قصف ومعارك في مجمع الشفاء في غزة وتحذير جديد من كارثة في شمال القطاع

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل الاثنين 20 مقاتلاً فلسطينياً وأوقف أكثر من 200 خلال عملية واسعة النطاق على مجمع الشفاء الطبي الأكبر في قطاع غزة وسط قصف مدفعي وغارات جوية كثيفة أجبرت سكان الأحياء القريبة على الفرار راجلين.
وانتقدت الولايات المتحدة حليفة إسرائيل الرئيسية، مجدداً، الدولة العبرية التي تعد لهجوم بري في رفح «آخر معقل» لحركة حماس، إذ حذر الرئيس الأميركي من أن عملية كهذه في مدينة يحتشد فيها النازحون في أقصى جنوب القطاع، ستشكل «خطأ».
ومساء الاثنين تتواصل العملية ضد مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة في شمال قطاع غزة المحاصر.
وأتت هذه العملية الجديدة فيما تتصاعد المخاوف من الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب منذ أكثر من خمسة أشهر بين إسرائيل وحركة حماس واحتمال انتشار المجاعة.
وقال مسؤول الشؤون الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل «كانت غزة قبل الحرب سجناً مفتوحاً. باتت اليوم أكبر مقبرة مفتوحة… إنها مقبرة لعشرات آلاف الأشخاص كما أنها مقبرة للكثير من أهم مبادئ القانون الإنساني».
وكرّر بوريل اتهام إسرائيل باستخدام المجاعة «سلاح حرب».
واتهمت منظمة «أوكسفام» غير الحكومية إسرائيل بـ«تعمد» منع دخول المساعدة الإنسانية إلى القطاع حيث تهدد المجاعة 2،2 من أصل 2،4 مليون نسمة عدد سكانه الأجمالي.
ورد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالقول إن «إسرائيل تسمح بدخول مساعدة إنسانية كبيرة إلى غزة براً وجواً وبحراً».
وحذر تقرير تدعمه الأمم المتحدة من تفشي المجاعة في شمال القطاع المدمر والمعزول بحلول أيار (مايو)، في غياب تدخل عاجل. وأفاد أن «كل الأدلة تشير إلى تسارع كبير في الوفيات وسوء التغذية».
وقالت نائبة مدير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بيث بيكدول لوكالة فرانس برس إن 1،1 مليون شخص أو «نصف السكان عند مستويات كارثية، قريبة من المجاعة (هذا) غير مسبوق».
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن التقرير «دليل قاطع على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية».
وقال «علينا أن نتحرك الآن لمنع ما لا يمكن تصوره وما هو غير مقبول وغير مبرر».
لم تتوافر بعد حصيلة للضحايا في مجمع الشفاء. وقالت وزارة الصحة التابعة لحماس «تلقينا اتصالات بوجود عشرات الشهداء والمصابين في الشوارع في حي الرمال ومحيط مستشفى الشفاء، ولا يستطيع أحد نقلهم للمستشفى بسبب كثافة إطلاق النار والقصف المدفعي».
وقال شهود إن مبنيين داخل المجمع الطبي وهو الأكبر في قطاع غزّة، تعرضا للقصف، وإن حريقًا شب في الطبقات العلوية.
وقال الجيش إنه نفذ عمليته بناء على معلومات بوجود قياديين من حماس داخل المجمع الذي طوقته دباباته منذ الفجر.
ومساء قال الناطق باسم الجيش دانييل هاغاري «لقد قضينا على أكثر من 20 إرهابياً في المجمع الطبي» مضيفاً أن «أكثر من 20» آخرين قتلوا «في المنطقة المحيطة بالمستشفى».
وأشار أيضاً إلى توقيف «أكثر من 200 إرهابي مفترض».
وأفاد الجيش في وقت سابق أنه قتل في مواجهات داخل المجمع فائق المبحوح الذي وصفه بأنه «رئيس مديرية العمليات في الأمن الداخلي، المسؤول عن تنسيق أنشطة حماس».
وقال مراسل لوكالة فرانس برس إن الطيران الحربي قصف عشرات الشقق السكنية في حي الرمال ومحيط مجمع الشفاء الذي يضم كذلك آلاف النازحين، وإن المواطنين وغالبيتهم أطفال ونساء ومسنون شوهدوا يهربون باتجاه حي الزيتون والدرج في وسط وشرق مدينة غزة في ظل القصف.
وأظهرت صور لوكالة فرانس برس دخاناً أسود يغطي سماء غزة وأعدادًا من المدنيين الذين اكتسوا بالغبار يفرون على غير هدى على طرق غطاها الركام، بينما عالج آخرون جرحى في الشارع.
وأعلن الجيش حي الرمال والمجمع «منطقة قتال خطيرة»، وألقى منشورات دعت المدنيين لإخلائها «بشكل فوري».
وارتفعت حصيلة قتلى الجيش في قطاع غزة إلى 250 منذ بدء عمليته البرية في 27 تشرين الأول (أكتوبر) بعد مقتل جندي الإثنين، قال مصدر أمني لفرانس برس إنه قُتل في مجمع الشفاء.
وقال مكتب الإعلام التابع لحماس وشهود أن الجيش «اقتحم المستشفى ويقوم مع ضباط أمن بعمليات استجواب وبالتحقيق مع عدد من أفراد الكادر الطبي ومصابين ومرضى ومرافقيهم في قسم الطوارئ والاستقبال فيه».
وقال سكّان إنّ دبابات اقتحمت مستشفى الشفاء من البوابتين الجنوبية والشمالية، بعد «توغل أكثر من 45 دبّابة وناقلة جند مدرّعة» في حيي الرمال وتل الهوى. وأفادوا عن «معارك» وعن «مُسيّرات تطلق النار في الشوارع المحيطة» بالمجمع.
وقال المكتب الإعلامي التابع لحماس إن «اقتحام مجمّع الشفاء الطبّي بالدبّابات والطائرات المسيّرة والأسلحة، وإطلاق النار في داخله، هو جريمة حرب».
وتعقيبًا على ذلك، عبر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عن «قلق بالغ» وحذر من أن «أي أعمال قتالية أو عسكرة للمنشأة تعرّض للخطر الخدمات الصحية ووصول سيارات الإسعاف وإيصال الإمدادات المنقذة لحياة» السكان.
اقتحم الجيش في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) المجمع الذي يعمل حالياً بالحدّ الأدنى وبأقلّ عدد من الموظّفين. وقال حينها إنّه عثر على «ذخيرة وأسلحة ومعدّات عسكريّة»، وهو ما نفته حماس.
وتقول الأمم المتحدة إنّ أقلّ من ثلث مستشفيات القطاع يعمل وبشكل جزئيّ فقط بعد أن تضررت 155 منشأة.
وعلى صعيد جهود الوساطة للتوصل إلى اتفاق هدنة، قال مسؤول في حماس لوكالة فرانس برس مساء الإثنين إنه لم يتم تسجيل «أي تقدم» في المحادثات الجارية عبر الوسطاء.
وقد أرسلت إسرائيل رئيس الموساد إلى قطر لجولة جديدة من المحادثات بعد أشهر من الجهود غير المجدية للدول الثلاث التي تقوم بوساطة وهي الولايات المتحدة وقطر ومصر.
قدّمت حماس الأسبوع الماضي مقترحاً للتهدئة يقوم على مرحلتين ويفضي في النهاية الى وقف دائم لإطلاق النار في الحرب مع إسرائيل.
وينص على مرحلة أولى تتضمّن هدنة لستة أسابيع والإفراج عن 42 رهينة إسرائيليين بينهم للمرة الأولى مجندات في مقابل إفراج «إسرائيل عن 20 الى 30 أسيرًا فلسطينيا مقابل كل محتجز إسرائيلي»، وعن 30 إلى 50 معتقلاً فلسطينياً في مقابل كل جندي أو جندية.
كذلك، تشمل المرحلة الأولى «الانسحاب العسكري من المدن والمناطق المأهولة كافة في قطاع غزة وعودة النازحين دون قيود وتدفق المساعدات بما لا يقل عن 500 شاحنة يومياً».
وفي المرحلة الثانية، تفرج الحركة عن المحتجزين كافة لديها في مقابل «عدد يتم الاتفاق بشأنه من الأسرى الفلسطينيين».
ومع ارتفاع أعداد القتلى وانتشار الدمار واتساع المأساة، ازدادت الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الإثنين إنه أكد للرئيس الأميركي خلال مكالمة هاتفية، تصميم إسرائيل على «تحقيق جميع أهداف الحرب» بما في ذلك «القضاء على حماس».
ورغم الضغوط الدولية يعد جيشه لهجوم بري في رفح عند الحدود المغلقة مع مصر.
وأعرب بايدن عن «قلق عميق» بشأن هذا الهجوم المحتمل معتبراً أنه سيشكل «خطأ».
وكان نتانياهو قال إن إسرائيل لن تشن الهجوم طالما أن السكان «عالقون في المكان» إلا ان منظمات عاملة في المجال الإنساني اعتبرت أن إجلاء هذا العدد الكبير من الناس شبه مستحيل.
وأحكمت إسرائيل منذ هجوم حماس حصاراً تفرضه منذ 2007 على قطاع غزة مع سيطرة الحركة الفلسطينية على السلطة فيه. وهي تشرف على دخول المساعدة الإنسانية إليه.
إلا أن هذه المساعدة تدخل خصوصاً من مصر عبر معبر رفح وتبقى غير كافية إزاء حاجات السكان الهائلة وتصل بصعوبة إلى شمال القطاع الذي لحق به دمار كبير وحيث تقول الأمم المتحدة أن أكثر من 300 ألف شخص لا يزالون يقيمون.
وقالت أم عمر المشهراوي «لا يوجد شيء للأكل أو الشرب. الأطفال يموتون».
واتهم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إسرائيل «بتجويع الأطفال حتى الموت».
وتقول وكالات إغاثية إن إيصال المساعدات وتوزيعها صعب في الشمال وإن إلقاء المساعدات من الجو الذي عمدت إليه دول عدة والممر البحري الذي أقيم لا يلبيان الاحتياجات الهائلة للسكان البالغ عددهم 2،4 مليون نسمة، اكثر من 1،7 مليون منهم نازحون.
ا ف ب