الى بلدهم.
وتقول المصادر إن سياسة «دفن الرؤوس في الرمال» التي يلجأ إليها بعض الأطراف في لبنان، وبالتالي منع الحكومة من فتح الحوار مع الحكومة السورية يساهم مباشرة في تحقيق ما يعمل له البعض في الأمم المتحدة والغرب من تجنيس للنازحين أو في الحد الأدنى دمجهم بالمجتمع اللبناني، مع ما يعني ذلك من مخاطر ليس فقط على اقتصاد لبنان وإنما على وضعه الديموغرافي وتوازناته الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق