بوتين لماكرون: نحن ندعم الجيش السوري ضد الارهابيين في ادلب
سجال حاد بين الرئيسين حول «السترات الصفراء» ومظاهرات المعارضة الروسية
تطرق الرئيسان الفرنسي والروسي الاثنين لمواضيع إقليمية وإستراتيجية خلال لقائهما في مقر الإقامة الصيفية للرئاسة الفرنسية في بريغانسون بجنوب فرنسا. ويأتي هذا اللقاء قبل أيام من انعقاد مجموعة السبع. ففي الملف السوري أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة احترام الهدنة في منطقة إدلب، ورد فلاديمير بوتين على ذلك قائلاً إن موسكو تدعم الهجمات التي يشنها الجيش السوري ضد «إرهابيين». كما تناول الرئيسان أيضاً المظاهرات الأسبوعية للمعارضة في موسكو، إذ تعهد بوتين بأن هذه المظاهرات لن تكون شبيهة بحركة «السترات الصفراء» في باريس. وتطرق الرئيسان أيضاً لملف العلاقات الروسية الأوكرانية.
عبر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين عن استعداد جيد لإحداث انفراج في العلاقات بين بلديهما، لكن الخلاف لا يزال قائماً بينهما حول سوريا وحقوق الإنسان.
ووصل الرئيس الروسي مبتسما الى قلعة بريغانسون على شاطىء البحر المتوسط حاملا باقة من الورد لبريجيت ماكرون.
وبعد تبادل المجاملات أدلى كل من الرئيسين بتصريح وهما جالسان على كرسيين في حديقة القلعة حيث عقد اللقاء. ورغم إعرابهما عن الرغبة بالتقارب وسعي ماكرون للتقريب بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بقيت الخلافات ظاهرة بينهما بشأن الحرب في سوريا وحقوق الإنسان بشكل خاص.
إذ أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين عن شعوره بـ «القلق البالغ» إزاء القصف الذي تتعرض له منطقة إدلب السورية، وقال لنظيره الروسي فلاديمير بوتين إن الالتزام بوقف إطلاق النار في المنطقة «أمر ملح».
وقال ماكرون لبوتين «أعرب عن القلق البالغ حيال الوضع في إدلب. فسكان إدلب يعيشون تحت القصف، والأطفال يُقتلون. من الملح للغاية التقيد بوقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه في سوتشي».
وينص الاتفاق على حماية إدلب من أي هجوم كبير يشنه النظام السوري. ومنذ أواخر نيسان (ابريل) الماضي صعّدت كل من سوريا وروسيا قصفهما لمنطقة إدلب التي يعيش فيها نحو ثلاثة ملايين شخص، مما أدى إلى مقتل أكثر من 860 مدنياً.
لكن بوتين قال إن روسيا التي دخلت النزاع في 2015 لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، دعمت عمليات الجيش السوري في إدلب التي تعتبر آخر معقل كبير للجهاديين في البلاد. وتابع «نحن ندعم جهود الجيش السوري.. لوضع حد لهذه التهديدات الإرهابية".وأضاف "لم نقل أبدا إن الإرهابيين في إدلب سيشعرون بالراحة».
وتأتي هذه المحادثات لدى استقبال ماكرون بوتين بمقر إقامته الصيفية في بريغانسون (جنوب فرنسا)، قبيل قمة مجموعة السبع التي من المقرر انعقادها خلال عطلة نهاية الأسبوع المقبل.
سجال حاد
ودار سجال حادّ بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين عندما شبّه سيّد الكرملين قمع التظاهرات المطالبة بالديموقراطية في بلاده بأعمال العنف التي رافقت حركة «السترات الصفراء» الاحتجاجية في فرنسا.
وردّاً على سؤال عن قمع السلطات الروسية التظاهرات المطالبة بالديموقراطية والاعتقالات التي طالت حوالى ثلاثة آلاف متظاهر منذ منتصف تموز (يوليو)، أكّد بوتين أنّ ما جرى في بلاده لا يختلف كثيراً عن أعمال العنف التي رافقت احتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا خلال الشتاء والربيع الماضيين.
وقال الرئيس الروسي «هذه الحالات لا تحصل فقط في روسيا. أنا مدعوّ من قبل الرئيس الفرنسي وأشعر ببعض الانزعاج في الحديث عن هذا الأمر، ولكنّنا نعرف ما حدث خلال تظاهرات السترات الصفر حيث – بحسب إحصاءاتنا – سقط 11 قتيلاً و2500 جريح، من بينهم ألفان من عناصر الشرطة. لا نريد أن تقع مثل هذه الأحداث في العاصمة الروسية».
وأورد بوتين هذه الحصيلة على الرّغم من أنّ السلطات الفرنسية تقول إنّ قتيلة واحدة فقط هي مسنّة ثمانينية سقطت نتيجة قنبلة مسيلة للدموع بينما كانت تقف على شرفة منزلها، في حين قتل عشرة أشخاص في حوادث تسبّبت بها حواجز نصبها متظاهرون على الطرقات.
ولم يكد بوتين ينهي كلامه حتى سارع ماكرون – الذي بدا عليه بوضوح الانزعاج من هذه المقارنة – إلى الردّ بالقول إنّ لا وجه للشبه إطلاقاً بين ما جرى في فرنسا وما يجري في روسيا.
وقال الرئيس الفرنسي «في كل مكان في بلادنا تجري تظاهرات» لكنّ «المهمّ هو أنّنا عندما نوقّع على معاهدات فإنّنا نحترمها».
وتابع الرئيس الفرنسي «روسيا على غرار فرنسا وقّعت على معاهدات دولية تنصّ على أنّ حرية التعبير وحرية الرأي وحرية التظاهر وحرية الترشح للانتخابات يجب أن تُحترم في ديموقراطياتنا. هذا هو السبب الذي دفع فرنسا لأن تدعو هذا الصيف إلى الالتزام بهذا الأمر، بما في ذلك الوضع في موسكو لأنّه يثير قلق كثيرين».
وشدّد ماكرون على أنّ «فرنسا شهدت حالات تخلّلتها أعمال عنف» أسفرت عن سقوط جرحى في صفوف المتظاهرين وقوات الأمن على حدّ سواء، «غير أنّ فرنسا احترمت دستورها وحقوق مجلس أوروبا».
وأضاف «حرية التظاهر تمت حمايتها، لكن عندما يعتدي البعض على النظام العام فيجب عندها الحفاظ عليه».
وتابع ماكرون «أقولها بوضوح إنّه في فرنسا – وهذا هو السبب في أنّ المقارنة لا تجوز – أولئك الذين تظاهروا ترشّحوا بكل حرية إلى الانتخابات، وأولئك الذين نطلق عليهم السترات الصفراء شاركوا بحرية في الانتخابات الأوروبية وسيشاركون في الانتخابات البلدية».
وأكّد الرئيس الفرنسي «أنّنا في بلد يستطيع فيه الناس التعبير بحرية والتظاهر بحرية والتعبير عن رأيهم بحرية»، معتبراً أنّ «هذا هو الفرق بين الحرية التي تستدعي الحفاظ على النظام العام وعدم احترام الحرية».
غير أنّ الرئيس الروسي أبى في نهاية مطالعة ماكرون إلّا أن يرد عليه بالقول «هذا ما نفعله نحن»، مؤكّداً أنّه تمّ «مرتين في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) السماح لتظاهرات حاشدة».
وأضاف بوتين «بهذه الطريقة أودّ أن تجري الأمور لدينا وفي بلدان أخرى».
أوكرانيا
وتابع ماكرون «إن روسيا أوروبية وبعمق… ونحن نؤمن بأوروبا التي تمتد من لشبونة إلى فلاديفوستوك»، معرباً عن رغبته بالعمل على «إعادة ربط روسيا بأوروبا بعد خلافات العقود الماضية».
ودعا إلى استعادة «الثقة» في نظام دولي «في طور إعادة التشكل»، معتبراً أنه بالرغم من «سوء التفاهم حول مواضيع عدة خلال العقود الأخيرة» فإن روسيا «أوروبية» و«علينا أن نعيد ابتكار بناء من الأمن والثقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا».
واختلف الرئيسان أيضاً حول الوضع في أوكرانيا، إذ دعا ماكرون إلى عقد قمة رباعية تجمع فرنسا وروسيا وألمانيا وأوكرانيا «خلال الأسابيع المقبلة» حول هذا النزاع الذي يسمم العلاقات الروسية الأوروبية، فيما اكتفى بوتين بالإعراب عن «تفاؤل حذر» حول هذا الملف وإبداء استعداده لمناقشته.
وفي حين قال ماكرون «إن خيارات الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي تعتبر تغيرا فعليا للوضع»، قال بوتين إنه سيتحادث مع ماكرون «بما ناقشه مع الرئيس الاوكراني الجديد» مضيفاً «هناك أمور تستحق النقاش وتتيح مجالاً للتفاؤل ولو بحذر».
وفي بادرة رمزية، أعلن ماكرون أنه سيزور موسكو في أيار (مايو) 2020 لحضور الاحتفالات بالذكرى الـ75 للانتصار على ألمانيا النازية.
ورد بوتين مبديا «امتنانه» للرئيس الفرنسي لقبوله الدعوة إلى هذه الاحتفالات التي يعلق عليها الروس أهمية كبرى وقاطعها الغربيون منذ أن احتلت روسيا القرم من أوكرانيا وضمتها.
فرانس24/ أ ف ب