الجيش الاسرائيلي يقتحم مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة
اقتحم الجيش الإسرائيلي فجر الأربعاء مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفيات قطاع غزة، حيث لا يزال أكثر من ألفي شخص عالقين، بعد معارك عنيفة في محيط المنشأة التي تتهم الدولة العبرية حماس باستخدامها لأغراض عسكرية، وهو ما تنفيه الحركة.
وأكد مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون فجراً اقتحام المستشفى الواقع في مدينة غزة بشمال القطاع، والذي دارت في محيطه منذ أيام معركة عنيفة تخللها تعرضه لقصف من الجيش الاسرائيلي المتقدم معززاً بالدبابات.
وأكد وكيل وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس في غزة يوسف أبو الريش لوكالة فرانس برس رؤية الدبابات خارج المجمع، مؤكداً دخول «عشرات الجنود» الى مبنيي الطوارئ والاستقبال.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنّ وحداته «تنفّذ عملية دقيقة ومحدّدة الهدف ضدّ حماس في منطقة محدّدة في مستشفى الشفاء، وذلك بناء على معلومات استخباراتية وضرورات عملياتية».
وأكّد الجيش في بيانه أنّ وحداته «تضمّ طواقم طبّية ومتحدّثين باللغة العربية خضعوا لتدريبات محدّدة للاستعداد لهذه البيئة المعقّدة والحسّاسة، بهدف عدم إلحاق أيّ ضرر بالمدنيين الذين تستخدمهم حماس دروعاً بشرية».
وأتى البيان بعيد إعلان المتحدّث باسم وزارة الصحة التابعة لحماس أنّ الجيش الإسرائيلي اتّصل هاتفياً بوكيل الوزارة لإخطاره بأنّ قواته ستقتحم المستشفى.
وقال الدكتور أشرف القدرة لقناة الجزيرة القطرية عبر الهاتف إنّ «الاحتلال الإسرائيلي تواصل مع وكيل وزارة الصحة وأبلغه أنّه خلال الدقائق المقبلة سيتمّ اقتحام مجمّع الشفاء الطبّي وطلب أن يتمّ إبلاغ الجميع بعدم الوقوف قرب النوافذ حتى لا يكون هناك خطر على حياتهم».
وأضاف أنّ «الاحتلال الإسرائيلي قرّر، وأبلغنا بشكل رسمي، نيّته اقتحام مجمّع الشفاء الطبّي».
وكانت تقديرات الأمم المتحدة أشارت الى وجود 2300 شخص على الأقل داخل المجمع، بينهم مرضى وأفراد طواقم طبية والعديد من النازحين، مرجحة أن يكونوا غير قادرين على مغادرته في ظل المعارك العنيفة التي تدور في محيطه.
وقالت منظمات إنسانية في وقت سابق إن الأشخاص الموجودين في المستشفى تعرضوا لإطلاق نار لدى محاولتهم المغادرة.
وكانت الظروف صعبة داخل المجمع خصوصاً في ظل انقطاع الكهرباء منذ أيام.
وقال مدير المستشفى محمد أبو سلمية لفرانس برس الثلاثاء أن «179 جثة» على الأقل دفنت في «قبر جماعي» في باحة المجمع، موضحاً أن بينهم سبعة أطفال خدج توفوا جراء انقطاع الكهرباء.
وأضاف «اضطررنا إلى دفنهم في قبر جماعي» مشيراً إلى أن «الجثث تنتشر في ممرات المستشفى والكهرباء مقطوعة عن برادات المشارح» مع عدم دخول أي كمية من الوقود إلى القطاع منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
وأشار الى أن عدد الوفيات في وحدة العناية المكثفة بلغ 29 منذ السبت.
اتهامات أميركية
وحضّ أبو الريش المجتمع الدولي والأمم المتحدة على التدخل العاجل «لوقف عملية الاقتحام» الاسرائيلية، مشيراً الى أن في المجمع «آلاف من الجرحى».
وأشار صحافي متعاون مع فرانس برس في المجمع الى أن الجيش الإسرائيلي كان يقوم صباح الأربعاء باستجواب الموجودين ومن بينهم أطباء ومرضى.
ويأتي اقتحام المستشفى في خضم عمليات برية يشنّها الجيش الإسرائيلي ضمن الحرب التي اندلعت بينه وبين حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) بعد هجوم غير مسبوق نفّذته على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
وقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل غالبيتهم من المدنيين قضوا في اليوم الأول من الهجوم بحسب السلطات الإسرائيلية التي تقدّر كذلك أن نحو 240 شخصا أخذوا رهائن في الهجوم.
وتقصف إسرائيل القطاع دون هوادة منذ الهجوم، وبدأت شنّ عمليات برية اعتبارا من 27 تشرين الأول (أكتوبر) بهدف «القضاء» على حركة حماس التي تسيطر على القطاع منذ 2007.
وقال الجيش الثلاثاء إن 46 جندياً قتلوا في قطاع غزة منذ بدء الحرب.
وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس الثلاثاء أن 11320 شخصاً قتلوا في القصف المتواصل على القطاع المحاصر، وأن من بين القتلى 4650 طفلاً.
وتكرر اسرائيل اتهام حماس باستخدام مجمع الشفاء الطبي ومستشفيات أخرى كغطاء لمنشآت عسكرية وشبكة أنفاق. الا أن الحركة الفلسطينية تنفي ذلك بشدة.
وأتت عملية الاقتحام بعيد تكرار الولايات المتحدة الحليفة لإسرائيل وداعمتها منذ بدء الحرب الاتهامات التي توجهها الدولة العبرية.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الابيض جون كيربي الثلاثاء إن حركتي حماس والجهاد الاسلامي لديهما «مركز قيادة ومراقبة انطلاقاً من مستشفى الشفاء» في قطاع غزة.
وقال للصحافيين «إنها جريمة حرب»، مضيفاً أن الحركتين تستخدمان «بعض المستشفيات في قطاع غزة، بما فيها مستشفى الشفاء. وهناك أنفاق تحته لإخفاء ودعم عملياتهما العسكرية ولاحتجاز رهائن».
وسارعت حماس لنفي الاتهامات.
وقالت في بيان «ندين بشدة ونرفض تصريحات البنتاغون والبيت الأبيض التي يتبنّيان فيها أكاذيب» إسرائيل حول استخدام الحركة مستشفيات لغايات عسكرية في انتهاك للقانون الدولي.
واعتبرت أن هذه التصريحات هي «بمثابة ضوء أخضر أميركي لارتكاب الاحتلال لمزيد من المجازر الوحشية بحقّ المستشفيات بهدف تدمير القطاع الصحي والضغط على شعبنا لتهجيره من أرضه».
وفي أعقاب الاعلان عن الاقتحام الاسرائيلي، حضّ البيت الأبيض على «حماية المستشفيات والمرضى».
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي «لن نعلّق بالتفصيل على العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية».
وأضاف «كما قلنا من قبل، نحن لا نؤيّد قصف مستشفى من الجوّ، ولا نريد أن نرى تبادلاً لإطلاق النار يحصل داخل مستشفى يوجد فيه أبرياء وأناس لا حول لهم ومرضى يبحثون عن الرعاية الصحية التي يستحقّون، ويجدون أنفسهم عالقين في مرمى النيران»، متابعاً أنه «يجب حماية المستشفيات والمرضى».
ودعا الرئيس الاميركي جو بايدن اسرائيل الى ضبط النفس، فيما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «قلقه الشديد للوضع المروع والخسائر الكبيرة في الأرواح في العديد من المستشفيات» في غزة، وفق ما اعلن المتحدث باسمه الثلاثاء.
وأضاف المتحدث ستيفان دوجاريك «باسم الإنسانية، يدعو الامين العام الى وقف إنساني فوري لإطلاق النار».
22 من 36
ومجمع الشفاء الطبي ليس الوحيد الذي يعاني في قطاع غزة جراء المعارك.
فقد أعلنت حكومة حماس مطلع الأسبوع أن كل مستشفيات شمال قطاع غزة حيث تتركز المعارك باتت «خارج الخدمة» بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود.
واعلنت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء أن 22 من أصل 36 مستشفى في غزة باتت خارج الخدمة.
وفي مقابلة أجرتها معها شبكة بي بي سي قالت مديرة الإعلام والتواصل لدى وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) جولييت توما إن «الأوضاع تتفاقم على مر الدقائق».
ويخضع قطاع غزة منذ التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) لحصار إسرائيلي كامل يحرمه من الماء والكهرباء والوقود والأدوية. وتفرض أسرائيل أساساً حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على قطاع غزة منذ تولي حماس السلطة فيه في العام 2007.
والإثنين وصلت 155 شاحنة مساعدات من مصر بحسب الهلال الاحمر الفلسطيني، ليرتفع بذلك عدد هذه الشاحنات إلى 1135 منذ 21 تشرين الأول (اكتوبر).
وتواصل الأمم المتحدة اطلاق مناشدات لإدخال الوقود إلى غزة لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات خصوصاً، لكن إسرائيل ترفض بحجة أن تستخدم حماس المادة لعملياتها العسكرية.
اتفاق رهائن؟
توازياً مع المعارك الميدانية، تتواصل المساعي في الكواليس من أجل ابرام اتفاق يتضمن الافراج عن رهائن تحتجزهم حماس مقابل وقف إطلاق نار موقت.
وطالبت عائلات رهائن محتجزين في غزة الحكومة الاسرائيلية الثلاثاء بـ«الموافقة على اتفاق هذا المساء للافراج عن جميع الرهائن في غزة»، مناشدة الحكومة «عدم عرقلة اتفاق».
وحضّت قطر إسرائيل وحماس الثلاثاء على التوصل الى اتفاق بهذا الشأن.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في مؤتمر صحافي في الدوحة «نعتقد أنه لا توجد فرصة أخرى للجانبين سوى هذه الوساطة للتوصّل إلى وضع يمكننا أن نرى فيه بصيص أمل في هذه الأزمة الرهيبة».
واعتبر أنّ الوضع «المتدهور» في غزة يعوق جهود الوساطة التي تقودها الدولة الخليجية لإطلاق رهائن وضمان وقف إطلاق نار موقت في قطاع غزّة.
واتهمت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس إسرائيل بـ«المماطلة» في المفاوضات.
وكان نتانياهو قد تحدّث الاحد عن احتمال التوصل لاتفاق للإفراج عن الرهائن، لكنه عاد وقال الثلاثاء «متى أصبح هناك شيء ملموس لمشاركته فسنفعل ذلك».
وتفيد الأمم المتحدة أن 1،6 مليون شخص من أصل 2،4 مليون عدد سكان قطاع غزة، نزحوا جنوباً منذ بدء الحرب.
وفي الأيام الأخيرة فر عشرات آلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة الذي استحال دماراً إلى الجنوب بعد فتح «ممرات» إجلاء.
ا ف ب