عون في اول زيارة بروتوكولية لبكركي: لاحترام الميثاق والاخلاق
أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في كلمة له القاها في بكركي، «ان المشرق بمسيحييه يمر اليوم بفترة هي الاصعب».
وقال: «نعرف ان البطريرك الياس الحويك عمل على وحدة لبنان وسيادته وجمع كل الطوائف ومكوناته حول هذا الاستقلال»، مشدداً «على ضرورة ان نحترم الميثاق».
واشار الى «ان كل المؤسسات أصيبت بالوهن بسبب التمديد، ولبنان يتألم من الفساد الذي سد شرايين الدولة»، مؤكداً ان «السبب هو انحطاط في المجتمع»، وقال: «الاخلاق أعلى مرتبة من القوانين، وكل عمل سلطوي لا يحترم القوانين يصبح جريمة».
والراعي يعلن الدعم الكامل
وكان البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي القى كلمة أمام رئيس الجمهورية الذي وصل قرابة الحادية عشرة والربع قبل ظهر اليوم الى بكركي في زيارة بروتوكولية الى الصرح البطريركي، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، يرافقه رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل. وكان في استقباله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي، والبطاركة الكاثوليك المشاركون في مجلس البطاركة.
وانتقل الجميع بداية الى الكنيسة لتلاوة الصلاة التي بدأوها بمزمور «الرب نوري وخلاصي»، وألقى الراعي كلمة بالمناسبة أعلن فيها دعمه الكامل للرئيس عون وان الرئاسة والبطريركية تعملان معاً للبنان.
وقال الراعي: «شرف كبير لنا في هذا الكرسي البطريركي ان تقوم فخامتكم بالزيارة الاولى الرسمية اليه، بعد انتخابكم رئيساً للجمهورية اللبنانية، مع ما تحمل هذه الزيارة من دلالات. فيسعدني أن أرحب بكم وأهنئكم مع اخواني اصحاب الغبطة البطاركة والسادة المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات، أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، الذي يعقد دورته السنوية الخمسين. ويطيب لي أن أوجه باسمهم الى فخامتكم هذه الكلمة التي أعبر فيها عن تمنياتهم وانتظاراتهم ودعائهم».
وتابع: «ان تكون زيارتكم الرسمية الأولى الى بكركي، جرياً على تقليد عريق، فللتعبير عن أن رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية تعملان معاً بوحدة الكلمة والتعاون والسعي الدؤوب من اجل لبنان، كياناً ومؤسسات وشعباً. فنهج هذه البطريركية هو اياه الذي رسمه سلفنا البطريرك مار الياس بطرس الحويك ابو لبنان الكبير: «أنا بطريرك ماروني… أنا بطريرك لبنان… لقد نذرت حياتي من أجل القضية اللبنانية، التي اعتبرها قضية مقدسة… بما يخصني، ليس في لبنان طوائف، ولكن طائفة واحدة اسمها الطائفة اللبنانية» (المونسنيور عبدو يعقوب: الياس بطرس الحويك، بطريرك الموارنة بطريرك لبنان، ص 390 – 391).
واضاف: «هذا النهج استكمله من بعده، خلفه البطريرك مار انطون بطرس عريضه، ابو الاستقلال الناجز في خطابه الشهير لجمهور اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق والنزعات في 25 كانون الأول 1941، قال: «نصرح لكم بأن هذا الصرح البطريركي ليس وقفاً على الطائفة المارونية فحسب، بل هو بيت جميع اللبنانيين، ووقف للمصلحة اللبنانية، لا فرق فيها بين طائفة وأخرى» (الخوري باسم الراعي: وثائق البطريرك انطون عريضه الوطنية، ص221). ولذا، نؤكد لفخامتكم دعمنا الكامل لكم بوصفكم «رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، ولكونكم تسهرون على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه وفقاً لأحكام الدستور (الدستور المادة49)».
وقال: «نستقبلكم، فخامة الرئيس، في كنيسة الكرسي البطريرك، لكي نرفع صلاة الشكر لله على انتخابكم رئيساً للجمهورية، بعد سنتين وخمسة أشهر من الفراغ القاتل. وخصوصاً لأن انتخابكم وحد ما بين كبريات الكتل السياسية والنيابية التي تجاوزت انقسامات الماضي، ووحد ما بين فئات الشعب اللبناني، كمقدمة لمصالحة وطنية شاملة تحتاج الى استكمال في بداية عهدكم بتحقيق مشاركة جامعة ومتوازنة في الحكم والإدارة. إن نهوض لبنان وترقيه وازدهاره يحتاج الى الاتحاد بين جميع مكوناته والى توجيه طاقاتهم من اجله، فيما الخلاف يضعفه ويهدده».
وتابع: «هذا يعني ان انتخابكم اتى وفاء لنضالكم الطويل، لا كنقطة وصول وحسب، بل كنقطة انطلاق مسؤولة منكم، كربان لسفينة الوطن، نحو اقامة الدولة القادرة والعادلة والمنتجة، وسط رياح معاكسة، تعصف في منطقتنا المشرقية، ولبنان يتلقى الكثير من نتائجها السلبية. ما يقتضي الالتزام بالدستور والميثاق الوطني نصا وروحا من قبل القيادات السياسية والمسؤولين في الدولة كافة. انها فرصتكم، فخامة الرئيس، لتطبيق وثيقة اتفاق الطائف تطبيقاً فعلياً، منعاً لشل قرارات الدولة في كل حين، وتجنبا لتفكيك اوصالها.
وهذا يشكل الخطر الأكبر على الكيان. فلا بد، بادىء ذي بدء، وبالسرعة الممكنة، من إقرار قانون جديد للإنتخابات يكون حافزاً لمشاركة كل فئات الشعب في هذا الواجب الوطني، ويؤمن المناصفة التي نص عليها اتفاق الطائف، ويساهم في تجديد النخب في القيادة الوطنية، ويضمن حق مساءلة الشعب لمسؤوليه ومحاسبتهم».
واضاف: «ولكن من اولى الأولويات ان يوفق رئيس الحكومة المكلف بالتعاون مع فخامتكم في تأليف مجلس الوزراء الجامع، بروح المشاركة الشاملة لا المحاصصة. لا يجوز في أي حال استبدال «سلة الشروط» بصيغ التشبث بحقائب وباستخدام «الفيتو» من فريق ضد آخر. وهذا امر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ويدخل اعرافاً تشرع الباب أمام آخرين للمبادلة بالمثل، وتعرقل مسيرة قيام دولة الحق والقانون. نحن نأمل إزالة هذه الغيوم السوداء عن بداية عهدكم. من مقتضيات قيامة الدولة، التي ترغبون فيها، محاربة الفساد، ووضع حد لتدخل اهل السياسة في الإدارة العامة والقضاء والأجهزة الأمنية، واعتماد الكفاءة في مؤسسات الدولة والمساءلة والمحاسبة والثواب والعقاب».
واكد: «ان الشعب اللبناني يتطلع اليكم، وقد عانى طويلاً من تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي والبيئي، حتى بات في معظمه فقيراً. انه شعبكم وانتم حماته: شبابنا وسائر قوانا الحية ينتظرون تحفيز طاقاتهم داخل الوطن؛ المناطق تطالب بتطبيق اللامركزية الادارية من اجل نموها ومساهمتها في إنماء الدولة؛ القطاع الخاص، الذي يشكل قوة لبنان، يحتاج تعاوناً مع القطاع العام ودعماً تشريعياً بناء».
وأضاف الراعي: «ان الكنيسة في لبنان، المتمثلة حولكم الآن ببطاركتها ومطارنة ابرشياتها ورهبانياتها، مصممة، امانة منها للسيد المسيح ولرسالتها الإنجيلية، على مضاعفة جهودها في هيكلياتها الراعوية ومؤسساتها التعليمية العامة والتقنية والجامعية، والاستشفائية والاجتماعية والانسانية، من اجل خدمة شعبنا واجيالنا الطالعة وكل ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن أجل تأمين المزيد من فرص العمل. يمكنكم الاتكال عليها، وهي تطالب الدولة بدعمها والقيام بواجبها نحوها وانصافها بتشريعاتها. فلا يخفى على أحد دور الكنيسة في تعزيز ثقافة التعددية في الوحدة، والعيش معا مسيحيين وملسمين، والتربية على السلام المبني على العدالة والترقي والانماء، ما جعل لبنان صاحب نموذج تحتاج اليه المنطقة التي تمزقها الحروب المذهبية. ولا بد من أجل حماية رسالة لبنان السلامية في محيطه، من اعتماد سياسة ابعاده عن الصراعات الخارجية، كما وعدتم في خطاب القسم، جريا على خط سلفكم والحكومة.
وختم الراعي: «لقد أردنا، من هذا العرض، يا فخامة الرئيس، ان نعبر لكم عن موآزرة الكنيسة لكم ولمؤسساتنا الدستورية والعامة. واردناه استقبالاً في كنيسة الكرسي البطريركي لنرفعه دعاء الى الله كي يسدد خطاكم في تحقيق امنياتكم الوطنية الكبيرة، ويفيض عليكم النور والنعمة لتحافظوا مع جميع معاونيكم على لبنان في كيانه ووحدته وتنوعه وحرياته، وفي انتمائه الملتزم بمحيطه العربي، حاملاً اليه رسالة المحبة والتضامن والسلام.
عشتم فخامة الرئيس! وعاش لبنان!».