معارك السودان تتواصل رغم تراجع حدّتها في ثاني أيام وقف إطلاق النار
سجلت حدة المعارك في السودان تراجعاً محدوداً في اليوم الثاني من هدنة الأسبوع المعلنة بين طرفي النزاع، لكن أزيز الرصاص والانفجارات بقي يخرق أجواء الخرطوم ويحول دون فتح ممرات آمنة للمساعدات.
وكان الوسطاء الأميركيون والسعوديون قد أعلنوا التوصل بعد أسبوعين من المفاوضات، الى هدنة تعهّد الطرفان المتصارعان، أي الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، احترامها.
لكن منذ بداية الحرب، تم الإعلان مراراً عن اتفاقات لوقف النار تعرضت للانتهاك في كل مرة. وبدا أن الهدنة الأحدث تلاقي مصير سابقاتها، اذ تردد دوي الانفجارات وأزيز الرصاص في أنحاء مختلفة من الخرطوم الأربعاء، بينما تصاعدت أعمدة دخان أسود، وفق شهود.
وقال وسطاء إن «القتال في الخرطوم بدا أقل حدة… لكن المعلومات تفيد أنهما انتهكاً» الهدنة منذ بدء سريانها رسمياً ليل الإثنين الثلاثاء.
من جهته، أكد مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في تصريحات للصحافيين في جنيف الاربعاء أنه «على الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتتالية، لا يزال المدنيون يتعرضون لخطر الموت والإصابة».
وأضاف «بين عشية وضحاها تلقينا تقارير عن طائرات مقاتلة في الخرطوم ووقوع اشتباكات في بعض مناطق المدينة، وكذلك في بحري وأم درمان».
منذ 15 نيسان (أبريل)، أسفر النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع عن مقتل المئات وأكثر من مليون نازح وما يفوق عن 300 ألف لاجئ إلى الدول المجاورة.
وبحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي)، بلغت حصيلة القتلى منذ اندلاع المعارك 1800 شخص سقط معظمهم في العاصمة وفي مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور.
تسوّق وطبابة
ويأمل المعنيون في أن يتيح اتفاق الهدنة الذي وقّعه الطرفان على هامش مباحثات في مدينة جدة السعودية، خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية.
وعلى رغم تواصل المعارك، أكد سكان في العاصمة أنهم استغلوا تراجع حدّتها للخروج من منازلهم وقضاء حوائجهم.
وقالت إحسان دفع الله لوكالة فرانس برس إن «الهدنة أتاحت لي الوصول مع أمي المريضة إلى مستشفى أم درمان».
وأضافت «لم تقابل أمي الطبيب أو تتناول الدواء منذ 20 يوماً».
أما محمد طاهر (55 عاماً) فأكد أنه تمكن من الذهاب الى «السوق في الخرطوم» على بعد خمسة كيلومترات من منزله، وعاد الى منزله من دون التعرض لأذى.
وأرغمت الفوضى الملايين من سكان العاصمة خصوصاً على ملازمة منازلهم للاحتماء من الرصاص الطائش وأعمال السرقة والنهب ولكنهم يعانون ندرة الماء والغذاء وانقطاع الكهرباء.
وفي هذا الصدد قال خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر «يشعر الناس أنه تم التخلي عنهم وسط النقص المزمن في الطعام ومياه الشرب… البلد كله أصبح رهينة».
من جهتهم، أعرب عاملو الإغاثة الطبية عن قلقهم بشأن النقص الحاد في الموارد، إذ تسبب القتال في تدمير ونهب معظم المستشفيات، خصوصاً في الخرطوم ودارفور.
وقال جان نيكولا ارمسترونغ من منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في بيان الأربعاء «عقب تعرض أحد مستودعاتنا الطبية للنهب في الخرطوم، قُطع التيار الكهربائي عن الثلاجات وأُخذت الأدوية».
وتابع «دمّرت سلسلة التبريد بأكملها، ففسدت الأدوية وباتت غير صالحة لعلاج أي مريض».
وأضاف ارمسترونغ «نشهد خرقًا للمبادئ الإنسانية، والحيز الإنساني المتاح آخذ بالتقلص بشكل لم أشهده إلا نادراً».
«مسار انهيار الدولة»
بعد الاتفاق على الهدنة، وجّه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رسالة إلى السودانيين قال فيها «إذا تم انتهاك وقف اطلاق النار، سنعرف».
وتابع «سنحاسب المخالفين من خلال عقوبات نفرضها ووسائل أخرى متاحة لنا».
وتزامناً مع ذلك تتواصل هجرة السودانيين إلى البلدان المجاورة وعلى رأسهم مصر وتشاد وجنوب السودان. وأفادت المنظمة الدولية للهجرة الدولية بأن عدد الفارين خارج البلاد بلغ 319 ألف شخص.
حذر خبير الشأن السوداني أليكس دي فال من أن «مسار انهيار الدولة» يهدد الآن «بتحويل السودان كله، بما في ذلك الخرطوم، إلى ما يشبه دارفور قبل 10 أو 15 عاماً».
وأضاف دي فال في إشارة إلى ميليشيا الجنجويد التي انبثقت منها قوات الدعم السريع «هذه هي البيئة التي ازدهر فيها حميدتي، حيث يحدد المال والرصاص كل شيء… هذا هو مستقبل السودان إذا استمرت» الحرب.
وكانت وتيرة المعارك في إقليم دارفور غربيّ البلاد القتال شديدة للغاية، إذ أفادت الأمم المتحدة أن أعمال العنف الأخيرة التي اندلعت في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور دفعت 85 ألف شخص إلى النزوح وأدت إلى «إحراق جميع مراكز استقبال النازحين البالغ عددها 86 بالكامل».
مثل الكثير من السودانيين، يخشى ياسر عبد العزيز الموظف الحكومي بمدينة شندي الشمالية «نشوب حرب أسوأ من صراعات الشرق الأوسط والاضطرابات التي شهدتها مناطق أخرى في القرن الإفريقي».
وقال لوكالة فرانس برس «أخشى ألا يقف السيناريو القادم عند بلدان مثل سوريا أو ليبيا أو اليمن، بل نصل إلى السيناريو الصومالي، حيث تؤجج الناس العنصرية والقبلية»<
ا ف ب